إن مثول الوزير الأول أمام الجمعية الوطنية، لعرض بيان السياسة العامة للحكومة، طبقا للمادة 42 من الدستور، يعد من أقوى اللحظات التي يؤكد خلالها الشعب الموريتاني، بنحو ملموس، عبر ممثليه، النواب المحترمين، أعضاء هيئتكم الموقرة، أنه بحق، مصدر كل سلطة، وصاحب السيادة الوطنية على الاطلاق.

 

 وهي ذات السيادة التي بموجبها، في استحقاقين منفصلين، طبعتهما الشفافية والنزاهة، انتقاكم ممثلين له في قبة الجمعية الوطنية، ومنح فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني مأمورية رئاسية جديدة.

 

وها هو الأمر، اليوم، يعود من جديد إلى نفس الشعب، صاحب السيادة، ليصادق، عبر ممثليه، على بيان السياسة العامة للحكومة التي عينها صاحب الفخامة بداية مأموريته الجديدة.  فالشعب إذًا، مبدأ كل الأمر وغايته.

 

وإن هذه اللحظة لمدعاة لفخرنا واعتزازنا جميعا. فهي تختزل ثمار الجهود الكبيرة، والتضحيات الجسيمة، التي راكمها الشعب الموريتاني بكل مكوناته، بنخبه ومثقفيه وسائر ألوان طيفه السياسي، جيلا بعد جيل، في سعيه إلى بناء نظام ديمقراطي، يكرس سيادة الشعب ودولة القانون والمؤسسات، ويضمن تداولا سلميا للسلطة، على نحو سلس وشفاف، باعتبار ذلك السبيل الأمثل إلى بناء الوطن الذي يطمح إليه: وطن يسع كل أبنائه ويعتزون جميعا بالانتماء إليه ويتشرفون بالدفاع عنه، يوحدهم فيه رباط مواطنة جمهورية متين، قوامه المساواة في الكرامة والحقوق والواجبات. وطن يحفظ حرياتهم وقيم وتعاليم دينهم الحنيف، ويصون في الوحدة والانسجام، هوياتهم الحضارية بتنوعها وثرائها وفق تعبير صاحب الفخامة.

 

 ومعلوم أن بناء الدول والأوطان، على قدر الطموحات المتجددة لشعوبها، لا يكون إلا بناء تراكميا لا ينتهي، يشارك فيه الجميع كل من موقعه، بوضع ما أتاحته إكراهات ظرفه من لبنات، كما أشار لذلك فخامة رئيس الجمهورية في خطاب ترشحه لمأموريته الأولي.

 

وإن من أقوى اللبنات تعزيزا لصرح الدولة الموريتانية، وتهيئة لشروط ارتفاعه، في قوة واطراد، لتلك التي وضعها صاحب الفخامة، رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، خلال مأموريته المنصرمة.

 

فقد استطاع أن يعيد إلى الحياة السياسية هدوءها، بتكريسه نهج الانفتاح على الجميع، والنقاش والحوار، فنجح في نقل العلاقة بين مكونات المشهد السياسي الوطني، من القطيعة والتنافر والتخوين، إلى التهدئة والحوار والتفاهم، مثبتا بذلك، عمليا، أن بالإمكان، كما قال في خطاب الترشح 2024 "أن نتحاور فنخدم البلد جميعا، بدل أن نتصارع فنضر به كلنا".

 

 كما جعل من المواطن ومن تحسين ظروفه مصب كل سياساته العمومية. فحارب الفقر والاقصاء، والهشاشة بقوة، وبنى شبكة أمان اجتماعي واسعة، دعما لمواطنيه الأقل دخلا وتعزيزا لقدرتهم على مواجهة إكراهات الحياة اليومية، وحسن مستوى نفاذهم إلى الخدمات الأساسية وإلى الضمان الصحي والسكن اللائق.

 

كما عمل على تعزيز الوحدة الوطنية ودعم عوامل الانسجام الاجتماعي بمحاربته عوامل الفرقة والتنافر، من تعصب قبلي مقيت، وصور نمطية زائفة.

 

وأصر كذلك، على تحسين الحكامة بمكافحة الفساد والعمل على إصلاح الإدارة، وأوْلى بالغ العناية لتعزيز حضور الشباب والمرأة في مختلف مواقع تدبير الشأن العام، وأطلق لصالحهم مشاريع متنوعة لتحسين قابلية التشغيل وتعزيز التكوين المهني وريادة الاعمال، وخلق فرص العمل.

 

 كما استطاع أن يحسن بنحو ملحوظ مؤشرات النفاذ إلى الخدمات الاساسية ودعم بفعالية البنى التحتية الداعمة للنمو وأرسى دعائم المدرسة الجمهورية في سياق إصلاح شامل للمنظومة التعليمية وأطلق مسار إصلاح العدالة والصحافة، وحافظ على التوازنات الاقتصادية الكبرى وعلى نسب نمو اقتصادي جيدة في الوقت الذي كان الركود الاقتصادي يهدد العالم بأسره، بفعل مضاعفات جائحة كورونا والتداعيات الاقتصادية الكارثية للحرب الروسية الأوكرانية.

 

وقد هيأ فخامته لكل هذه الإنجازات بدوام سهره على صون الامن والاستقرار، على الرغم مما يجتاح المحيطين، الإقليمي والدولي، من عنف وإرهاب وحروب مدمرة، وكذلك باعتماد سياسة خارجية نشطة، ذات حضور دولي وإقليمي بارز، ترعى مصالح الدولة ورعاياها في الخارج، وتنتهج حسن الجوار وعلاقات الصداقة والتعاون، والدفاع عن القضايا العادلة وعلى رأسها قضية فلسطين المحتلة

 

غير أن هذه الإنجازات الكبيرة البادية للعيان والمحسوسة، لم تحجب عن فخامة رئيس الجمهورية جسامة التحديات التي لاتزال قائمة، نظرا لعلو سقف طموحه للوطن وإدراكه لحجم تطلعات شعبنا المشروعة، ولحداثة عهدنا، مجتمعيا، بالدولة العصرية، ووعيه العميق بما يفرضه المحيط الإقليمي والدولي من تحديات أمنية وجيوسياسية واقتصادية وبيئية متداخلة، وكذلك بما راكمناه، على مرالعقود، من اختلالات بنيوية عميقة.

 

نحن بلد يقال عنه غالبا "غني بموارده"، لكن قل ما يشار، في ذات الوقت، إلى أن ثراء الدول والشعوب يقاس بمدى قدرتها على الاستغلال الناجع لمواردها وطاقاتها الإبداعية، أكثر مما يقاس بوفرة هذه الموارد ذاتها.

