نورالدين بازين افتتاح “متحف ذاكرة الدار البيضاء” في “فيلا كارل فيك” يشكل خطوة مهمة نحو حفظ تاريخ المدينة وتراثها الثقافي، مما يطرح تساؤلًا جوهريًا: لماذا لا يتم تبني مشروع مماثل في مراكش، المدينة العريقة ذات التاريخ العميق، عبر إعادة إحياء معالم مثل فيلا لوسيين المهدمة أو سينما بلاص التي طالها الإهمال؟ مراكش، التي طالما كانت القلب الثقافي للمغرب، شهدت في العقود الأخيرة اختفاء العديد من معالمها التاريخية، إما بسبب الإهمال أو اجتياح مشاريع عقارية لم تراعِ الذاكرة الجماعية. على سبيل المثال، فيلا لوسيين، التي كانت جزءًا من المشهد العمراني العريق لمراكش، تعرضت للهدم دون أي مشروع ثقافي بديل يحافظ على إرثها. وكذلك سينما بلاص، التي كانت في يوم من الأيام نقطة إشعاع سينمائي وفني، لكنها اليوم ليست سوى مبنى مهجور يترقب قرارًا يعيد له الحياة. ما حدث في الدار البيضاء، عبر تحويل “فيلا كارل فيك” إلى متحف مفتوح يروي تاريخ المدينة، يثبت أن الإرادة السياسية والتخطيط الثقافي قادران على حفظ ذاكرة المدن. واليوم، أصبح هذا الفضاء منصة للإبداع والمعارض والفعاليات الثقافية، ما يعزز الهوية الفنية لمدينة اقتصرت صورتها في السنوات الأخيرة على البنايات الإسمنتية والمشاريع التجارية الضخمة. في المقابل، تبدو مراكش، رغم غناها التاريخي، غائبة عن هذه الدينامية الثقافية، حيث تفتقر إلى مشاريع مماثلة تعيد تأهيل المباني التاريخية وتحولها إلى فضاءات ثقافية. فهل يعقل أن مدينة تحتضن واحدًا من أكبر المهرجانات السينمائية في العالم لا تملك حتى الآن متحفًا يعكس تاريخها الفني والسينمائي؟ إعادة إحياء فيلا لوسيين أو سينما بلاص وتحويلهما إلى مراكز ثقافية أو متاحف لذاكرة المدينة لن يكون مجرد خطوة للحفاظ على التراث، بل سيشكل أيضًا استثمارًا سياحيًا وثقافيًا يعزز مكانة مراكش عالميًا. فهل تتحرك السلطات المحلية والمجالس المنتخبة، بالتعاون مع المؤسسات الوطنية للمتاحف، لتدارك هذا التأخر قبل أن تندثر معالم أخرى في صمت؟ ربما يكون الوقت قد حان لتتعامل مراكش مع إرثها الثقافي بنفس الرؤية التي تبنتها الدار البيضاء، لأن الحفاظ على الذاكرة الجماعية ليس ترفًا، بل ضرورة لضمان استمرارية الهوية المراكشية في ظل زحف الإسمنت والمشاريع التجارية.