
محمد منفلوطي_هبة بريس
من مدينة سلا مرورا بمدن أخرى وصولا إلى مدينة بركان، التي عاشت خلال الأيام القليلة الماضية على وقع وفاة لمصرع الطفلة "يُسرى" غرقا في بالوعة للصرف الصحي بعد أن اختطفتها السيول من يدي والدها، وقبلها سقط طفل آخر بمدينة سلا أمام أنظاره أمه فنجا بأعجوبة، وقبلهما سقط كثيرون، نعم، سقطوا في بالوعات للصرف الصحي، منها من تعرض للسرقة، ومنها من تعرض للتخريب..
إنه لعيبٌ وعارٌ على الجبين، ونحن مُقبلون على تنظيم أكبر تظاهرة عالمية، أن تُطل علينا مواقع التواصل الاجتماعي بين الفينة والأخرى بصور ومقاطع لفيديوهات من هنا وهناك لكائنات بشرية وهي تعبث بالممتلكات العامة وتسرق محتوياتها، حتى بالوعات الصرف الصحي لم تسلم من ظلمهم...
فبعد تصفح مقطع فيديو لعملية سرقة طالت بالوعة للصرف الصحي، ظهر صاحبها وهو يكابد لحملها على عربته البسيطة، قبل أن يسقط هو نفسه فيها، وكأنه يجسد تلك المقولة الخالدة القائلة " لي حفر شي حفرة طاح فيها"..
إنه لعيبٌ وعارٌ على الجبين، أن يتمادى هؤلاء المخربون في صنيع فعلتهم التي تحمل بصمات تخريبية لمرافق عمومية من كراسي الحدائق العمومية وأبواب مكاتب للادارات واتلاف مصابيح الحدائق والمنتزهات واللائحة طويلة...
من المؤسف، أن تطال أيادي العبث مرافق عمومية وتجهيزات هي في الأصل أنشئت خدمة للعباد والبلاد...
ظاهرة سرقة بالوعات الصرف التي أضحت حديث الساعة اليوم لحجم أضرارها وما ترتب عن ذلك من مخاطر، تتطلب انزال عقوبة أشد ليس على مقترفيها، بل حتى على من يشترونها من تجار الخردة ( شراء المسروقات)، وتحميلهم المسؤولية كاملة وتصنيف عقوبتها ضمن العقوبات الأشد.
* تخريب الممتلكات العامة والقانون
إن المبدأ القائم يقتضي القول بأن تخريب أي شيء مخصص للمنفعة العمومية يجرم فعله، وبالتالي فإن الأشخاص الذين يقومون بمثل هذه المسائل يعرضون أنفسهم للعقوبات التي تم تحديدها من قبل المشرع، لكون ذلك يحرم المواطنين من الاستفادة من الخدمات التي تقدمها هذه المرافق العمومية.
ذلك ما نستشفه من خلال منطوق المادة 595 من مجموعة القانون الجنائي المغربي التي نصت صراحة على أنه "يعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم من هدم أو كسر أو خرّب أو عيّب، عمدا شيئا مما يأتي:
- بناء أو تمثالا أو رسما أو أي شيء آخر مخصصا للزينة والمنفعة العمومية أنشأته أو وضعته السلطة العامة أو أذنت به،
- بناء أو تمثالا أو رسما أو شيئا ما له قيمة فنية موضوعا في متحف أو مكان مخصص للعبادة، أو أي مبنى مفتوح للجمهور".
ويرى مهتمون وفاعلون في الحقل القانوني، أن العقوبات التي تنص عليها فصول القانون الجنائي تبقى في حدود اعتبار تخريب الممتلكات العمومية بمثابة جنح، بينما ترقى في حالات إلى درجة جنايات.
* تخريب وعبث ..متى سيستيقظ الضمير؟
فبمرور المرء من طريق عمومية، أوبمحاذاة مرفق سواء كان مؤسسة تعليمية أو مستشفى أو إدارة أو حديقة عمومية...، إلا ووقعت عيناه على مظاهر ومشاهد بطعم الخزي والعار، لأناس عبثوا وتطاولوا على الممتلكات العامة، بدءا بتكسير الزجاج والكتابات الحائطية وتخريب المصابيح واقتلاع الأشجار، وسرقة المحتويات، وكأن المرء يحمل في طياته حقدا دفينا يكاد يبديه كلما سنحت له الفرصة بذلك.
إن واقعة سرقة بالوعات الصرف الصحي وما تحمله من معنى الله وحده يعلم مستقرها ومستودعها واتجاهها، هي واقعة مشهد مخزي، ذكرني في زمن مضى، وأنا في زيارة لإحدى القرى المثاخمة لمدينة سطات، حينها وقعت عيناي على علامة تشوير تحمل عبارة "انتباه منعرج خطير" صاحبها بلغت به عبقريته مبلغ استعمالها كوعاء لإطعام ماشيته...دون أن يعي أن فعلته هاته ستكلف آخرين حياتهم وهم في الطرقات..
صور أخرى، لكراسي عمومية داخل حدائق ومنتزهات، بساحة محمد الخامس بعاصمة الشاوية، طالتها أيادي التخريب، وحُرم من خدماتها ذلك الشيخ الهرم وتلك العجوز المسنة التي أخذ منها الدهر أخذا وساقها المرض وضعف الحيلة، لاتخاذ مكان بالحديقة لتعيد أنفاسها قبل أن تستأنف مشوارها صوب "قبر حياتها" في انتظار الرحيل الأعظم.
مشاهد وصور كهاته، من شأنها أن تسيء للوطن، ويتخذها البعض من خصوم الوطن ذريعة لتعليق فشلهم.... تعالوا جميعا لنُعلي كلمة الحق خفاقة مفادها كفانا استهتارا، كفانا هروبا إلى الإمام دون تحمل كل واحد منا ولو جزءا من المسؤوليات الملقاة على عاتقه، علينا الاعتراف بأن الأنانية والتطاول وتجاوز القانون قد وصل حدا لا يمكن السكوت عنه، مما يدعونا جميعا لمراجعة النفس، والعمل كل في مجاله واختصاصاته لمنع تفاقم مثل هكذا مظاهر...