 

ولا سبيل إلى تحسين قدرتنا على استغلال مواردنا وطاقاتنا الإبداعية إلا مع رفع التحديات التي تواجه بلدنا والتي أجملها فخامة رئيس الجمهورية ضمن برنامجه، طموحي للوطن، في تحديات خمسة أساسية:

 

التحدي الأول: يتعلق بمدى رسوخ دولة المؤسسات والحكامة؛

 إن حداثة عهدنا نسبيا بالدولة العصرية والظروف التي اكتنفت قيامها لدينا لا تزال تبطئ وتيرة تحول عقلياتنا ومسلكياتنا في اتجاه تمثل مقتضيات دولة القانون والمؤسسات بنظمها واجراءاتها خاصة تلك منها المرتبطة بما استقر في الوجدان الجمعي من كون الدولة كيانا أجنبيا معاد لا حرمة له وما ينشأ عن ذلك من استسهال التعدي على المال العام والتهاون في المحافظة على المؤسسات والبنى التحتية العمومية وكل ما له طابع عام.

 

هذا علاوة على ضعف حكامتنا المحلية التي هي أقوى الأدوات لبناء تنمية متوازنة في بلد كبلدنا مترامي الأطراف.  

 

التحدي الثاني: يتعلق بالضعف البنيوي لاقتصادنا؛

ويتمثل المشكل الأساسي على هذا المستوى في أن مسارات نمو اقتصادنا منذ الإستقلال لم تصل به يوما إلى الحد الذي يتيح إقلاعا اقتصاديا حقيقيا. وذلك لقلة تنويع مصادر النمو ولضعف البنية التحتية الداعمة والنقص الكبير في ترقية القطاعات التي لنا فيها ميزات تفضيلية ولضيق سوقنا الوطنية وللضعف البنيوي في قطاعنا الخاص على وجه الإجمال. 

 

التحدي الثالث: يتعلق بمدى جاهزية مواردنا البشرية؛

 إن من أقوى التحديات على هذا المستوى فشو العقليات والمسلكيات التي تنافي ثقافة تمجيد العمل وقيمته وتقدير المهن على اختلافها وتثمين واعتبار العمل أيا كان مصدر شرف لمزاوله. 

 

إنها عقليات تتسبب غالبا في تراخي الهمم والعزائم وفي تعطيل الطاقات والقدرات الإبداعية.

 

ينضاف إلى ذلك النقص في مستوى الولوج إلى التعليم وتدني المستويات الدراسية وضعف مستويات التكوين والتأهيل المهني وعدم مواءمتها في الغالب مع حاجات الاقتصاد وسوق العمل.

 

التحدي الرابع: يتعلق بتحصين وحدتنا وانسجامنا الاجتماعي؛

نحن شعب واحد، ينصهر كله في وحدة إيمانية وعقدية جامعة، ويوحده التاريخ المشترك وتجمعه القناعة الراسخة بوحدة المصير والمستقبل الواعد.

 

لكن وبكل صراحة فإن رواسب عقليات بائدة، وصور نمطية زائفة، وتراتبية وهمية، تعمل باستمرار على إضعاف هذا الانسجام الاجتماعي.   

 

وتتغذى هذه الرواسب من نكْء بعضنا لبعض الجراحات التاريخية ومن النفس الشرائحي والقبلي والجهوي المقيت، وكذا من التفاوت الاقتصادي البين، وما يصاحبه من فقر وهشاشة، واختلال في توزيع الثروة والفرص، تتضرر منه غالبا الفئات التي عانت تاريخيا من الغبن والتهميش.

 

وإن من آكد الأولويات رفع هذا التحدي باستئصال مختلف عوامل الفرقة والتنافر تحصينا لوحدتنا وانسجامنا وتصحيحا لميزان العدالة والمساواة.

 

التحدي الخامس: هو التحدي الأمني والجيوسياسي؛

إن ما نشأ عن العولمة من قوة ترابط مختلف البلدان وعمق تأثير وتأثر بعضها ببعض يفرض أحيانا على آحاد الدول وبقوة، تحديات هي في الأصل دولية أو إقليمية. 

 

فما ساد، ويسود، على المستوى   الدولي، من عنف وإرهاب وحروب مدمرة، قد سرت مفاعيله الهدامة إلى قارتنا وخاصة إلى منطقة الساحل. فانتشرت الجماعات الإرهابية وفشا العنف والتطرف وقوضت دعائم الأمن والاستقرار.

 

ونحن، وإن كنا قد استطعنا، بفضل الله وقوته وبفضل نجاعة استراتيجيتنا الأمنية المندمجة ويقظة قواتنا المسلحة وقوات أمننا الباسلة أن نحافظ على أمننا واستقرارنا، في محيط شديد الاضطراب، فإن الخطرلا يزال ماثلا والتحدي قائما والتضحيات كبيرة واليقظة مطلوبة.

 

السيد الرئيس؛

السيدات والسادة النواب المحترمون؛

 إدراكا من صاحب الفخامة رئيس الجمهورية لجسامة هذه التحديات المتداخلة، فقد جعل من العمل على رفعها المقصد الأول لبرنامجه طموحي للوطن وسبيلا إلى تحقيق جوهر تطلعات الشعب الموريتاني المتمثلة أساسا في بناء:

- دولة قانون ومؤسسات قوية وذات حكامة عصرية رشيدة؛

- اقتصاد قوي الأداء صامد ومستدام بيئيًا؛

- رأس مال بشري ذو تكوين وتأهيل جيدين خاصة فئة الشباب فيه؛

- وحدة وطنية قوية واندماج اجتماعي متكامل؛

- أمن واستقرار راسخين ودور دولي وإقليمي فعال؛

 

وحرصا منه على تحقيق هذه التطلعات، ألزمنا صاحب الفخامة في رسالة تكليفه لنا بالعمل على الترجمة الميدانية لهذا البرنامج الذي انتخب على أساسه وصار بحكم التزكية الشعبية وعدا وعقدا لازم التنفيذ.

 

وإنفاذا لتعليماته بنت الحكومة سياستها العامة التي نتشرف اليوم بإعلان بيانها أمام هيأتكم الموقرة، على محاور خمسة.

 

المحور الأول: يتعلق ببناء دولة قانون ومؤسسات قوية ذات حكامة عصرية رشيدة:

إن أول ما سينصب عليه الجهد الحكومي في المرحلة المقبلة إن شاء الله، هو العمل على كل ما من شأنه الإسهام والإسراع في بناء دولة قانون ومؤسسات قوية ذات حكامة عصرية وفعالة.  دولة تسودها مبادئ حكم القانون وتمجيد قيم الوطنية والنزاهة والاستقامة. دولة ديمقراطية، عادلة وشفافة تدير شؤون البلاد وتستثمر ثرواتها بما يلبي مستلزمات التنمية والجودة والحداثة.

 

ومن أجل توطيد أسس دولة القانون والمؤسسات القوية هذه، ستعمل الحكومة على فتح ثلاث ورشات متكاملة.

