البراق شادي عبد السلام التداعيات الجيوسياسية التي يعرفها العالم في الآونة الأخيرة جعلت المشهد الديبلوماسي العالمي يعيش حركية كبرى على شكل مخاض ديبلوماسي تبحث فيه كل دول العالم على تموقعات جيوسياسية جديدة تخدم مصالحها الوطنية أولا بعيدا على منطق الإصطفافات الإيديولوجية البكماء والحسابات العبثية و المحاور السياسوية الضيقة . حيث قام العقل الإستراتيجي المغربي بتفكيك عناصر الأزمة الإقليمية و تحويلها إلى فرص تنموية مهيكلة و فاعلة كباقي المشاريع التنموية المهيكلة الكبرى الذي دشتنها المملكة المغربية منذ إطلاق السياسة الإفريقية الجديدة للمملكة المغربية في إفريقيا في إطار إستراتيجية التعاون جنوب – جنوب وفق مبدأ رابح – رابح كمشروع الأنبوب الأطلسي – الإفريقي و مسلسل الرباط للدول الإفريقية الأطلسية و المبادرة الملكية الدولية لدول الساحل الإفريقي التي تسمح لدول الساحل بالوصول إلى المحيط الأطلسي وفق مقاربة تشاركية تعتمد على النجاعة و الإستدامة و الشمول . من هذا المنطلق يمكن تناول دلالات اللقاء الودي الذي خصصه جلالة الملك محمد السادس نصره الله للسيد محمد ولد الغزواني رئيس جمهورية موريتانيا الإسلامية ،ليؤسس هذا اللقاء الأخوي لمرحلة جديدة من التوافق السياسي و الديبلوماسي بين البلدين عنوانها علاقات مستدامة دعامتها الثقة و التعاون القوي و الفاعل بين البلدين، و تمتين أواصر الأخوة الصادقة بين الشعبين الشقيقين ،حيث يعكس هذا اللقاء إيمان الطرفين بالأهمية الكبرى لضرورة ترسيخ قيم التعاون و التضامن الثنائي و الإقليمي في إطاره الأخوي و المغاربي و العربي و الإفريقي إستنادا لتاريخ عريق و تقاليد راسخة و العديد من المشتركات الدينية و الحضارية بين الشعبين الشقيقين و تصور ثنائي لطبيعة العلاقات الممكنة ينطلق من مقاربات سياسية و إقتصادية واقعية ترتكز على مبدأ التضامن الإقليمي و خدمة قضايا الشعوب الإفريقية ، حيث تم الإعلان من الجانبين في مناسبات عديدة عن تطابق وجهات النظر والمواقف بينهما بشأن العديد من القضايا العربية والإقليمية والدولية، خصوصًا في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف و الجهات التي تسعى لتقويض الأمن والاستقرار و أعمية التكامل الإقتصادي . و على هذا الأساس شكل هذا اللقاء الرفيع المستوى بين قيادتي البلدين إستنادا لبلاغ الديوان الملكي فرصة لإستعراض وتقييم حصيلة تعاون البلدين في مختلف المجالات و التي تؤكدها الدينامية التي تعرفها العلاقات الثنائية والتي هي إنعكاس للعلاقات التاريخية والإستراتيجية التي تجمع البلدين الشقيقين ، فهذه الزيارة من المنتظر أن تعطي زخما كبيرا للحركية الديبلوماسية بشكل يعكس إرادة سياسية للإرتقاء بتلك العلاقات إلى آفاق أوسع، خاصةً في مختلف المجالات الإستراتيجية ذات الاهتمام المشترك و بشكل خاص المشاريع و المبادرات الإستراتيجية المهيكلة التي تقدمها المملكة المغربية لمحيطها الإقليمي كحلول للإشكالات و الأزمات الإقليمية و القارية على شكل مشاريع إستراتيجية و مهيكلة للربط بين البلدين الجارين كمشروع الربط الكهربائي بين المغرب و موريتانيا و مشاريع أخرى قد تتبلور مستقبلا كمشروع الطريق السريع الداخلة – دكار أو مشاريع لتنمية المناطق الحدودية المشتركة ، وكذا تنسيق مساهمتهما في إطار المبادرات الملكية بإفريقيا و التي يمكن إعتبارها دفتر تحملات إقليمي للتنمية في إفريقيا تظهر جدية و إلتزام و إرادة المملكة المغربية في تنمية و خدمة القضايا الأفريقية من منطلق تنموي تضامني صادق كالمشروع الهيكلي أنبوب الغاز الإفريقي – الأطلسي الذي يخدم أكثر من 400 مليون إفريقي في دول غرب إفريقيا من بينها موريتانيا ، ومبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي التي تشكل مبادرة إقليمية رائدة للإندماج الإقليمي و القاري حيث ستتحول الصحراء المغربية إلى جسر لوجيستيكي عملاق يخدم مصالح شعوب الدول الإفريقية الحبيسة في الصحراء الإفريقية الكبرى و غرب إفريقيا . المملكة المغربية من خلال هذه