سعيد سونا

سعيد سونا - باحث في الفكر المعاصر الإمام مالك كان دائما ينصح تلامذته الذين يجمعون الركب حول مجلسه ، بضرورة تفجير المعاني من النصوص والأحداث ، عبر النفاذ إلى قاع الخابية بدل التسطيح ، الأمر الذي يجعلنا في بداية هاته المقالة نحذر القراء من منقصة القراءة الاندماجية للأحداث ، لأنها تهرب النقاش عن موطنه ، فتراها تضيق واسعا ، وتوسع ضيقا ، وتنتصر للمناسباتيين والفرصويين، وتغيب الجانب السردمدي في كل أمر جلل ، وتستحضر أحد أكبر العلل في العقل العربي ، وهي علة المؤامرة التي يلجأ إليها الانهزاميون حتى يتجنبون جلد الذات ، وفي هذا يقول المرحوم محمد عابد الجابري في كتاب بنية العقل العربي : " إن التفسير التؤامري للأشياء حيلة العاجز " ، فعندما يستقل الكذب المصعد ، تصعد الحقيقة السلالم ، صعودها يأخذ وقتا اكثر لكنها تصل في النهاية .. مناسبة ماسبق ، نازلة عبد الإله المراكشي بائع السمك ، التي استفزت عقولنا وأرواحنا، وفتحت شهيتنا لتفجير المعاني في أمر قد تراه الأفسال والنابتة حدثا مبتورا لاسياق له ، وتلك خصلة من يستهزؤون بذلك المتسابق القوي الشكيمة في بداية السباق لكنهم يتسابقون لتهنئته عندما يصل متوجا في نهاية السباق ، هم كحمارة القيض فلا طالما رضوا بحبل ولجام فليس من حقهم أن يبالوا بمن يقودهم .. لقد صدق من قال " لا تزرع الورد عند أناس فاقدة لحاسة الشم " ، فهل ستصدقون الشتاء إن قالت لكم أن الربيع في قلبي ؟؟؟ فأما المحايدون الذين يقدسون مقولة - لطالما لا حقل لي فما همني إن كان القادم غيمة أم سرب جراد؟ - وتقول العامة " الشهر لماعندي فيه خلاص علاش نحسب أيامو " فما أكثر السلبيين في وطننا ... للذين سيقولون ماهذا الزخم في مقالة حبلى بالغمر واللمز ؟ نجيبهم وبالله التوفيق أن ماقمنا به وما سنقوم به ليس أمرا ناشزا بل هو تجسيد لوصية الإمام مالك الفقيه والفيلسوف الذي دعانا لتفجير المعاني من قلب النوازل العظمى .... نعم ندرك أن التعميم يقتل التحليل ، ولذلك سنكتب مقالتين في الموضوع ، مقالة روحانية عميقة تنتصر للروح والقيم ، ومقالة مادية تعضص الروح بالمادة عبر زخم من الأرقام والمعطيات المؤسساتية في قراءة متوازنة للحدث ، عكس الذين يحاولون تبخيس الروح في مثل هكذا مواطن ، فلو كان الشكل والجسم أهم من الروح لما كانت الروح تصعد إلى السماء والجسم يدفن تحت التراب!!! أخي في الله والوطن عبد الإله ، لقد رميت فأصميت ، وأصبحت على صغر سنك رجلا حكيما ، متخنا بالدروس والعبر لان ماحدث معك يجعل المرء يتجول في عقول الآخرين ، ويرى العجب في غير شهر رجب ،صدقني لست شخصا عاديا ، ليس هناك شيء بالصدفة في ديننا ، ماحدث معك أمر رباني ، هكذا يجب أن تتعاطى مع الأمر، لأنك تلميذ مجتهد مبارك نجيب بإرادة رهيبة ، لايدركها التراجع ولا القهقرة ، فلو كنت تلتفت وراءك كثيرا لما وصلت ، فالمصيبة ياصغيري هي أن تصبح النّائحة المستأجرة أشد نواحا من النائحة الثكلى، فالحمار لا يشارك في سباق الخيول لكنه يفرح حين يخسر الحصان ، فلو كل كلب عوا ألقمته حجرة لأصبح مثقال الحجر بدينار . أخي عبد الإله إياك أن يدب الجفاف إلى خشبك ، اعتنق الحرية بكل تفاصيلها، واعلم أن الحرية ليست فتح باب زنزانة ولكنها تحرير العقل والروح ، لقد عزمت وتوكلت على الله والله يحب المتوكلين ، لذلك عليك أن تتحمل مسؤوليتك اللذيذة ، فهي من جعلتنا نصيح - نعم نستطيع - yes we can - نعم نستطيع أن نغير الواقع رغم كثرة الانهزاميين ، نعم نستطيع أن نحول سم الافاعي إلى عقار يداوي الحيارى ، نعم نستطيع أن ننثر طاقتنا الايجابية حول وطن شاخت سحنته اكتئابا ، وغدت تقاسيم وجهه يائسة لكثرة العلل التي تنخر جسده .... تخيلوا معي لو شاب مثل عبد الإله في كل الأسر المغربية لجعلنا من اليابسة بحرا ، ولكن ما أكثر الإتكاليين في من تنطبق عليهم مقولة الفاروق " إن السماء لاتمطر ذهبا ولافضة " أخي عبد الاله أنت اكبر من بائع سمك فضح المفسدين ، أنت فكرة والفكرة لاتموت ، فقصرك عقلك فاحفظ قصرك ، حتى لا تدخله ثرثرة تبني شكلا تغريك بأنك آية عصرك ،فسفينك في بحر لجي مظلم والشكل زجاجي معتم ، فاجعل من عقلك ربانا يأتيك إلى قصدك ، و احذر،أن ترمي عقلك في غيابت شكلك ، فالبحر عميق قاعه و الحوت طويل باعه ، شغول لهوم يتنكر في شكلك فاحفظ قصرك فقصرك عقلك. ولعل أبرز الفضاءح التي عرت عليها حالة بائع عبد السمك عبد الإله المراكشي : - هيمنة ثقافة الاحتكار والتواطؤ بين تجار السمك وهو ما يسمح بالتحكم في السوق والأسعار؛ - ارتفاع منسوب الجشع لدى التجار والوسطاء حيث هناك فرق رهيب بين ثمن خروج السمك من سوق الجملة وسعر وصوله لمائدة المواطن؛ - غياب مطلق للسلطات فيما يتعلق بالرقابة على أسعار السمك، مما فتح المجال أمام اللوبيات لفرض قانون العرض والطلب؛ - غياب ما يسمى بجمعيات حماية المستهلك المنظمة بقانون والتي تتوفر على صلاحيات مهمة، حيث استطاع شاب بسيط أن يحل محل السلطات والجمعيات في حماية جيوب المغاربة؛ - أظهرت هاته التجربة أن غلاء أسعار السمك، ليس بسبب الندرة بل بسبب تضخم سلسلة الوسطاء وغياب الرقابة وجشع التجار؛ - اظهرت تجربة الشاب المراكشي أن المواطن هو ضحية السوق، لأن البعض استقال من مهامه في حماية مائدة المغاربة. انتظروا غذا الجزء الثاني من المقال تحت عنوان : أين مؤسسات الحكامة من فضيحة بائع السمك - مجلس المنافسة نموذجا ....