 

أولى هذه الورشات هي ورشة الإصلاحات اللازمة لتطوير وترسيخ نظامنا الديمقراطي. ومدار العمل فيها على إطلاق حوار مسؤول صريح شامل لا يقصي أحدًا ولا يستثني موضوعا جوهريا يهدف إلى إعادة التفكير بتأن في منظومة حوكمتنا ونموذجنا الديمقراطي. ويعول كثيرا على مخرجات هذا الحوار في تعزيز دور مؤسساتنا وتسيير العلاقات فيما بينها بشكل هادئ وسلس خدمة للمصلحة العليا لبلدنا الحبيب.

 

وينتظر من هذا الحوار على وجه الخصوص مراجعة مدونة الانتخابات وتحسينها بما يخدم المزيد من المشاركة والشفافية والمصداقية. وتشكل مراجعة قانون الأحزاب السياسية إحدى أهم الإصلاحات المعول عليها في تعزيز نظامنا الديمقراطي ودعم البني التنظيمية والمؤسسية للأحزاب تمكينا لها من أداء دورها المحوري في الحياة الديمقراطية.

 

أما الورشة الثانية في إطار توطيد أسس دولة القانون والمؤسسات فتعنى بتسريع تنفيذ الوثيقة الوطنية لإصلاح وتطوير العدالة التي تقترح إصلاحا عميقا لنظامنا القضائي مؤسسا على تشاورتشاركي واسع النطاق ويلبي تطلعات الموريتانيين في العدل والمساواة. وتهدف هذه الورشة إلى تعزيز استقلال القضاء وتحسين وضعية مهنيي العدالة وتسهيل النفاذ إليها وتقريبها من المواطنين وتحسين جودة وفعالية القضاء وضمان حقوق المتقاضين وإصلاح المنظومة الجنائية ومراجعة قوانينها الناظمة وإصلاح نظام السجون وتسريع رقمنة العدالة وعصرنة البنى التحتية القضائية.

 

أما الورشة الثالثة في نفس الإطار فورشة ترقية حقوق الانسان. إنها ورشةٌ ذات أهمية قصوى في تحقيق الانسجام والنماء المجتمعي.

 

وستعمل الحكومة في هذا السياق على تسريع وتيرة تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لترقية وحماية حقوق الإنسان (2024-2028) مركزة على ضمان مساواة الجميع في الكرامة والحقوق والواجبات بقوة القانون وعلى أساس المواطنة حصرا. كما ستعمل على ضمان المساواة في النفاذ إلى الخدمات والفرص والحقوق عموما، فالحقوق مجرد أحلام ما لم تُقْرَنْ بالآليات الكفيلة بالتمكين من استيفائها على الوجه المطلوب.

 

كما ستواصل الحكومة الجهود التي قيم بها في مجال مكافحة كل أشكال العبودية و الاتجار بالبشر ة كذلك العمل على  صون وتكريس  الحريات العامة و محاربة كل أشكال التمييز أيا كان الأساس الذي عليه انبنى: العرق، الشريحة،  القبيلة،الجهة، الجنس، الوضع الاقتصادي..، مع إيلاء بالغ العناية  لذوي الهشاشة  والاحتياجات الخاصة و لمواكبة و تمكين اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان و الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب و المرصد الوطني لحقوق المرأة و الفتاة والآلية الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر و منظمات المجتمع المدني العاملة في هذا الميدان من تأدية عملها على أكمل وجه.

 

وعلاوة على هذه الورشات ودائما في إطار أول محاور هذه السياسة العامة فإن الحكومة ستولي كل الاهتمام للحكامة الرشيدة من خلال المحاربة الجادة والفعالة لمختلف أشكال الفساد ولإصلاح الإدارة العمومية وتعزيز الحكامة المحلية وترقية دور الإعلام وقادة الرأي وهيئات المجتمع المدني.

 

أما بخصوص محاربة الفساد فإن التركيز سيكون على تعزيز الشفافية وتفعيل المساءلة ومنع الإفلات من العقاب. فقناعتنا الراسخة أن نجاح سياسة الحكومة في أي مجال كان مشروط بمستوى التصميم والصرامة الذي ستواجه به داء الفساد بمختلف روافده.  فلا تنمية ولا عدل ولا إنصاف مع الفساد ومن ثم فلا تسامح معه مطلقا.

 

وفي هذا الإطار ستتركز جهود الحكومة على: 

- تطوير واستكمال الإطار القانوني لمكافحة الفساد بما يضمن تحصين القطاعات التي تعتبر أكثر عرضة له واسترداد الأموال العامة المنهوبة وتأمين منظومة محينة وفعالة لمكافحة الإثراء غير المشروع وحماية كاشفي الفساد والوصول إلى المعلومات بشكل سلس؛

- بناء منظومة صفقات عمومية أكثر تحصينا ضد الفساد؛

- توفير الشروط اللازمة لتعزيز الدور الرادع للقضاء في مكافحة الفساد إجمالا وفي منع الإفلات من العقاب؛

- تفعيل الإطار المؤسسي لمتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وإنشاء مؤسسة وطنية لمحاربة الرشوة والفساد؛

- نشر الوعي بالآثار المدمرة للفساد وترسيخ قيم وسلوكيات النزاهة لدى الأجيال الصاعدة.

 

لكن علينا جميعا أن ندرك وكما أكد على ذلك صاحب الفخامة في خطاب تنصيبه أن الحرب على الفساد والرشوة وسوء التسيير حرب الجميع: حربُ المنظومات الإدارية والقضائية، حرب أجهزة الرقابة والتفتيش، حرب النخبة من علماء وأئمة وساسة ومثقفين وقادة رأي ومجتمع مدني وصحافة ومؤثرين اجتماعيين ولا سبيل للنصر فيها إلا بتضافر جهود الجميع.

 

وإن نجاح كل هذه التدابير في مكافحة الفساد وتحسين الحكامة وإنجاح الإصلاحات المجتمعية العميقة وتسيير التغيير عموما رهينٌ بقيام إصلاح جذري لإدارتنا العمومية.

 

وفي هذا الإطار ستعمل الحكومة على عصرنة وعقلنة تنظيم الادارة العمومية لتحويلها من إدارة إجراءات إلى إدارة مسؤوليات ومهارات ونتائج لتصبح فعاليتها أعلى وتخطيطها أدق ونهجها أكثر استشرافا وشفافية وأقرب للمواطن.

 

ولتحقيق كل ذلك ستعمل الحكومة على محاربة كل المسلكيات المنافية للشفافية والاستقامة أو لقيم وأخلاقيات العمل العمومي. وستقوم على وجه الخصوص بــ:

- تدقيق تنظيمي للادارة العمومية بما يؤول إلى صياغة مخطط تنظيمي ملائم من منظور ترشيد بناها الادارية والتسيير الرشيد لمواردها البشرية والمادية؛

- دعم وعصرنة الإدارة من خلال إطلاق برنامج واسع لرقمنتها؛

- إعداد ميثاق للخدمة العمومية بهدف تبني وتسريع وتحسين جودة خدمات الإدارة وتعزيز ثقة المتعاملين معها.

