
بقلم سعيد سونا - باحث في الفكر المعاصر
رغم أن الموقع الإستراتيجي للمغرب يجعله يعيش في قلب عالم يغلي بتواتر الأحداث المتسارعة ، يصر الرجل أن يبقى غامضا حتى لايقرأه الجميع ، تلك هي خصلة رجال الدولة الصادقين ، الذين يحترقون يوميا حتى يستنير الوطن ، عقيدته التي أقسم ألا يتنازل عليها هي الوطن أولا وأخيرا وآخرا، فالرجل رقم أساسي في شرف الأمة وأمنها القومي المقدس ، فهناك من يتكلم قبل الإنجاز وهناك من يفضل الكلام بعد الإنجاز، أما هو لايتكلم لاقبل ولا أثناء ولا بعد إنجاز المهام الوطنية الكبرى ، رجل كفر بالكلام واعتنق ثنائية الصمت والفعالية ، رجل وطني من طينة فريدة unique مشهود له بتدينه الشديد وبحبه الكبير لملكه ، وبهدوءه الرهيب حتى لقبوه بالمسدس الكاتم الصوت الذي ينجز المهام العظام ويردي أعداء وطنه قتلى بدون حس ولا ركز ...
بعد تعيينه على رأس لادجيد كأكبر مؤسسة تعنى بالرأس المال الأمني والإستراتيجي للمملكة المغربية ، تفاجأ الجميع وشككوا في نجاح أول رجل مدني في إدراة جهاز تعاقب على تدبيره شخصيات عسكرية ، لكن مع الوقت وتوالي الأحداث بدد الرجل جميع التكهنات ، حتى أصبح الشخصية رقم واحد المطلوبة عالميا ، أو بالمثل الدارج " سلاك لوحايل " مما أعطى للمغرب توهجا واشعاعا كبيرا ، لاستعانة العديد من الدول بجهاز لادجيد لتفكيك القضايا الأمنية التي عجز عنها الجميع ، ولازال يتسائل الجميع ، من أين يستمد المغرب قوته الاستخباراتية الضاربة رغم أنه لايعد من الدول الغنية اقتصاديا في العالم ؟؟؟ الجواب عند الراحل المهدي المنجرة رحمه الله عندما قال " إذا كانت بعض الدول تفتخر بثرواتها المادية فالمغرب يفتخر بثروته البشرية لأن الإنسان المغربي ذكي بفطرته "
من كان يظن أن إسبانيا الخصم الثاني للمغرب في قضية الصحراء بعد الجزائر، ستعترف بوجاهة مقترح الحكم الذاتي ، وهي الضربة القاتلة لأطروحات الخصوم ، على اعتبار أن إسبانيا المسؤولة الرئيسية والشاهد الحقيقي على هذا النزاع المفتعل ، وكأنها تريد أن تقول للعالم : لقد استعمرت الصحراء وهي مغربية وتركتها وهي مغربية .... كما يسجل له التاريخ أنه كان وراء تهدئة الأوضاع في مالي بعد الانقلاب العسكري الذي تم هناك وأطاح بالرئيس إي بي كا، والحدث الثاني هو الاتفاق الذي تم في بوزنيقة حول الصراع الليبي والذي أشادت به كل الدول واعتبرته بداية ظهور آخر النفق للأزمة الليبية المستمرة منذ سنوات.. نعم لاشيء مستحيل عند المنظومة الدبلوماسية الرسمية للمغرب ذات الأبعاد الثلاثية المتناغمة التي يعد جهاز لادجيد أحد أبرز مكوناتها :
1 - الدبلوماسية الرسمية :
- المؤسسة الملكية
- وزارة الخارجية
- مؤسسة لادجيد
2 - الدبلوماسية الموازية
- المجتمع المدني والاحزاب
3 - دبلوماسية اللوبينغ
- تأسيس اللوبيات الضاغطة في أكبر الدول والمؤسسات الذي لديها اليد الطولى في السياسة الدولية .
وتجدر الإشارة أن لادجيد كان لها النزر الأكبر في الجهود التي جعلت فرنسا تعود إلى رشدها ، وفي الغزوة الأمريكية على أعداء المملكة بعدما ساهم الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، في توالي سحب الاعترافات بالكيان الوهمي ، من جل الدول الافريقية ودول عديدة على المستوى العالمي ، كما أن جهاز لادجيد له دور كبير في الأمن والاستقرار الداخلي الذي تعيشه المملكة ، حيث يلقبه المراقبين الدوليين، بالسم القاتل للجماعات الإرهابية، حيث ساهم في قتل العديد من المؤامرات الإرهابية في المهد ، وسط ذهول العالم ، حيث أصبحت المقاربة الشمولية التي تبناها المغرب منذ سنة 2003 لمحاربة التطرف النموذج المثالي لكل دولة إفريقية أو عربية أو أوروبية تواجه التهديدات الإرهابية ، وهي مقاربة تجمع مابين البعد الاستخباراتي والاجتهاد في بناء فلسفة ذات بعد جذري لاقتلاع الفكر الارهاب من أصله، فمهما بلغت التكنولوجيا التي تستعملها هذه الدول من تطور لوأد آفة الإرهاب، فإنها تبقى محدودة الفعالية في غياب خطاب ذي ثقل موازن لصد الأفكار التي تنشرها المنظمات الإرهابية، وإذا لم تعالج الظاهرة من جذورها الاجتماعية والاقتصادية التي ترمي بالشباب في براثن التطرف والإرهاب.
