هبة بريس - مروان المغربي يبدو أن ملف "مشروع قانون الإضراب" على وشك الانفجار وإدخال الحكومة في زوبعة الأزمات المتواصلة منذ تشكيل حكومة أخنوش في صيغتها الأولى، وتواصل استمرار أزمة العلاقة مع عدد من القطاعات في النسخة الثانية من الحكومة رغم تغير بعض الوجوه. وتصاعدت نبرة خطاب المركزيات النقابية المعارضة بشدة لمحاولات الحكومة، في شخص يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، الذي تتهمه النقابات بالتواطؤ مع الباطرونا ويخدم مصالحها على حساب الشغيلة، من خلال تمرير مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب في البرلمان دون حوار اجتماعي، والذي قال الاتحاد العام لمقاولات المغرب (الباطرونا) إن “خطوة الحكومة منطقية”. مشروع قانون تنظيمي للإضراب: وحسب أهم النقط المرفوضة من طرف النقابات الواردة في مشروق القانون هو أنه لا يمكن ممارسة الإضراب إلا بعد الالتزام بمجموعة من التدابير أبرزها، مرور 30 يوما على توصل المشغل بالملف المطلبي، وحصول مفاوضات حول هذا الملف، وإذا لم تحصل يجب بذل ”المساعي اللازمة لإجراء محاولة الصلح“، وإذا فشل ذلك كله يمكن للنقابة خوض الإضراب وفق شروط. كما ينص المشروع على منع ”عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب“، وهي مسألة تثير توجس النقابات، ويقصد بالعرقلة ”كل فعل يؤدي أو قد يؤدي إلى منع الأجير غير المضرب أو المشغل من ولوج أماكن العمل أو القيام بمزاولة نشاطه المهني بواسطة الإيذاء أو العنف أو التهديد أو احتلال أماكن العمل، أو مداخلها أو الطرق المؤدية إليها“. وتصل العقوبة في هذه الحالة إلى الغرامة ما بين 5 آلاف و10 آلاف درهم ”دون الإخلال بالعقوبات الجنائية الأشد“. كما نص المشروع على الاقتطاع من أجور المضربين، باعتبارهم ”في حالة توقف مؤقت عن العمل“ ولا يمكنهم الاستفادة من الأجر. كما أن قرار الإضراب يجب أن يتخذ على مستوى جمع عام للنقابة ويجب تبليغ المشغل رسميا بتاريخ ومكان انعقاد الجمع 7 أيام قبل تاريخ انعقاده. ولصحة انعقاد الجمع العام يجب أن يحضره ثلاثة أرباع أجراء المقاولة، ويتخذ قرار الإضراب بالاقتراع السري بالأغلبية المطلقة، وكل ذلك يوثق في محضر. كما يجب تبليغ المشغل بقرار الإضراب 15 يوميا على الأقل قبل تاريخ تنفيذه، وفي حالة كان الإضراب بسبب عدم أداء الأجور، فإن مدة التبليغ تنخفض إلى 5 أيام. وعلى النقابة المضربة إحاطة عدة جهات أخرى بقرار الإضراب 7 أيام قبل تنفيذه. أما في حالة الإضراب الوطني، فيجب تبليغ رئاسة الحكومة، فضلا عن وزارتي الداخلية، والتشغيل، والمنظمات المهنية للمشغلين. كما يجب إخبار السلطة الحكومية التابع لها القطاع المضرب، وإخبار والي الجهة أو العامل، ووزارة التشغيل إذا تعلق الأمر بإضراب في مقاولة... وتعليقا على رفض النقابات لمشروع القانون المذكور، وتشكيل جبهة لمواجهته، قال عبد الله غميمط، الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم -التوجه الديمقراطي في تصريح لـ"هبة بريس" بأننا أمام ترسانة قانونية تسعى هذه الحكومة إلى تمريرها من أجل تكبيل الحقل النقابي والاجتماعي بشكل تام. وأكد غميمط على أن "الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد" تأسست في إطار التفاعل مع النقاش الدائر حول المخططات ومشاريع قوانين المتعلقة أساسا بالإضراب والتقاعد ومشروع قانون متعلق بدمج الكنوبس في صندوق الضمان الاجتماعي. وأشار ذات المتحدث إلى أنه "منذ برنامج التقويم الهيكلي تم فرض مجموعة من التراجعات على الطبقة الشغيلة وتم الاجهاز على الخدمات الأساسية والتي من أبرزها التعليم والصحة والشغل والسكن، كما تم العدوان على صندوق المقاصة الذي نجم عن غلاء الأسعار وتقهقر القدرة الشرائية للمواطنين وكطلك خوصصة الخدمات بما فيها خدمات الحماية الاجتماعية من خلال إرساء أنظمة هشة للحماية الاجتماعية رغم الخطابات . بالمقابل، يضيف الكاتب العام، نجد اغداق الدولة على مستوى القوانين المالية والتشريعات في البرلمان بامتيازات كبيرة لصالح الباطرونا وأرباب العمل وتم تكديس الثروة التي تستفيد منها فئة قليلة من المحظوظين أمام توسيع هامش الفقر لدى الأغلبية الساحقة. مشدداً على أن الحكومة تشجع بل وبادرت إلى تمرير هذه القوانين وتمنع الطبقة العاملة على الرد، ونحن نرفض قانون الإضراب لعدد من الإجراءات التكبيلية ويمنع الإضراب السياسي والإضراب التضامني". رأي المجلس ووفق رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي جاء بطلب من مجلس النواب، وهو الرأي الذي يؤكد أن الإضرابات في العقود الأخيرة تجد مبررها في الدفاع عن الحقوق والمكتسبات، حيث يورد أن الإضرابات في القطاع الخاص في 2022، كانت