- وضع وتنفيذ خطط تكوين مكثفة للموظفين والوكلاء العموميين.

 - تطوير نظام تسيير موظفي ووكلاء الدولة وتحسين ظروفهم خلال الخدمة وبعد التقاعد.

 

وإن حاجتنا إلى هذا الاصلاح الإداري هي ذات حاجتنا إلى توطيد حكامة محلية فعالة لا غنى عنها لبلد مترامي الأطراف كبلدنا تستحيل تنميته المتوازنة بالاعتماد حصرا على التسيير المركزي.

 

وستتركز جهود الحكومة في هذا الإطار على:

- إعداد مخطط شامل للإصلاح الترابي يكون أساسا لتقطيع إداري جديد وخلق أقطاب تنموية متكاملة،

- وضع حد نهائي لظاهرة التقري العشوائي وعدم قبول أي عذر في ذلك وتشجيع ومواكبة كل مبادرة تهدف إلى تجميع القرى المتجاورة.

- تسريع وتيرة نقل الصلاحيات والموارد إلى المجالس الجهوية والبلديات،

- إيجاد الآليات المناسبة لاستخدام موظفي ووكلاء الدولة على المستوى   الجهوي بصفة مشتركة من لدن المصالح القطاعية من جهة والهيئات اللامركزية من جهة أخري.

 

وإدراكا من الحكومة بأن تحقيق ما تهدف إليه من تعزيز الحكامة على مختلف المستويات يحتاج مشاركة واعية وفعالة من قادة الرأي والمثقفين والإعلاميين وهيئات المجتمع المدني فإنها ستعمل على تعزيز الرصد وحماية المبلغين عن المخالفات، وتوطيد حرية الصحافة وتسهيل الوصول إلى المعلومة ودعم الأنشطة التنويرية لنخبنا الثقافية.

 

السيد الرئيس؛

السادة والسيدات النواب المحترمون؛

يتعلق المحور الثاني من محاور السياسة العامة للحكومة ببناء اقتصاد قوي وصامد ذي أداء مستدام بيئيًا.

 

وسيتركز عمل الحكومة في هذا المستوى على إحداث تحول بنيوي يفضي إلى معدلات نمو قوية ومستدامة تسمح بخلق النشاط والثروة الضروريين من جهة لتوفير فرص العمل بشكل متناسب مع الطلب على التشغيل ومن جهة أخري لتعبئة الموارد العمومية اللازمة لتمويل البرامج الاجتماعية ودعم البنية التحتية الضرورية لاستدامة النمو والقضاء على الفقر والهشاشة. 

 

ولتحقيق هذا الهدف ستعمل الحكومة في اتجاهات متعددة ومتكاملة من قبيل إطلاق الإصلاحات الهيكلية الضرورية لتحرير الاقتصاد وتشجيع الإستثمار ودعم ومواكبة قطاعنا الخاص ليتمكن من لعب الدور المنوط به كمحرك رئيس لخلق الثروة والنمو وتنفيذ برنامج واسع لتطوير البنى التحتية الضرورية وكذلك من قبيل تطوير كل القطاعات التي يمتلك بلدنا فيها مقدرات اقتصادية مهمة وخصوصا منها تلك التي لنا فيها ميزات تفضيلية جلية. وسيكون البعد البيئي حاضرا في كل هذه الميادين وخصوصا في كل ما له علاقة بالاستدامة والحفاظ على المحيط البيئي.

 

أما بخصوص الإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى تحرير الاقتصاد وتشجيع الإستثمار وتهيئة الشروط الضرورية للإقلاع الإقتصادي المنشود فستتم مراجعة مدونة الإستثمار وكذا مدونة الصفقات العمومية وقانون الشراكة بين القطاع العام والخاص ومدونة الضرائب بما يضمن إعادة توزيع العبء الضريبي وإطلاق الإصلاح العقاري وتحقيق الأمن القانوني والقضائي للفاعلين الاقتصاديين وإصلاح نظامنا المصرفي.

 

وستشكل هذه الإصلاحات دعامة جهدنا في سبيل تحسين مناخ الأعمال وتحرير طاقات وإمكانات قطاعنا الخاص الذي تعتبره الحكومة شريكا أصيلا لن تألوَ جهدا في دعمه ومواكبته بحكم مركزية دوره في تحقيق النمو المنشود.

 

ولن تؤتيَ كل هذه الإصلاحات أكلها على الوجه المطلوب إلا بقدرما تتوفر البنية التحتية المناسبة الداعمة للنمو والضرورية لتوفر عوامل الانتاج بسعر تنافسي وفك العزلة عن مناطق الإنتاج وفتح الأسواق وتسهيل التجارة وهو ما ستعمل عليه الحكومة جاهدة من خلال:

أولا: إطلاق برنامج واسع في مجال البنى التحتية الطرقية العصرية يفك العزلة عن مناطق الانتاج ويفتح محاور طرقية تربط بلدنا بالأسواق الخارجية وبناء طرق سيارة في المقاطع الأكثر حاجة لذلك. كما ستضع الحكومة على رأس أولوياتها إجراء دراسة الجدوائية لسكك حديدية تربط بلادنا بالأسواق المجاورة وتحل مشكلة نقل بعض المناجم المكتشفة إلى موانئ التصدير كالفوسفات في لبراكنة والحديد في إينشيري.

 

ثانيا: إعادة تأهيل وتوسيع وعصرنة البُنى التحتية المينائية الحالية: ميناء الصداقة، ميناء انواذيبو المستقل، ميناء خليج الراحة وميناء تأنيت، وتكييف ميناء انجاكو ليتناسب مع متطلبات المشاريع الغازية المستقبلية وإنشاء بنى تحتية جديدة كبناء ميناء في المياه العميقة في انواذيبو وميناء في اليابسة بكوكي وميناء لمواكبة حاجة تطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر.

 

ثالثا: تعزيز وتوسيع البنى التحتية في مجال النقل الجوي بالموازاة مع دعم ومواكبة الموريتانية للطيران كرمز لسيادتنا الجوية وًكأداة محورية لتعزيز وتكثيف وضمان انسيابية الرحلات من وإلى بلدنا.

 

رابعا: إطلاق برنامج طموح لإنتاج وتوفير الطاقة بالقدرة والجودة والسعر الملبييْن بنحو ملائم لحاجات وحداتنا الاقتصادية وبالاعتماد على مخزوننا من الطاقات المتجددة.

 

خامسا: إطلاق مشاريع مائية كبيرة في مجال السدود وشق القنوات والمحاور المائية بشكل يغطي حاجات كل القطاعات الاقتصادية وخصوصا القطاع الزراعي.