---- فمن يكون الرجل ؟؟؟
إنه ياسين المنصوري ،،، بشحمه ولحمه وبروده دمه ، الرجل الذي يعشق الظل كما سبق أن ذكرنا في بداية المقالة … فهاهو ديكارت يقول ” عاش سعيدا من عاش في الظل ” وعلى رسله نقول ” عاش ناجحا من عاش في الظل ” … إن الخروج للشمس ، يجعل ملامحك واضحة ، وبالتالي تكون سهلا وواضحا لمن أراد قرائتك ، فضبابية الظل وصفة متراصة لمن يتصدى لقوارع الخطوب ، حيث تجعله يشتغل بثنائية الفعالية كما سماها الفيلسوف الأمريكي وليام جيمس " وضوح الرؤية ودقة الاستهداف " - Efficacité du ciblage - فالحكمة اليونانية تقول ” الأحمق يتكلم بما سيفعل، والمغرور يتكلم بما عمله ، أما العاقل يعمل ولا يتكلم ”
وتجذر الإشارة، أن السيد ياسين المنصوري لاينشد لحنا منفردا ، ولا يخطط وكأنه وحيدا هو وجهازه في صحراء قاحلة ، فالرجل يشتغل تحت ظل دولة المؤسسات، السياسية منها والاقتصادية والثقافية والامنية والاستخباراتية ، وباقي المؤسسات التي تعمل في تناغم ، تحت رئاسة صاحب الجلالة، ووفقا للدستور والقوانين التنظيمية، الشيء الذي أكده السيد محمد الدخيسي ،،، المدير المركزي للشرطة القضائية حيث صرح أن المؤسسات المغربية ، تشتغل بتكامل وبطريقة أفقية وعمودية ،،، وهذا سر فعالية المملكة الشريفة على المستوى الأمني … فالجيش الأقوى كما يقول المهدي المنجرة ، ليس بقوة عدته وعتاده ، بل بتماسك عقيدته القتالية، ،،، حتى أصبح هذا المعطى رقما يصعب تجاوزه في معادلة التعاطي مع الداخل والخارج ،،، وجعل العالم يتسائل عن سهر هاته الواحة المستقرة، في شمال إفريقيا وفي المغرب الأقصى للعالم العربي ، فكان جواب المغرب على هذا السؤال الذي يطرح على جميع المسؤولين في المنتديات الدولية ، أن المغرب لم يسبق له أن تقاتل مع أعرج ثم يفرح بهزيمته ، إن المغرب دولة غير مارقة من القانون الدولي ، فهي دولة راقية مستعدة لخدمة العالم ، فاستقرار وكرامة شعوب العالم يهمها ، لأنها تنشد السلام في كل ماتقوم به من مبادرات، ولاتجد أي حرج في تسويق هذا الاستقرار والاستثمار فيه ، عبر الدول الشقيقة ، والصديقة عبر العالم وهذا مايحدث باجماع المنتظم الدولي …
ويجب التأكيد مرة أخرى أن ياسين المنصوري جزء من ملحمة مغربية ، قطعت مع الكولسة، وقرأت التاريخ جيدا ، وأبعدت عن نفسها شبهة الطابوهات … فالتاريخ يستضيف طويلا من يُحسن تقدير ضيافته ويلفُظ سريعاً من يستهتر بمقامه … فكل التجارب المؤلمة التي مرت على المغرب منذ الاستقلال ، جعلته يقوم بمجهود جبار للقطع معها في أفق التأسيس لملكية دستورية ، تحفظ الحقوق والحريات …
ياسين المنصوري ، كما جاء في الاستهلال هو الرجل الزاهد الذي يشتغل لصالح بلده وملكه بكل تجرد ووطنية صادقة ، لايخرج للشمس ولايريد أخد المساحات الإعلامية ، في أمور تخص الأمن القومي للمملكة كما سبق وأن قلنا ، فالرجل بجرعة كبيرة من التدين ، شأنه شأن عبد اللطيف الحموشي ومحمد الدخيسي وباقي حماة الوطن ،،، كما أن الرجل مثقف من العيار الثقيل ، فهو قارىء نهم للكتب ، الأمر الذي جعله يعيش سلاما داخليا بفعل إيمانه بالله ووطنه وملكه … فالرجل ليس من مذهب مادح نفسه يقرأكم السلام ، ولامن مذهب المعجب بنفسه والمستحسن بطنين صوته … فهو الصابر الصامت الهادئ…
مخ الهدرة ” من كل هذا الإستهلال ، كما يقول إخواننا التوانسة ،،،، تجعلني أكتب وأصفق في أن واحد مرة أخرى للذي اختار ياسين المنصوري مديرا للمديرية العامة للدراسات والمستندات ، فلا شك أن صاحب الجلالة ، أدهش العالم عندما اختار رجلا مدنيا لجهاز استخبارتي استراتجي ، مطالب بتزكية سمعة المغرب ، كقوة أمنية واستخباراتية ضاربة في التاريخ كجدور النخل ،،، ومع مرور الامتحانات التي صادفها الرجل ، تبين وكأن الجهاز فصل على مقاصه ، الدق والسكات والفعالية ،،، حتى أصبح هذا الجهاز مطبعا مع النجاحات والانتصارات المتتالية ، بالله عليكم أليس هذا مدعاة للافتخار بهاته البلاد الولادة للطاقات الناذرة والعبقرية ،،، كما تفضل بذلك العلامة كنون في كتابه المرجعي ” النبوغ المغربي