خطبة الجمعة اليوم في المغرب.. شهر رمضان مضى مُعظمه وبقي أَعظمه

هبة بريس ـ الدار البيضاء  اختارت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لخطبة الجمعة لنهار اليوم كموضوع عنوان "شهر رمضان مضى معظمه و بقي أعظمه" ، حيث سيتم تخصيصها للحديث عن فضائل العشر الأواخر من رمضان و ما يجب أن يفعله كل مسلم لاغتنما و انتفاع خيرات هاته الأيام و خاصة التكافل و التضامن و فعل الخيرات. و جاء نص الخطبة الذي توصل به مختلف الخطباء كالآتي: *الخطبة الأولى: ها هو شهرُ الصيام قد مضى مُعظمه وبقي أَعظمه، لما روى البخاري عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن النبي ﷺ، اعتكف العشر الأُوَلَ من رمضانَ، واعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال له: الذي تَطلُب أمامك. فاعتكف العشر الأوسط، فأتاه فقال الذي تَطلُب أمامك. فقام النبي ﷺ خطيبا صبيحةَ عشرين من رمضانَ، فقال:«من كان اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم، فليَرجِع، فإني أُرِيت ليلة القدر، وإني نُسِّيتُها، وإنها في العشر الأواخر، في وِتْرٍ، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء». وكان سقف المسجد جريدَ النخلِ، وما نرى في السماء شيئا، فجاءت قَزَعَةٌ (وهي قِطَعٌ مِن السَّحابِ رَقيقةٌ)، فأُمطِرْنا، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأيت أثَرَ الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأَرْنَبَتِهِ (و‌هي طرف الأنف) تصديقَ رؤياه. في هذا الحديث دليل على تحري النبي ﷺ لليلةَ القدر، وحِرصِه على اغتنام فضلها، وحثِّه أصحابَه على ذلك. وأنها في الوتر من العشر الأواخر. ولذا:كان النبي ﷺ "إذا دخل العشرُ، شَدَّ مِئزرَه، وأحيا ليله وأيقظ أهله". وشَدُّ المئزر كناية عن الاجتهاد في العمل والإكثار منه، مع الحرص على إشراك الأهل في هذا الجهد المبارك المثمر. ومن أهم الأعمال الفاضلة في هذه الأيام، ذكر الله تعالى، لحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله، أَرَأيتَ إن علِمتُ أيُّ ليلة ليلةُ القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: "اللهم إنك عَفوٌّ تُحب العَفْوَ فاعف عني". وقوله ﷺ: "تحب العفو" أي تحب العافين عن الناس. وفيه ما يدل على أن المؤمن ينبغي أن يتصف بالعفو عن الناس، وأن يتجاوز عنهم، خصوصا في هذا الشهر المبارك حتى يحبه الله تعالى. وهذه من ثمارِ هذا الذكر، فمن أراد أن يَعفو الله عنه، فليَعْفُ عن عباده، ومن أراد أن يَغفر الله له فليغفِر لعباده، ومن أراد أن يصفَح الله عنه فليصفَح عن خلْقِه. ومنها كذلك تلاوة القرآن، وهي أعظم أنواع الذكر، يقول الله تعالى: اِنَّ اَلذِينَ يَتْلُونَ كِتَٰبَ اَللَّهِ وَأَقَامُواْ اُلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ سِرّاٗ وَعَلَٰنِيَةٗ يَرْجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمُۥٓأُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِۦٓۖ إِنَّهُۥغَفُورشَكُور. فهاتان الآيتان الكريمتان تَربِطان في سياقٍ واحدٍ عباداتٍ ثلاثاً، وتعتبرانها تجارةً رابحةً لن تبور ولن تَكْسُد على صاحبها، في الدنيا والآخرة، بل هو مَجْزِيٌّ عنها أجورا كثيرةً بالجزاء الأوفى، مع مغفرة الله لذنوبه وشكره لأعماله،إِنَّهُۥغَفُور شَكُور. ومنها الإنفاق في سبيل الله، وهو من البراهين الصادقة الدالة على صدق الإيمان واليقين بالله تعالى وبوعده الصادق إذ يقول جل شأنه: وَمَآ أَنفَقْتُم مِّن شَےْءٖ فَهُوَ يُخْلِفُهُۥۖوَهُوَ خَيْرُ اُلرَّٰزِقِينَ. ويقول ﷺ: "والصدقة برهان". وأفضله ما صادف زمانا فاضلا كرمضانَ، وحالا مُلحةً كحاجة الفقير والمسكين واليتيم وغيرهم من ذوي الحاجات. والإنفاقُ من المكفرات للذنوب كما قال النبي ﷺ: "فِتْنَةُ الرَّجُلِ في أَهْلِهِ ومَالِهِ وجَارِه تُكَفِّرُها الصلاةُ والصيامُ والصدقةُ". يقول القاضي عياض، رحمه الله: "وفتنة الرجل فى أهله وماله وولده صَرْفُه من فَرْطِ محبَّتِه لهم وشُحِّه عليهم وشُغْلِه بهم عن كثير من الخير". فدفع هذه الفتنة بلزوم الفرائض من الصلوات والصيام والصدقات وغيرها من الأعمال الصالحة. ما أعظم هذا الشهر المبارك وما أعظم فضل الله فيه على عباده، فهنيئا لمن صامه  وصانه، وقامه، وبالإحسان إلى الناس زَانَهُ. *الخطبة الثانية: نستفيد مما سبق ذكره من الحديث عن فضل الذكر والإنفاق في شهر رمضان عامة، وفي العشر الأواخر منه خاصة وما يخصه به النبي ﷺ من مزيد عمل وذكر وتلاوة لكتاب الله تعالى ومن العطاء والتضامن واتقاء الشُّح والبُخل، أن ذلك كلَّه تَأَسٍّ واقتداءٌ واهتداءٌ بالحبيب المصطفى ﷺ الذي يعطي عطاءَ مَن لا يخشى الفقرَ. كما نستفيد أن خَصْلَة العطاء والسخاء المتأصلةَ في نفوس المؤمنين نابعةٌ من هدي النبي ﷺ وسيرِ السلف الصالح من هذه الأمة، إذ يعتبرون رمضانَ مدرسةً لتطهير النفوس من الشح، وحثِّها على المسارعة إلى العطاء والبذل، وكانوا يرون أنفسهم أحوجَ إلى الصدقة من الفقراء والمساكين، من حيثُ الأجرُ والثوابُ، كان الشعبي يقول: "من لم يرَ نفسَه إلى ثواب الصدقة أحوجَ من الفقير إلى صدقتِه، فقد أبطلَ صدقتَه، وضرب بها وجهَه". يعني إذا كان يَمُنُّ بها على الفقراء. وعلى هذا النهج سار سلفُنا في هذه المملكة الشريفة عندما تَهُبُّ عليهم نسائمُ رمضانَ، يجودون بما يملكون ويتنافسون في إسداء الخير للغير، وأسوتهم في ذلك أئمتهم وسلاطينهم، المجزلون للعطاء في هذا الشهر الكريم، ولنا في مولانا أمير المؤمنين أسوة حسنة في تقديم المساعدات السخية والعطايا الجمة للفقراء والمساكين، والأسر المعوزة.