 

سادسا: العمل على توفير بنية تحتية رقمية تتيح بالحد الأقصى الممكن الاستفادة من التقنيات الجديدة.

 

وإن كل ما تقدم في مجال الإصلاحات الهيكلية وتشجيع القطاع الخاص وتوفير البنى التحتية الضرورية إنما يراد منه الإستغلال الأمثل لمقدراتنا في مختلف القطاعات الإقتصادية وخصوصا التي نمتلك فيها ميزات تفضيلية وفرصا إنمائية واعدة كالزراعة والتنمية الحيوانية والصيد والمعادن والصناعة والسياحة.

 

ففي مجال الزراعة يشكل تحقيق السيادة الغذائية وإطلاق ثورة زراعية الهدف الأسمى لسياسة الحكومة. وفي سبيل هذا الهدف فإنها ستعمل على تكثيف إنتاجنا من الأرز بنحو يعزز اكتفاءنا الذاتي من هذه المادة ويتيح لنا في المدي المنظور تصديرها. كما ستعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي في الخضروات والمحاصيل التقليدية وعلى تطوير زراعة الواحات وزراعة القمح والأعلاف. ولتحقيق هذه الأهداف ستركز الحكومة عملها على:

 

توسيع المساحات الزراعية وتوفير المياه الضرورية من خلال شق المزيد من القنوات والمحاور المائية وبناء السدود واستصلاح المساحات الزراعية وإعداد وتنفيذ إصلاح عقاري عادل ومنصف؛

- فك العزلة عن المناطق الزراعية وكهربتها ودعم قدرات التخزين والحفظ والتبريد والنقل؛

 - مواصلة سياسة الإعفاء الضريبي للتجهيزات والمدخلات الزراعية؛

 - العمل على مكننة الزراعة المطرية؛

- العمل على تعبئة الموارد المالية الضرورية لتمويل القطاع مع تسهيل النفاذ إليها؛

 - إطلاق برنامج واسع للبحث والتكوين والإرشاد في مختلف الشعب الزراعية بالاعتماد على مؤسسات البحث والتكوين المهني والتعليم العالي الوطنية.

 

أما في مجال التنمية الحيوانيّة، فستسعى الحكومة إلى دمج هذا القطاع الحيوي بصورة فعلية في الاقتصاد الوطني عبر رفع الإنتاجية وتعزيز التصنيع والتسويق بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الألبان والوصول إلى مرحلة تصدير اللحوم الحمراء، إضافة إلى تثمين شعبتي الدواجن والجلود. وسيتم كل ذلك من خلال:

- العمل الناجع على تحسين البيئة العامة للتنمية الحيوانية وتطوير البنى التحتية المتعلقة بها في إطار رؤية تنموية مستدامة للقطاع؛

- رفع مستوى العناية بالصحة الحيوانية من خلال جعل التطعيم ضد الأوبئة الحيوانية الكبرى إجباريا ومجانيا وبالمراقبة الوبائية وبتطوير الصحة البيطرية العمومية؛

- خلق البنى التحتية الضرورية لتصدير اللحوم الحمراء من خلال تشييد حظائر الحجر والمسالخ العصرية.

- تشجيع ومواكبة التحول إلى نمط التربية الكثيفة والتحسين الوراثي للسلالات اللبونة؛

- صياغة وتنفيذ سياسة فعالة لتسيير المراعي وعقلنة مسارات الانتجاع وتحصيل البدائل مثل زراعة الأعلاف وتوفير المياه الرعوية للتخفيف من تأثير فترات نقص الأمطار على الماشية؛

 - العمل على تقديم الحوافز لصالح الاستثمار الخصوصي في قطاع التنمية الحيوانية من خلال إعفاءات ضريبية مناسبة للمعدات والتجهيزات المرتبطة بالإنتاج والتصنيع وخلق الآليات الفعالة لاستفادة القطاع من التمويلات العمومية والخصوصية المتاحة؛

 

وفي مجال الصيد البحري فإن دعائم وأهداف السياسة العامة للحكومة تتمحور أساسا حول الاستغلال المستديم والمسؤول للبحر وثرواته تعزيزا للتحول إلى الاقتصاد الأزرق، وتبني مقاربة متكاملة لترقية الصناعات التحويلية لمنتجات الصيد وزيادة قيمته المضافة. وفي هذا الإطار سيتم:

- توسيع وتطوير وتجهيز البنى التحتية المينائية وبنى التخزين والحفظ والتبريد لتشجيع تفريغ كل منتوجنا على اليابسة؛

- واعتماد استراتيجية مناسبة لتجديد الأسطول وضمان صيانته؛

- ووضع آليات مبتكرة لتمويل سلاسل القيمة، في إطار ائتمان بحري ملائم؛

- القيام بتقييم لمختلف اتفاقيات الصيد مع شركائنا لحماية المصالح الوطنية؛

- تفعيل أجهزة الرقابة والتفتيش؛

- ترقية البحث والتكوين؛

 - وإيلاء اهتمام خاص بالصيد القاري وزراعة الأسماك.

 

وفي مجال المعادن ستركز الحكومة جهودها على تنشيط هذا القطاع المهم بالعمل على زيادة إنتاج المناجم المستغلة حاليا وتسريع بدء استغلال مناجم ومعادن جديدة وتوسيع وتطوير البحث الجيولوجي الاستكشافي وتعزيز وتطوير الصناعات المعدنية التحويلية ووضع سياسة حازمة لضمان مراعات النشاط المعدني لمتطلبات البيئة.

 

وفي هذا الإطار العام ستعمل الحكومة على مراجعة مدونة المعادن لإحداث تأطير أفضل للنشاطات المعدنية من شأنه أن يحول دون اكتناز السندات المعدنية واحتكار المقالع؛ وإصلاح المؤسسات الوطنية المتدخلة في القطاع من أجل مزيد من التجانس في عملها والفعالية في أدائها وكذلك إنجاز خارطة للمقدرات المعدنية لإبراز المعادن ذات الطابع الحرِج نظرا لأهميتها الاستراتيجية المستقبلية في مجال الانتقال الطاقوي.

 

كما ستواكب الحكومة الشركة الوطنية للصناعة والمناجم اسنيم في برنامجها الطموح الهادف الى مضاعفة انتاجها السنوي بهدف مضاعفة الإنتاج السنوي أفق 2029 والرفع من قيمته المضافة وتشجيع الشركة على الاستثمار في استكشاف واستغلال الذهب والنحاس.

 

وستواصل الحكومة الجهود الرامية إلى التأطير الجيد لنشاط التعدين الأهلي بما يضمن زيادة المستفيدين منه ويحقق دمجه في الدورة الإقتصادية ويحد من آثاره البيئية والمخاطر الاخرى المرتبطة باستغلاله.

