محمد منفلوطي_ هبة بريس
في خضم النقاش العمومي الدائر حول تقنين وتأطير العمل على منصات التواصل الاجتماعي لوضع حد لصناع التفاهة وأصحاب الروتيني اليومي المتلاعبين بأعراض الناس والقيم الأخلاقية، وفي ظل اتساع حرية التعبير واستفادة كثيرين من هامش صناعة المحتويات بحمولة تافهة، برزت من بين ثنايا هذا كله، مشاهد وصور وفيديوهات خادشة للحياء، ضاربة في العمق قيم الأخلاق، مستهدفة بالأساس هدم الأسر والعادات والثقافات العريقة بطعم الحشمة والوقار...
هي فوضى صناعة المحتويات التي باتت مواقع التواصل الاجتماعي تعج بها، بلا مواضيع هادفة، ولا مضامين ولا أهداف كذلك، عدا التسويق للخزعبلات بالرقص بالمؤخرات وبالبطون وبالأكتاف تارة، وبالغمز واللمز بالعيون تارة أخرى، ضمن مشاهد استعراضية وكأن المرء أمام سوق كبير عشوائي للبشرية، تُعرض فيه الأعراض والأجساد بثمن بخس قيما وأخلاقا، لاستمالة المتتبعين والمتتبعات لجلب اللايكات والتوسل لحصد الدراهم والدولارات لتعزيز الرصيد المالي في خزائن الحسابات بالأبناك دون أداء الضرائب والمستحقات..
مشروع قانون المالية ومبدأ تحقيق العدالة الضريبية
واقع فرض ذاته، جعل الحكومة وفي إطار مشروع قانون المالية الجديد لسنة 2025، تطرح الموضوع للنقاش حول فرض الضرائب وتشديد المراقبة على ممتلكات وأموال صناع المحتوى وممتهني التجارة الإلكترونية بهدف تحقيق سياسة العدالة الضريبية.
مشروع وحسب محللين ومهتمين بالشأن الإقتصادي، وجد طريقه نحو قبة البرلمان ضمن نقاش عمومي يروم فرض ضرائب على صناع المحتوى على منصات الاجتماعية مثل "تيك توك"، و"فيسبوك"، ويوتيوب، و"إنستغرام".
أثرياء آخر زمان
هم الأثرياء الجدد إذن من صناع المحتويات، سيجدون أنفسهم أمام قانون ضريبي جديد سيدخل حيز التنفيذ في فاتح يناير 2025، حيث سيخضع هؤلاء (الأثرياء الجدد) لضريبة بنسبة 30 في المئة على مداخيلهم لصالح خزينة للدولة.
ويرى محللون في السياسات المالية، أن التعديلات الضريبية التي تضمنها مشروع قانون المالية الجديد، تهدف بالأساس إلى توسيع مصادر الوعاء الضريبي وتضييق الخناق عن أصحاب التهرب الضريبي ضمانا لمبدأ المساواة وتحقيقا للعدالة الضريبية.
محتويات يُندى لها الجبين ومداخيل مالية خيالية أية علاقة؟
هي آفة الروتيني اليومي في زمن اليوتيوب، محتويات منحطة يندى لها الجبين، ومداخيل مالية ضخمة، وانتقاذات واسعة، لكن تبقى نسبة المشاهدة خيالية، تعكس في الوقت ذاته نوعية المُتلقي وطريقة تفكيره ورغبته الجامحة في المشاهدة والمتابعة، بل وقد تلامس أحيانا حتى جمهورا من المنتقدين تماشيا والمقولة الشعبية " يَخْ مَّنُو وعَيْني فيه"، حتى هؤلاء بدورهم ساهموا في الرفع من شأن المشاهدة حتى بلغت مبلغ "الترند ”، في حين طالب آخرون بضرورة التصدي للظاهرة عبر تفعيل أدوار الهيئات الرقابية لرصد ما يتم عرضه على مواقع التواصل الاجتماعي حفاظا على الناشئة.
هل سيحسم مشروع قانون المالية الجديد الجدل ويلجم صناع التفاهة؟
كثر الجدل والحديث، وتعددت معهما الآراء والانتقادات، وبين هذا وذاك، حصد الآخرون ومعهم الأخريات الملايين من الدريهمات من مداخيل اليوتيوب، وفي عز هذا النقاش، وماخلفه من تداعيات، وقف هؤلاء وراء كاميرات هواتفهم "هن"، غير آبهين ولا آبهات لموجة الغضب المندلعة حولهن من أفراد مجتمع لايزال يحتفظ بالكثير من العادات والطقوس والتقاليد التي تجعل من المرأة جوهرة ناذرة وثريا بأنفاس غالية لا يجب تعريضها للتشويه والتنقيص والبيع بالمزاد العلني، يجنون الأموال ويحصدون الدولارات ولو على حساب الشرف..
ويرى كثيرون ممن يملكون المروءة والشرف، أن موضوع " الروتين اليومي" هذا تشويها لصورة المرأة كأم ومدرسة إن أعددتها أعددت شعبا ومحتمعا وجيلا طيب الأخلاق.
نعم، يبقى للاتجاه الآخر رأي آخر، لاسيما من المدافعين عن الحريات الشخصية، الذين لا يرون في الأمر اشكالا ولا مشكلة تطرح، يرون في تلك المشاهد الخادشة للحياء أمرا عاديا يساير العصر ويندرج في إطار الانفتاح على الثقافات وحرية الجسد، فيما يبقى العديد من أبطال هذه الفيديوهات من الروتيني اليومي خارج سياق النص كله، بدعوى أنهن يسعين للربح ولو على حساب الكشف عن العورات.
فهل سيتمكن مشروع قانون المالية الجديد من انزال الثقل الضريبي على هؤلاء الأثرياء الجدد، وبالتالي يدفعهم إلى الافلاس واغلاق قنواتهم؟ أم أن نسبة الضريبة المفروضة على مداخيلهم لا تساوي شيئا أمام حجم الأموال المكدسة في حساباتهم البنكية؟