نورالدين بازين تعاني جهة مراكش آسفي، إحدى المناطق التاريخية والثقافية المهمة في المغرب، من أزمة حادة في المجال الرياضي، حيث تعيش أندية كرة القدم في هذه الجهة وضعًا مأساويًا يكشف بوضوح عن غياب الدعم اللازم للرياضة وتهميش الشباب بشكل مستمر. وفي طليعة الأندية المتضررة نجد “الكوكب المراكشي” و”أولمبيك آسفي”، اللذين يواجهان أزمة خانقة في التمويل والإدارة، مما انعكس بشكل سلبي على أدائهما وجعل مستقبلهما الرياضي على المحك. ومع تكرار هذه الأزمات، تزداد التساؤلات حول دور الجهات المنتخبة ومسؤوليتها المباشرة في تهميش قطاع الرياضة، والتقصير الواضح في دعم الأندية وتأهيل الشباب. أزمة تدهور أندية الجهة.. الكوكب المراكشي وأولمبيك آسفي نموذجاً تعتبر أندية كرة القدم أحد أهم الروافد التي تغذي الحماس والانتماء لدى الشباب، خاصة في المناطق التي تمتلك تاريخاً رياضياً حافلاً مثل مراكش وآسفي. غير أن ما يواجهه “الكوكب المراكشي” و”أولمبيك آسفي” اليوم لا يتجاوز كونه صورة واضحة للإهمال الذي تتعرض له الرياضة بشكل عام في هذه الجهة، نتيجة التقصير المتعمد من الجهات المنتخبة، سواء على المستوى المحلي أو الجهوي. ففريق الكوكب المراكشي، الذي كان له حضور قوي ومكانة مرموقة في تاريخ كرة القدم المغربية، يجد نفسه اليوم يكافح من أجل البقاء، بعد سلسلة من المحاولات المتكررة لإقصائه وعدم منحه الدعم الضروري، مما تسبب في تراجع أدائه وتدهور ترتيبه. أما فريق أولمبيك آسفي، فقد بات يعاني من مشكلات مالية وفنية جعلته يقبع في مراتب متدنية، وأصبح هدفه الأساسي هو محاولة النجاة من الهبوط، عوض السعي للمنافسة وتحقيق الإنجازات. هذا الواقع يطرح تساؤلاً مهماً: أين دور الجهات المنتخبة في دعم هذه الأندية وإعادة تأهيلها؟ ولماذا يُترك الشباب في هذه الجهة ليواجهوا مصيرًا بائسًا من التهميش والإقصاء؟ الجهات المنتخبة والمسؤولية الغائبة تلعب الجهات المنتخبة، سواء على المستوى الجماعي أو الجهوي، دوراً حاسماً في تطوير البنية التحتية للرياضة وتعزيز الاستثمار فيها، كونها تمثل مطالب المواطن والشباب. غير أن الواقع يظهر أن هذه الجهات لم تتبنَّ حتى اليوم سياسة واضحة لدعم الأندية الرياضية، وهو ما ينعكس في غياب استراتيجيات حقيقية وفعّالة لتطوير الرياضة في مراكش وآسفي. فالميزانيات التي تُخصص للمجال الرياضي عادة ما تكون محدودة وغير كافية، وإن وُجدت، فإنها تُوجه بشكل غير متوازن، ليظل التركيز منصباً على قطاعات أخرى، بينما تترك الرياضة وأنديتها في حالة من التجاهل. و يتحمل المنتخبون المسؤولية المباشرة في تدهور الوضع الرياضي، فهم لم يعملوا على توفير البنية التحتية التي تضمن للنشء والشباب بيئة محفزة لممارسة الرياضة وتحقيق طموحاتهم. بل إن بعضهم يُتهم بعدم الوفاء بالتزاماتهم التي قطعوها خلال الحملات الانتخابية، إذ كانت وعودهم بدعم الأندية وتعزيز الرياضة جزءاً من خطاباتهم، غير أن هذه الوعود لم تجد طريقها إلى التطبيق. وهذا الإخفاق يعزز الفجوة بين المسؤولين والمجتمع، ويزيد من حدة الإحباط بين الشباب، الذين يبحثون عن أمل لممارسة هواياتهم الرياضية وتطوير مهاراتهم. تهميش الشباب.. أثر كارثي على المجتمع إن إهمال قطاع الرياضة وعدم دعم الأندية له تأثير عميق يتجاوز مجرد الأزمة الكروية. فالرياضة، في نهاية المطاف، هي وسيلة للتنشئة الاجتماعية وتساهم في بناء مجتمع قوي ومتماسك. وتجاهل هذا القطاع ينعكس سلبًا على الشباب، الذين يجدون أنفسهم أمام خيارات محدودة، وقد يلجأ بعضهم إلى مسارات غير صحية، نتيجة لعدم توفر فضاءات إيجابية تُعزز روح الانتماء والاندماج. وبالنظر إلى الإمكانات البشرية والطبيعية التي تزخر بها مراكش وآسفي، فإن توفير بنية رياضية حديثة ودعم الأندية يمكن أن يحول الجهة إلى مركز رياضي مهم، يجذب المواهب ويشجع السياحة الرياضية، ويعزز مكانة المدينة على الصعيدين الوطني والدولي. لكن هذا يتطلب رؤية استراتيجية وقرارات حازمة من الجهات المنتخبة، إضافة إلى استعداد لتوجيه الميزانيات المناسبة وتخصيص الموارد اللازمة لتحقيق الأهداف الرياضية المنشودة. مطالب ملحة وضرورة تدخل عاجل إن استمرارية الأندية وتطوير الرياضة في جهة مراكش آسفي يعتمد بشكل أساسي على مدى جدية المسؤولين في دعم هذه الأندية ووضع الرياضة ضمن أولوياتهم. ويجب على الجهات المنتخبة أن تتحمل مسؤوليتها تجاه الأندية والشباب، من خلال توفير الدعم المالي والمعنوي الكافي، وإعداد برامج طويلة الأمد تسهم في تطوير الرياضة على مستوى الجهة. يتعين على المنتخبين تخصيص ميزانيات ملائمة للأندية ودعمها من خلال اتفاقيات شراكة مع الجهات الاقتصادية والاستثمارية في الجهة، من أجل توفير دعم مستدام يسهم في النهوض بالقطاع الرياضي. كما يجب إقرار برامج رياضية تستهدف الشباب وتفتح أمامهم آفاقًا لتطوير مواهبهم والمساهمة في بناء مجتمع متماسك. هذه المبادرات لا يجب أن تظل حبرًا على ورق، بل يتعين أن يتم تفعيلها على أرض الواقع، لتجنب استمرار الأزمة وإبقاء الأندية الرياضية والشباب في دوامة التهميش والإقصاء.  الرياضة حق للجميع وليست ترفاً إن أزمة الرياضة في جهة مراكش آسفي، وتدهور وضع الأندية وتهميش الشباب، ليست مجرد قضية رياضية، بل تعكس فشلًا أعمق في التزام الجهات المنتخبة بمسؤولياتها نحو المجتمع. كما أن دعم الرياضة وتوفير بيئة مناسبة للشباب لممارسة هواياتهم وتحقيق طموحاتهم ليست ترفاً، بل هي حق من حقوقهم الأساسية. وعلى المنتخبين أن يدركوا أن أي تأخير في معالجة هذه الأزمة سيكون له أثر كارثي على المجتمع ككل.