 

وسيكون من أولويات الحكومة كذلك تسريع الجهود الرامية إلى الشروع في استغلال مناجم جديدة من قبيل اليورانيوم والفوسفات ولكلينكر والجبس والحديد والذهب.

 

كما ستسعى الحكومة عملا بتوجيهات صاحب الفخامة على أن تجعل من بلدنا مركزا إقليميا للطاقة وخصوصا الطاقة منخفضة الكربون.

 

وفي هذا الصدد، تلتزم الحكومة بمواصلة   الجهود الرامية إلى جعل بلادنا مركزًا إقليميًا لإنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال وتطوير المراحل المستقبلية لحقل GTA احميم، وتسريع تنمية حقل بيرالله، وتشجيع تطوير الحقول المكتشفة بالفعل مثل باندا وولاته وبيليكان وتيفيت، لتلبية حاجات السوق المحلية.

 

كما ستواصل دمج قطاع الغاز والنفط في النسيج الاقتصادي، وتعزيز إمكانات أحواضنا الرسوبية، من خلال وضع التدابير التحفيزية المناسبة لدعم مكانة البلاد كوجهة مفضلة للاستكشاف؛ مع التركيز على تطوير البنية التحتية لتخزين وتفريغ ونقل وتوزيع المنتجات البترولية.

 

وستضاعف الحكومة الجهد لاستفادة البلد القصوى من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الوفيرة وعالية الجودة وما توفره من فرص تهيئنا للاضطلاع بدور رئيس في التحول الطاقوي بما تفتحه أمامنا من آفاق جديدة، خاصة في مجال الهيدروجين الأخضر وتطبيقاته الصناعية.

 

وسعيا إلى ضمان زيادة معتبرة لمستوى   استفادتنا من عوائد استغلال ثرواتنا الطبيعية بنحو منصف ستجعل الحكومة من ضمن أولوياتها وضع سياسة وطنية لتطوير المحتوى المحلي. 

 

أما في مجال الصناعة فسيتم التركيز على بناء قاعدة صناعية تسهم في الرفع من القيمة المضافة لاستغلال مواردنا الطبيعية وفي تصحيح ميزاننا التجاري من خلال توطين صناعات تحويلية متنوعة توفر بدائل لبعض السلع المستوردة خصوصا تلك التي لا تتطلب تكنولوجيات معقدة أو رؤوس أموال كبيرة.

 

وفي هذا الإطار ستعمل الحكومة على إنشاء مناطق صناعية مجهزة بالخدمات الأساسية والمساعدة في تعبئة خطوط التمويل وتكوين الكفاءات الصناعية واليد العاملة.

 

انطلاقا مما يمتلكه بلدنا من طاقات وموارد سياحية غير مستغلة ستعكف الحكومة بالشراكة مع الفاعلين في قطاع السياحة على تشخيص شامل للتحديات والعوائق التي تعترض هذا النشاط الاقتصادي المهم وعلى اقتراح حلول عملية لتنشيطه وتطويره وتوسيعه. وستعطي الأولوية في هذا المجال للبنى التحتية والموارد البشرية والتعريف ببلدنا وبخصائصه السياحية.

 

 السيد الرئيس؛

السيدات والسادة النواب المحترمون؛

إن مختلف جوانب السياسة الحكومية، ما فصل منها في المحورين السابقين وما سيعرض في بقية المحاور تتوقف في تنفيذها الناجع وتحقيق غاياتها ومقاصدها على توفر رأس مال بشري ذي تكوين وتأهيل جيدين خاصة فئة الشباب فيه. فوجود رجال ونساء مسلحين بتكوين نوعي وصحة جيدة هو ما يتيح انتاج القيمة المضافة وخلق الرخاء والازدهار.

 

وعملا على تكوين رأس مال بشري بهذه الخصائص ستركز سياسة الحكومة على رافعات خمس هي: التعليم والتكوين والتشغيل والصحة والثقافة والرياضة.

 

ففي مجال التعليم سيكون هدفنا الأسمى العمل على توفير تعليم مُتميز عالي الجودة بِكوادر تعليمية مُؤهلة لِبناء مُواطن متجذر في هويته الحضارية ومُعتزّ بِقيمه الوطنية ومنفتح على العالم.

 

تعليم يكسب أبناءنا الكفاءات والمهارات الضرورية ويحفزهم على الإبداع والابتكار ويهيئهم للانخراط السلس في الحياة الاجتماعية والمهنية.

 

وفي سبيل ذلك سنستمر في تعزيز وتكريس المدرسة الجمهورية في إطار تنفيذ متسارع للإصلاح التعليمي في مختلف جوانبه ومستوياته وخصوصا ما يتعلق بضبط الخريطة المدرسية وتعزيز وتطوير البنية التحتية وإصلاح البرامج والمناهج التعليمية وتعزيز مكانة تدريس العلوم واستكمال الإصلاح اللغوي وتوفير الدعامات التربوية المناسبة.

 

كما سنحرص على تطوير وتعزيز التكوين الأولي والمستمر للمؤطرين والمدرسين مع منح الأولوية لكل ما من شأنه أن يجعلهم، ماديا ومعنويا، في ظروف تمكنهم من تأدية رسالتهم المقدسة على أكمل وجه.

 

وستحرص الحكومة في نفس المنحى على الانفتاح على كل شركاء العملية التربوية سعيا إلى إشراكهم الفعلى في التصور والمتابعة والتقييم. وفي هذا الإطار سيتم تفعيل أدوار رابطات آباء التلاميذ ولجان تسيير المدارس واتحادات الطلاب والنقابات المهنية.

 

وتعزيزا للمكانة الخاصة لتعليمنا الأصلي ودوره البارز في ترسيخ ثقافتنا الإسلامية وهويتنا الحضارية والحفاظ على ما تميزنا به تاريخيا كمركز إشعاع علمي وثقافي، فستولي الحكومة لهذه المكونة الأساسية من منظومتنا التربوية بالغ الاهمية. وسيتجسد ذلك في تثمين دور التعليم الاصلي في نشر التعليم ما قبل المدرسي وكذلك في زيادة الدعم للمحاظر مع العمل على إقامة جسور قوية بين مختلف مستويات التعليم الأصلي ونظائرها في التعليم النظامي.

 

ونظرا لما تقدم من كون الاندماج السلس في الحياة المهنية من أبرز أهداف المنظومات التعليمية، جعلت الحكومة من ترقية التعليم العالي والتكوين المهني هدفا مركزيا في سياستها التعليمية. ويتجلى ذلك فيما قررته من توسيع وتنويع عرض التكوين في مؤسسات التعليم العالي والمهني مع الحرص على مواءمته وحاجيات السوق.  وفي هذا الإطار تخطط الحكومة في أفق 2029 لزيادة القدرة الاستيعابية لمؤسسات التعليم العالي الوطنية بحيث تصل إلى 50 ألف طالب وكذلك لتكوين 115 ألف شاب في مؤسسات التكوين المهني.