بسبب التأخر في أداء الأجور بنسبة 26%، وغياب عقد العمل بنسبة 18% وعدم التسجيل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بنسبة 17%. ويرى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن "تقنين ممارسة حق الإضراب يفترض أن يعد مشروعاً مجتمعياً يستوجب التشاور الواسع والتوصل إلى توافقات بناءة، مع إشراك جميع الأطراف المعنية بهدف ضمان أن يعكس القانون مصالح جميع الفئات في المجتمع". ويوصي بأن "يحقق مشروع القانون التوازن بين حق الإضراب وحرية العمل"، مؤكداً "ضرورة السماح بتنظيم جميع أشكال الإضراب التى تشهدها الساحة الوطنية دون إقصاء أوتمييز، وإعطاء الأولوية للحوار والتفاوض". قانون الإضراب واحترام الدستور: وردا على هذا المشروع التأمت النقابات في ما أسمته بـ" الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد" رفضا لتمرير مشروع القانون التنظيمي في البرلمان، من خلال مناقشة تفصيلية بمجلس النواب، وهو مشروع القانون الذي طال النقاش حوله منذ سنة 2016 في عهد “البيجيدي”. وأمام هذا المشروع المرفوض من طرف النقابات اعتبر عضو اتحاد الكونفدرالية الديمقراطية للشغل الحسين اليماني في تصريح إعلامي، إلى أن المشروع الذي تم إعداده في عهد حكومة بنكيران، الغرض منه منذ البداية كان معروفا بالنسبة لنا كنقابة، وهو القضاء على ما تبقى من قوة الممانعة والصمود التي تمثله النقابات الصامدة ومنها الكونفدرالية للشغل". وأشار اليماني إلى أن "هذا القانون، سواء من حيث شكله أو هندسته، يبدوا وكأنه كتب قبل دستور 2011 بل وحتى قبل أول دستور اعتمده المغرب سنة 1962، إذ لا يعقل أن يتعارض قانون تنظيمي مع المغزى والأهداف الأساسية التي جاء بها الدستور، نظرا لتراتبية القوانين وأهمية توافقها مع المبادئ الدستورية". وأضاف المتحدث أن " الدستور المغربي باعتباره أسمى قانون، كفل حق الإضراب كأحد الحقوق الأساسية للعمال وغير العمال، مما يعني أنه لا يمكن لقانون تنظيمي أن يقيد هذا الحق بأي شكل من الأشكال. لذلك طالبنا منذ البداية بسحب هذا القانون من الأساس، والعمل على صياغة مشتركة له في إطار مؤسسة الحوار الاجتماعي". من جانبه دعا الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب إلى ”ضرورة استعداد الشغيلة المغربية ومختلف الفرقاء الاجتماعيين المعنيين لمواجهة هذه الخطوة الحكومية“. كما بادرت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إلى التعبير عن رفضها لمشروع القانون التنظيمي للإضراب، معتبرة أنه "قيّد بشكل كامل ممارسة حق الإضراب وقلص مجالاته وجعله محدوداً ومن دون تأثير، بل منع العديد من أشكال الإضراب إما صراحة أو قطعاً أو بشكل ضمني، وأسس لمسطرة تعجيزية ومعقدة لقرار الإعلان عن الإضراب، ما سيجعله من دون أثر". وأكدت الكونفدرالية في بيان أن "ذلك الموقف عبّر عنه الاتحاد بجلسات الحوار مع الحكومة وكذلك خلال جلسة الاستماع بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي"، مشدداً البيان على أن "مشروع القانون التنظيمي للإضراب يجب أن يكون موضوع حوار مجتمعي متعدد الأطراف. وأكد أن "حق الإضراب ركيزة أساسية للحرية النقابية وضرورة مجتمعية لمحاربة الاستغلال والفساد وفرض احترام القانون الاجتماعي وآلية ضرورية للتضامن الاجتماعي والعمالي، كذلك فإنه يشكل أحياناً مبادرة وطنية للدفاع عن قضايا دولية ووطنية". مشروع قانون يخدم الباطرونا وأرباب العمل واعتبر غميمط ، في ذات التصريح، أنه تم تعزيز قوة أرباب العمل على مستوى مدونة الشغل وقانون الشغل، مسجلا أن الحكومة الحالية هي حكومة أرباب العمل والباطرونا، وأن الطبقة العاملة مطالبة بتوحيد صفوفها وتجاوز التفرقة والاتجاه صوب العدو الطبقي المتمثل في هذه القوانين ومن وراءها ، والتي ستجهز على ما تبقى من مكتسبات قليقة متواجدة الآن في مدونة الشغل وقانون الشغل. وأبرز المتحدث أن الحكومة الآن تمارس هذا القانون عمليا، فالإضرابات محظورة في المناطق الحرة بمدينتي طنجة والقنيطرة وفي الأحياء الصناعية بالدار البيضاء، حيث أن العمل النقابي محظور ومحصن بتواطؤ السلطة ووزارة التشغيل والسلطات العمومية، فهل هناك شيء يدفع الدولة إلى تنظيم الإضراب ؟ ثم إن عدد الاضرابات السنوية في جميع القطاعات بالمغرب لا ترقى إلى تنظيمها، في حين ما يجب على الحكومة ، هو الاستجابة لمطالب الطبقة العاملة من عمال وموظفين ومستخدمين والتجاوب مع انتظارات التنمية وليس بالتواطؤ والانحياز للباطرونا بل بتثمين والتفاعل مع مطالب العاملة التي تنتج الخيرات سواء كانوا عمال فلاحيين أو صناعيين أو خدماتيين، فهم الذين ينتجون الثروة الوطنية التي يستفيد منها أرباب العمل والباطرونا.