المشاريع المهيكلة الكبرى تقدم نفسها للمنتظم الدولي و القاري و الإقليمي كفاعل أساسي الحفاظ على ميكانيزمات الأمن الإقليمي و القاري و إنخراط موريتانيا إلى جانب دول الساحل في هذه الإستراتيجية يؤكد على الموثوقية و الجدية التي يكتسبها المغرب و مبادراته بعيدا عن المزايدات السياسية و الأطماع الجيوسياسية بعض الأطراف و الدوائر الإقليمية التي لازالت حبيسة قراءة ضيقة للواقع الجيوسباسي العالمي و التطور التاريخي لديناميكيات الصراع و التنافس الدولي و الإقليمي و القاري . فهذا اللقاء الودي بين جلالة الملك محمد السادس نصره الله رائد العمل الإفريقي المشترك و الرئيس الموريتاني يندرج في إطار إلتزام المملكة المغربية التاريخي بقضايا الشعوب المغاربية و الإفريقية و يجسد بحق الرؤية الملكية المتبصرة من أجل تحقيق التنمية الشاملة للشعوب المغاربية و الإفريقية من خلال البحث عن أرضية عمل إقليمية مشتركة وفق رؤية إقليمية بمقاربة مغاربية و إفريقية خالصة قائمة على مواجهة التهديدات الأمنية بالإعتماد على الحوار الإقليمي الموسع و المتعدد الأطراف لإبداع حلول تعتمد على حل إشكالية التهديدات العالمية إنطلاقا من “حلول إفريقية ” وتكريس مبدأ “أفرقة ” الحلول للإشكالات المهددة للأمن البشري في المنطقة بتنسيق الجهود وتشريك كل الأطراف الدولية و الإقليمية و الوطنية وبخاصة في منطقة الساحل و الصحراء الإفريقية الكبرى حيث تلعب موريتانيا دورا محوريا في التنزيل السليم لهذه الرؤية النيرة و هو ماتجسده الإستراتيجية الأطلسية لدول الساحل وفق مقاربة مغربية شاملة تنطلق من التنمية المستدامة و الأمن المستدام و مركزية دور الإنسان الأفريقي في تحقيق الأهداف المشتركة . الفاعل الإقتصادي والقطاع الخاص بالبلدين بإمكانهما الإنخراط بشكل أكبر في تنشيط التعاون الاقتصادي خاصة و أن المغرب من أكثر الدول الإفريقية إستثمارا في موريتانيا مما يجعل الهدف الأساس هو تنمية التبادل التجاري للوصول إلى مشاريع إستثمارية مشتركة ذات بعد إستراتيجي تعود بالنفع على الجانبين بشكل يعزز الشراكة القائمة على أساس الإحترام المتبادل والتعاون المشترك لما فيه صالح البلدين الشقيقين، وعلى نحو يجعل العلاقات المغربية الموريتانية نموذجاً يُحتذى به للشراكة التنموية الشاملة والتكامل الإقتصادي في إطار دول جنوب / جنوب . من جانب آخر فالعلاقات المغربية – الموريتانية تشكل لصانع القرار السياسي في نواكشوط خيار إستراتيجيا محوريا في علاقاتها الخارجية حيث تعتبر المملكة المغربية تاريخيا وحاضرا عمقها الاستراتيجي والثقافي والروحي والبشري و الإقتصادي و بشكل خاص بعد تحرير المعبر الدولي الحدودي الكركرات من عصابات و ميليشيات البوليساريو الإرهابية حيث يمكن إعتبار إنتصار المغرب في معركة الكركرات عسكريا و سياسيا و ديبلوماسيا هدية مجانية قدمها المغرب في طبق من ذهب للفاعل السياسي في نواكشوط ، فهذا هذا الإنتصار حرر موريتانيا من تهديد البوليساريو للأمن الإقتصادي الموريتاني، كما أنه أعطى لموريتانيا حرية أكثر في الإنتقال بين المحاور الجيوسياسية في المنطقة لأن تأمين المغرب لمعبر الكركرات الدولي بعملية عسكرية و أمنية دقيقة هو تحرير أيضا لموريطانيا من وصاية ميليشيا البوليساريو الإرهابية التي لا تتوانى في تهديد الأمن الإقليمي و الدولي خدمة لأجندات توسعية إقليمية. الأكيد أن موريتانيا تعتبر جزءا من العمق الإستراتيجي و الحيوي للمملكة المغربية الشريفة في إفريقيا و بالتالي فحتمية التعاون والتنسيق بين المغرب وموريتانيا أصبح مطلبا جيوسياسيا وضرورة إقتصادية في توازنات السياسة الخارجية الإقليمية سواء المغاربية أو الإفريقية أو الدولية ، في أفق تأسيس شراكة إستراتيجية مندمحة قوية ناجعة و فعالة بشكل يخدم مصلحة الشعبين الشقيقين المغربي و الموريتاني من خلال تجسير هوة الخِلافات السياسية بين الطرفين أو إبقائِها عِند مستويات تسمح للجانبين بصناعة الإستقرار الإقليمي في ظل قيم الإنفتاح و التكامل بأبعاد إنسانية و تنموية شاملة.