 

وفي استحداث قطاع وزاري جديد يلحق الصناعة التقليدية بالتكوين المهني تأكيد على ما توليه الحكومة من أهمية خاصة لهذا القطاع الفرعي الذي يجمع بين بعد المحافظة على تراثنا الأصيل والإسهام في النشاط الاقتصادي الصناعي.

 

وأما في مجال الصحة تعتزم الحكومة مواصلة الجهود الهادفة إلى توفير نظام صحي فعال يستفيد منه جميع مواطنينا من خلال:

1. توسيع البنى التحتية الصحية وتطويرها من خلال تعزيز المنصات التقنية وإعداد الحد الأدني من حُزم الرعاية والمعدات لكل مستوى من مستويات المنشآت الصحية؛

-2. التطوير المستمر لأقطاب التميز على المستوى الوطني وإنشاء مستشفيات مرجعية على المستوى   الجهوي؛

3. إطلاق برنامج واسع لدعم الصحة القاعدية والوقائية وتقليص الفوارق الصحية بين المناطق الحضرية والريفية اعتمادا على خريطة صحية معدة بطريقة موضوعية؛

4. إرساء نظام تموين آمن وفعال لضمان توفر الأدوية الأساسية والمنتجات الطبية عالية الجودة. وفي هذا الإطار ستطلق الحكومة حربا لا هوادة فيها على مهربي الأدوية والمضاربين في أسعارها وجودتها.

 

لن تقبل الحكومة تحت أي ظرف التلاعب بصحة المواطن لأنه في الحقيقة لا صحة مع الدواء الفاسد أو المزور أو منتهي الصلاحية؛

 

- تعزيز نظام مراقبة الأوبئة عبر تطوير آليات التوقع والوقاية بشكل أفضل والإستجابة لحالات الطوارئ الصحية بشكل سريع وفعال.

 

- توسيع نطاق تغطية التأمين الصحي سعيا إلى تعميمه من خلال مواكبة توسع خدمات الصندوق الوطني للتضامن الصحي والصندوق الوطني للتأمين الصحي.

 - تطوير وتعزيز التكوين الأولي والمستمر للطواقم الصحية مع منح الأولوية لكل ما من شأنه أن يجعلهم، ماديا ومعنويا، في ظروف حسنة ومرضية.

 

السيد الرئيس

السادة والسيدات النواب المحترمون  

إن كل ما تبنته الحكومة من أهداف وأعدته من سياسات في مجال ترقية رأس المال البشري بالتعليم والتكوين وفي مجال السعي إلى إحداث تحول بنيوي يفضي إلى معدلات نمو اقتصادي قوية ليشكل عاملا أساسيا في حل معضلة البطالة التي تعطل طاقات شبابنا وتعيق إسهامه في المجهود الإنمائي الوطني. صحيح أن هذا العامل يحتاج إلى أن يعزز بكل ما من شأنه أن يساعد في التشغيل الذاتي من مواكبة وإرشاد وتيسير للتمويلات الضرورية وهو ما ستعمل عليه الحكومة جاهدة، لكن لا بد لنا من العمل الفعال على التخلص مما فشا   بين الشباب من عقليات ومسلكيات تنافي ثقافة تمجيد العمل وتقدير المهن على اختلافها وتثمين الجد والمثابرة.

 

 إن شبابنا، عدتُنا وعتادُنا حاضرا ومستقبلا كما قال صاحب الفخامة الذي أراد لمأموريته هذه أن تكون بالشباب وللشباب؛ ولذا سيشكل تمكين الشباب والتشغيل أولى أولويات الحكومة.

 

وفي هذا الإطار سنعمل على تسريع وتيرة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتشغيل (2019 ـ 2030)، وذلك من خلال إنجاز خطة عمل ثلاثية للفترة 2025 – 2027.

 

وإضافة إلى السياسات والإجراءات المبرمجة في إطار المحور الإقتصادي والمحور المتعلق برأس المال البشري والتي تعتبر جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجية الوطنية للتشغيل فإن الحكومة تعتزم إطلاق حزمة من البرامج تتكامل في سعيها إلى خلق أكبر عدد ممكن من فرص الشغل أمام مختلف فئات شبابنا العاطل عن العمل. وفي هذا السياق سيتم إطلاق مشاريع كبيرة للتشغيل في عدة قطاعات مثل الزراعة والصيد والتنمية الحيوانية والمعادن والخدمات.

 

ونظرا للأهمية القصوى التي تحتلها الرياضة في سياسات التمكين الساعية إلى الفعالية فإن الاستثمار في المنشآت الرياضية مثل الملاعب والصالات الرياضية والفضاءات لتشجيع ممارسة الرياضة على كافة المستويات، سيأخذ الأولوية اللازمة كما سيتم التجهيز التدريجيّ لعواصم الولايات والمقاطعات بالمنشآت الرياضية الحديثة، فضلا عن إعداد وتنفيذ خطة دعم للأكاديميات الرياضية وتنمية المواهب الشّابّة، وكذا تشجيع الأنشطة الشبابية وتنميتها، في إطار الأندية أو خارجها، هذا إضافة إلى إعداد دراسة لإنشاء و تمويل صندوق وطني لتطوير الرياضة، و أخرى لإنشاء البنية التحتية الضرورية لاستضافة منافسات رياضية قارية و على رأسها كاس الأمم الافريقية.

 

وتعزيزا لكل جوانب التمكين للشباب فستعمل الحكومة على إدخال الخدمة المدنية من خلال وضع الأطر التنظيمية التي تأخذ في الاعتبار خصوصيات بلدنا وشبابنا. وفي هذا الإطار سيتم خلال السنة الجارية إطلاق برنامج تجريبي يسمح بتعبئة مئات الشباب المتطوعين.

 

وستتيح هذه الخدمة   لآلاف الشباب فرصة المشاركة في أنشطة ذات نفع عام تخدم المجتمع.

 

ونظرا لأن التمكين للشباب يجب أن يكون قائما على أساس متين من تعزيز وتجذر هويتنا الإسلامية والحضارية والثقافية لديه تلتزم الحكومة بوضع استراتيجيات قطاعية تهدف إلى النهوض بالأدوار التي يجب أن يلعبها قطاعا الشؤون الإسلامية والثقافة والفنون.

 

إن حديثنا عن الشباب يشمل كل الشباب بمن فيه شبابنا في المهجر. وستعمل الحكومة على إيجاد الآليات المثلي التي تضمن استفادة بلدنا من أبنائه الذين استطاعو بطموحهم وبجدهم وخبرتهم أن يبنوا حياتهم في المهجر مع بقائهم متعلقين ببلدهم ومستعدين للمساهمة في بنائه.

