
طارق عبلا من روتردام
يعد الإفطار المغربي الذي أقيم بالأمس في روتردام مثالا حيا على روح التكامل والتعايش بين الثقافات المختلفة في هولندا، حيث تلاقت النفوس على مائدة واحدة في أجواء تجمع بين الأصالة المغربية والحداثة الأوروبية.
هذا الحدث، الذي نظمت جمعية أطلس روتردام بمناسبة استمرار تقليد يمتد لأكثر من عشرين عاما، جاء بمزيج متناغم من الأجواء الروحانية والضيافة الدافئة، مما أسهم في تعزيز العلاقات بين المغاربة وبقية الجنسيات في هذا البلد المضياف.
شهد الإفطار حضور عدد من الشخصيات البارزة التي رفعت من قيمة المناسبة، فقد تشرف القنصل العام للقنصلية المغربية في روتردام والقنصل المساعد للقنصلية العامة في أوتريخت بتقديم الدعم والتقدير لهذا اللقاء الثقافي. كما أضفى الفاعل المدني المعروف محمد ديبة والعمدة السابق لروتردام، أحمد بوطالب، لمسة خاصة توضح عمق الروابط الاجتماعية والثقافية القائمة بين أفراد المجتمع. كما كان لهذه الوجوه المرموقة أثر بالغ في تعزيز صورة المغاربة كفئة مندمجة وفاعلة في المجتمع الهولندي.
على الرغم من بساطة المكان الذي احتضن هذا الحدث، إذ أقيم في مؤسسة تعليمية، إلا أن جودة التنظيم وحرص المنظمين على تقديم أفضل ما في التراث المغربي كانا واضحين.
و أعدت الأطباق المغربية التقليدية من "حريرة" و"مسمن" واشياء أخرى بإتقان وعلى يد نساء المنظمين، أي نساء بيوتهم، مما أكسب المناسبة طابعا دافئا وأصيلا يعكس روح الضيافة المغربية. كما جاء طبق السمك المميز من أحد أشهر مطاعم السمك في روتردام ليكمل لوحة التنوع والابتكار في تقديم المأكولات.
وفي لحظة فريدة، أدت فرقة من الشباب الأناشيد الدينية أداء استثنائيا، حيث نالت عروضهم تفاعلا حماسيا من قبل الحضور، خاصة من الهولنديين الذين بدوا مستمتعين للغاية، فيما كان المغاربة يرددون معهم الأناشيد كأنهم فريق واحد، مما أضفى جمالية خيالية على هذا التجمع.
كان هذا الإفطار منصة فريدة تجمع بين مختلف الجنسيات وتبرز صورة مجتمع متكامل يعيش في وئام وتفاهم. فمن خلال اللقاءات الودية والمحادثات الصادقة التي دارت حول الموائد،
وقد أضاف أحد الحضور، مقدما مداخلته باللغة الهولندية حتى يفهم الجميع، شرحا رفيع المستوى على أن شهر رمضان المبارك ليس مجرد فترة للإمساك عن الطعام، بل هو فرصة للعبادة والتقرب إلى الله تعالى وممارسة التعامل الحسن، مما ساهم في توسيع مدارك الحضور وتعزيز روح الوحدة والتآخي.
إن هذا الحدث، الذي نظمته جمعية أطلس روتردام، ليس مجرد إفطار تقليدي بل هو مناسبة سنوية تثبت مدى قدرة الحوار الثقافي والاجتماعي على بناء جسور التواصل بين مختلف شرائح المجتمع.
وبفضل الحضور الوازن للمسؤولين والشخصيات العامة، والجهود المبذولة من قبل نساء بيوتهم اللواتي أعددن الأطباق التقليدية، إلى جانب التفاعل الجماعي الملهم والمداخلات التي أوضحت أبعاد رمضان الحقيقية، يظل هذا اللقاء نموذجاً يحتذى به في تعزيز التعايش والاندماج داخل المجتمع الهولندي، ليكون رمزا للثقافة المغربية التي تزدهر وتعيش في قلب أوروبا.