محمد منفلوطي_هبة بريس يخلد المغرب يوم غد الأربعاء الذكرى 49 للمسيرة الخضراء المظفرة، كملحمة تاريخية ستبقى خالدة. واحتفالات هذه السنة تأتي في سياق دولي وإقليمي مختلف، تطبعه الدينامية المتجددة والمتطورة في تعامل المغرب مع ملف الصحراء المغربية بقيادة الملك محمد السادس حفظه الله، وما حققته الدبلوماسية المغربية من انتصارات واختراقات وسحب للاعترافات من تحت بساط الكيان الوهمي ومن يقفه بجانبه من كابرانات الجارة وصُناع الاستعراضات العسكرية بطعم الخردة والأسلحة المستعملة. فالمسيرة الخضراء التي كانت من ابداع الملك الراحل الحسن الثاني قدس الله روحه، شكلت نقطة تحول كبرى في ملف صحرائنا المغربية منذ انسحاب القوات الإسبانية المحتلة عام 1975؛ حينها سارع المغرب لضم الأراضي إليه والسيطرة عليها بالطرق السلمية، وفي المقابل توجهت بعض الدول المجاورة، مدفوعة بمصالح واعتبارات جيوسياسية واستراتيجية، لدعم جبهة ما تسمى البوليساريو. وقد كانت فكرة طرح مبادرة الحكم الذاتي من قبل الملك محمد السادس نصره الله، تلك الضربة القاضية التي أربكت خصوم الوحدة الترابية، كما أن قرار استئناف عضوية المغرب في الاتحاد الأفريقي وتخليه عن سياسة المقعد الفارغ بهدف الدفاع عن مصالحه الإستراتيجية من داخل هذا التجمع القاري، أزعجت حكام الكابرانات الذين باتوا ينفقون الغالي والنفيس تسليحا ب"أسلحة الخردة والدخان المتطاير من محركات الذبابات"، كل ذلك على حساب القوت اليومي للشعب الجزائري الشقيق الذي بات على مواقع التواصل الاجتماعي يتصدر عناوين الصحف العالمية وهو يقف على شكل طوابير مملة وطويلة للحصول على الحليب أو الأرز أو العدس أو الموز.. ذكرى المسيرة الخضراء لهذه السنة، تكتسي طابعا خاصا واستثنائيـا، في زمن استطاع المغرب أن يوطد ويوسع عمقه الإفريقي عبر تنويع شركائه في القارة الإفريقية من خلال نهج سياسية متعددة الأبعاد، تهدف إلى جعل المغرب يلعب دوراً ريادياً في القارة الإفريقية على المستويين المتوسط والبعيد، مع تبني المؤسسة الملكية سياسة التدبير الإنساني للحدود في ظل التحولات الكبرى التي تعرفها ظاهرة الهجرة على المستويين الإقليمي والدولي، تتميز ببعدها الإنساني وتحترم كرامة وحقوق المهاجرين، جعلت المغرب يحظى بإشادة قوية على المستوى الدولي، بفضلها تحول إلى أرض استقبال وكرامة حيث يتمتع اللاجئون والمهاجرون بالحماية الكاملة والولوج، على قدم المساواة إلى جانب المواطنين المغاربة، إلى التعليم والسكن والصحة والتكوين المهني والتشغيل. ذكرى المسيرة الخضراء تأتي في سياق التحول السياسي العميق للعديد من الدول الصديقة والشقيقة واعترافاتها بمغربية الصحراء وتبنيها لمبادرة الحكم الذاتي كحل عادل وشامل للصراع المفتعل، كما أن اختيار مدينة الداخلة بالصحراء المغربية كموقع للقنصلية الأمريكية له دلالات عدة؛ حيث تُعدّ الداخلة من ضمن خطط المشاريع التنموية الضخمة للمغرب، وبعض الدول في المنطقة التي تسعى للاستثمار فيها، وهو ما يعزز طرح المغرب لإيجاد حل سياسي في إطار المبادرة المغربية. هي ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة التي تأتي في وقت يتمتع فيه المغرب بأوراق القوة الرابحة في ملف الصحراء وهو يطرح خيار الحكم الذاتي الموسع حلاً سياسياً قابلاً للتفاوض في حدوده وصيغه الإجرائية، مع اشتراط مبدأ السيادة دون تفصيلات ثانوية؛ حيث اتخذ الملك محمد السادس حفظه الله موقفًا حاسمًا طالب فيه شركاء المغرب التقليديين والجدد بموقف واضح من سيادة المغرب على صحرائه، مؤكدًا أنه على أساس هذه المواقف ستدير الرباط علاقاتها الخارجية، حين قال: إن "ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وإنها المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات” مطالبًا الدول “بأن توضح مواقفها، بشكل لا يقبل التأويل". هي ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة التي تأتي في زمن الاعترافات السياسية بالسيادة المغربية على الصحراء أو ما بات يعرف بدبلوماسية القنصليات في بُعدها الاقتصادي الذي يعد محركًا قويًّا للسلوك المغربي الخارجي، فالصحراء المغربية تطرح فرصًا استثمارية ضخمة وواعدة، وتحديدًا في المجالات الحيوية، مثل الطاقة المتجددة وقطاع المعادن؛ نظرًا لموقعه الاستراتيجي المميز وتمتّعه بالموارد الطبيعية، ومن هنا جاءت تحركات المملكة على الصعيدين الإقليمي والدولي لتعزز من مقاربتها الرامية لإثبات سيادتها وتعزيز مصالحها الاقتصادية الوطنية. هي ذكرى المسيرة الخضراء التي تبنى من خلالها المغرب نهج الانفتاح الاقتصادي مع الدول الإفريقية وسياسة “اليد الممدودة”؛ بغية تعزيز التعاون في ظل شراكة (رابح-رابح)، مع تبنيه لدبلوماسية القنصليات بالصحراء المغربية بخلفيات وأبعاد قانونية وسياسية واقتصادية وأمنية جيو استراتيجية، ناهيك عن الموقف الصريح والواضح للملك الذي اعتبر ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات. هي ذكرى المسيرة الخضراء التي تأتي في سياق تبني المغرب لثلاث مرتكزات أساسية، حددها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، في خطاب افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان الأخيرة، قوامها الانتقال من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير، داخليا وخارجيا، وفي كل أبعاد ملف قضيتنا العادلة، مع الدعوة للانتقال من مقاربة رد الفعل، إلى أخذ المبادرة، والتحلي بالحزم والاستباقية.