 

وإن من أبرز شروط نجاح مختلف محاور السياسة الحكومية في مجال تمكين الشباب تحصينه وتأمينه من أخطر آفات العصر الحديث من تطرف وإرهاب ومخدرات.

 

صحيح أن مقاربتنا في محاربة التطرف والإرهاب قد اثبتت نجاعتها الى حد كبير لكننا لا نزال بحاجة الى برامج أكثر فعالية في مواجهة آفة المخدرات والإدمان وهو ما ستأخذه الحكومة بعين الاعتبار وعلى كافة المستويات ذات الصلة.

 

وعلاوة على ما تقدم، ستجعل الحكومة على رأس أولياتها تمكين قطاع الشؤون الإسلامية من لعب دوره المقدس في التوجيه والإرشاد والمحافظة على حرمة الشعائر والمقدسات الإسلامية. وستهتم الحكومة على وجه الخصوص بإطلاق الإصلاحات الضرورية الكفيلة بأن يلعب المسجد دوره على أكمل وجه وأن يتمكن بيت الزكاة من تأدية المهام التي أنشئ من أجلها وأن تتطور المؤسسة الوقفية.

 

أما فيما يتعلق بالثقافة والفنون فستنصب جهود الحكومة على تنظيم وتطوير العمل الثقافي وتهيئة البيئة المناسبة للإبداع بهدف ترسيخ هويتنا الثقافية وتحقيق الريادة وتنميتها. وستعكف على تنفيذ استراتيجية ثقافية تساعد في الوقت نفسه على تعزيز الوحدة الوطنية والانسجام الاجتماعي وتثمين الثقافات المحلية وقيم المواطنة من خلال تطوير وتحديث مختلف القطاعات الثقافية.

 

السيد الرئيس؛

السيدات والسادة النواب المحترمون؛

إن كل محاور هذه السياسات العمومية، لا يمكن أن تتحقق على النحو المطلوب والمبتغى، إلا في إطار من الأمن والاستقرار الراسخين وفي كنف من الوحدة الوطنية المتينة والانسجام الاجتماعي المتكامل.

 

ولذا وفي ما يخص المحور المتعلق بالأمن والاستقرار، فإن من أبرز أولويات الحكومة، تعزيز بناء دولة قوية، قادرة على مواجهة التحديات الجيوسياسية، خاصة، في ظل ما يشهده المحيطان الدولي والإقليمي، من اضطرابات وعنف وإرهاب وحروب، يهدر كل فرص التنمية، ويهدد كيانات الدول في الصميم.

 

وتأسيسا على ذلك، فإن الحكومة ستولي بالغ العناية للترجمة الفعالة، لكل جوانب استراتيجيتنا الأمنية المندمجة، التي وضعها صاحب الفخامة السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، وذلك بتعزيز ما تحقق من مكاسب في هذا الباب بخصوص تطوير ودعم قدرات قواتنا المسلحة وقوات أمننا، لتحفظ بفعالية أمننا داخليا وخارجيا. وفي هذا الإطار تعتزم الحكومة إعداد وتنفيذ قانون برمجة مالية يسمح بتعزيز قدرات وجاهزية قواتنا المسلحة وقواتنا الأمنية من خلال اقتناء التجهيزات المتطورة الملائمة لخصائص التحديات المعاصرة.

 

كما ستولي الحكومة عناية فائقة لاشكالية الهجرة لما تنطوي عليه من تحديات امنية واقتصادية وانسانية جسيمة وذلك من خلال إعداد وتنفيذ استراتيجية فعالة لمكافحة ما كان منها غير نظامي وتسيير وضبط ما هو منها قانوني. فمع حرصنا على التقيد بالاتفاقيات التي تربطنا بالدول الشقيقة والصديقة والتزاماتنا الدولية فلن نتهاون أبدا مع كل ما من شأنه أن يمس أمننا وثقافتنا وطرق عيشنا.

 

من جهة أخرى ستستمر الحكومة في اعتماد سياسة خارجية نشطة قائمة على مبادئ الاحترام المتبادل وحسن الجوار، وعلاقات الأخوة والصداقة والتعاون البناء، وتغليب الحوار والتفاوض والالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية ودعم القضايا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية والمساهمة في استتباب الأمن والاستقرار إقليميا ودوليا.

 

كل ذلك مع التركيز على تقوية دوربلادنا في الاتحاد الافريقي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وتعزيز علاقاتها مع كافة الدول خاصة، دول الجوار وتلك التي تجمعها بها علاقات تاريخية، ثقافية واقتصادية عريقة ومتينة.

 

هذا فيما يخص الأمن والاستقرار، أما فيما يخص الوحدة الوطنية والانسجام الاجتماعي فقد أشرنا فيما تقدم إلى أن الموريتانيين شعب واحد، ينصهر كله في وحدة إيمانية وعقدية جامعة، ويوحده التاريخ المشترك وتجمعه القناعة الراسخة بوحدة المصير والمستقبل الواعد.

وبناء على ذلك، ستعمل الحكومة على جبهتين أساسيتين:

 

الجبهة الأولي: ستركز على القضاء على رواسب العقليات البائدة والتراتبيات الوهمية والصور النمطية الزائفة من خلال العمل على ترسيخ قيم ومبادئ خطاب وادان وإعلان جول وترجمتهما في خطة عمل تتكامل مختلف محاورها في مواجهة النفس القبلي والفئوي والتعصب الشرائحي والطبقي والتمييز على أي أساس كان.

 

وفي هذا الإطار ستعمل الحكومة على المشاركة الفعالة للعلماء والمثقفين وقادة الرأي، والمجتمع المدني، لكسب هذه المعركة الفكرية الاجتماعية. وقبل هذا وذاك، ستعزز سيادة القانون، والمساواة أمامه، وفي الكرامة والحقوق والواجبات.

 

وستسعى الحكومة أيضا إلى إيجاد الصيغ المناسبة للتضميد النهائي للجراح التي خلّفها الإرث الإنساني.

 

أما الجبهة الثانية: فستنصب الجهود فيها على القضاء على التفاوت الاقتصادي البين، وما ينشأ عنه من اختلال في توزيع الثروة والفرص وعلى توفير الخدمات الأساسية من ماء و كهرباء وفك عزلة. كما ستتم مواصلة مختلف البرامج الاجتماعية التي تستهدف المواطنين الأقل دخلا مع ضمان تكاملها وعدالة معايير الاستفادة منها. كما سيتم التركيز على تمكين المرأة بحيث تؤدي دورها الريادي اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا على الوجه الأتم.

 

وفي هذا الإطار سيتم تقييم وإعادة توجيه البرامج المنفذة من طرف المندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء (تآزر) ومختلف الهيئات الحكومية المتدخلة في هذا المجال، سعيا إلى تحسين وتقوية أثرها الإيجابي على المواطنين المستهدفين. وسيُعمد في هذا الإطار إلى مراجعة السجل الاجتماعي وإعا