
بقلم طه رياضي
طالب في القانون والعلوم السياسية
يشهد المغرب موجة غير مسبوقة من غلاء الأسعار، خاصة في شهر رمضان، حيث ترتفع تكاليف المواد الأساسية بشكل يثقل كاهل المواطن المغربي. هذه الظاهرة ليست جديدة، لكنها تفاقمت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، ما يطرح تساؤلات جدية حول مسؤولية الحكومة في ضبط السوق وحماية القدرة الشرائية للمواطنين. فهل نحن أمام أزمة اقتصادية حتمية، أم أن فشل التدبير الحكومي وعدم تفعيل الآليات القانونية المناسبة هو السبب الحقيقي لهذه الوضعية؟
تعتمد الحكومة على تبريرات متعددة، مثل الأوضاع الاقتصادية العالمية، والتضخم، وارتفاع تكاليف الإنتاج، لتفسير الغلاء المستمر. إلا أن هذه المبررات لا تصمد أمام واقع السوق الداخلي، حيث تبرز المضاربة والاحتكار كعاملين رئيسيين في ارتفاع الأسعار، في غياب أي تدخل حكومي حاسم. قانونيًا، يتيح الإطار التشريعي المغربي للدولة إمكانية التدخل لضبط الأسعار وفقًا للقانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، لكن هذا القانون ظل حبرًا على ورق بسبب ضعف المراقبة وغياب الإرادة السياسية لمحاسبة اللوبيات الاقتصادية التي تتحكم في السوق.
من جهة أخرى، يظهر القانون رقم 31.08 المتعلق بحماية المستهلك كإطار قانوني مهم لضمان شفافية السوق، لكنه لم يُفعّل بالشكل المطلوب، ما جعل المواطن المغربي ضحية جشع بعض الفاعلين الاقتصاديين. إضافة إلى ذلك، تلعب النيابة العامة دورًا هامًا في حماية الاقتصاد الوطني من الممارسات غير المشروعة، غير أن غياب تحقيقات جدية في قضايا الاحتكار والمضاربة يزيد من الشكوك حول مدى التزام الدولة بمسؤولياتها تجاه المواطنين.
إن استمرار هذه الوضعية قد يؤدي إلى نتائج كارثية، ليس فقط على المستوى الاقتصادي، بل أيضًا على المستوى الاجتماعي والسياسي. فالتدهور المستمر للقدرة الشرائية قد يُعمّق الفجوة بين الدولة والمجتمع، ما قد يولّد حالة من الاحتقان الاجتماعي لا يمكن التنبؤ بعواقبها. لذلك، بات من الضروري أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها الكاملة من خلال اتخاذ تدابير عاجلة، مثل تفعيل الرقابة الصارمة على الأسواق، وتحريك المتابعات القانونية ضد المضاربين، وتعزيز دور المؤسسات الرقابية مثل مجلس المنافسة، وإعادة النظر في السياسة الضريبية التي تثقل كاهل المواطن.
إن الأزمة الحالية ليست مجرد انعكاس لتقلبات الاقتصاد العالمي، بل هي نتيجة مباشرة لسنوات من سوء التدبير الحكومي وغياب رؤية اقتصادية واضحة تحقق التوازن بين حرية السوق وحماية المستهلك. وعليه، فإن أي تأخير في التدخل الفعلي لمعالجة هذا الوضع قد يفاقم الأزمة، مما يجعل من الضروري فرض إرادة سياسية قوية لضبط الأسعار وتوفير العدالة الاقتصادية والاجتماعية التي ينشدها المغاربة.
رسالة إلى الحكومة:
المواطن المغربي لم يعد يقوى على تحمل هذا العبء الثقيل من الغلاء المستمر في غياب أي إجراءات ملموسة لحمايته. إن تجاهل هذه الأزمة سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاجتماعية وزيادة فقدان الثقة في المؤسسات. المطلوب اليوم ليس الخطابات والتبريرات، بل قرارات حازمة وإرادة سياسية فعلية لضبط السوق، وإعادة الاعتبار لدور الدولة في حماية حقوق المواطنين، وإلا فإن الأزمة ستتجاوز حدود الاقتصاد لتصبح أزمة شرعية بين المواطن و الحكومة وثقة يصعب تجاوزها مستقبلاً.