على طريقة فرعونية في أنانيته ونرجسيته، ظهر ولد عبد العزيز أمام المحكمة مهاجما للجميع، وواصفا له بأشنع الأوصاف، وأنه لم ولن يوجد في هذه البلاد من المصلحين سواه، والجميع غارق في الفساد والإفساد.

وكانت أخطر سقطاته هي سرده الطويل الممل لبعض التفاصيل التي دارت مع بعض المشفقين عليه، الساعين لإنقاذه من حبل الإدانة الذي يصر على لفه حول عنقه بإحكام وقوة، وأفشى ما دار بينه وبين بعض الشخصيات من أسرار وأحاديث، و"المجالس أمانات"، وهي خطوة ستجعل الجميع يخشى مجرد الحديث معه في أي كان، لأن هذا الحديث قد يتحول إلى ملء فراغ ما في مجلس محاكمة ما، وسعي لتضييع الوقت، وإطالة أمد المحاكمة.

فقد أفشى ولد عبد العزيز أسرار لقائه مع البروفسير الشاب ولد الحريطاني، ومع النائب المحترم سونغوت عثمان، ومع رجل الأعمال السيد الدمين ولد محمد آسكر، والراجح أن أقرب المقربين منه وأخلص أصدقائه، ومن يتولون الدفاع عنه يتحسسون الآن قلوبهم خشية أن يشي أو يفشي بعض أسرارهم، إن لم يكن اليوم فغدا، ربما لرفاقه المستقبليين في سجن دار النعيم، أو المركزي أو ألاك، أو غيرهم من السجون.

وكان واضحا أن هذا خلق أصيل فيه، وأنه تجاوز إفشاء الأسرار إلى التصنت والتجسس والتسجيل، وقد اعترف بذلك خلال حديثه عن أحد لقاءاته حين قال أمام المحكمة إن "هذا موثق ومسجل"، كما تحدث عن مكالمات مسجلة، وسرب خلال حكمه مكالمات وتسجيلات لشخصيات مختلفة.

ومن أبرز زلاته وأخطائه القاتلة وحنقه على الجميع، أنه:
1. هاجم الرئيس المؤسس طيب الذكر المرحوم المختار ولد داداه حين قال إنما يستحق أن يوصف بأنه فساد ما قام به من قرض 75 مليون دولار، تركها ديونا على موريتانيا لتتحول إلى 5 مليارات دولار، وأدخلت البلاد في أزمات حقيقة، وقد تمكنت من تصحيحها، بصعوبة. هذا الفساد، وما قمت به هو الإصلاح، ولم أترك للبلاد مديونية بهذا الحجم.

وزاد فقال إن نماذج فساده أيضا، أنه قام بإنجاز مصنع للسكر، والواقع أنه مصنع لتذويب السكر، وتحويله إلى قوالب، وأنفق عليه 15 مليون دولار، وهي الآن بقيمة 150 مليون دولار، في حين أن المصنع في الواقع لا وجود له. وهذا هو الفساد.

ورغم هذه الممارسات الفاسدة، والواضحة، فالكل يثني عليه، ويمدحه، وينزهه عن الفساد، ويتهمني به. وهذا أمر عجيب وغريب.

2. هاجم كل نواب البرلمان، واتهمهم بالفساد جملة، وأن مجرد جماعة من المفسدين.
3. هاجم القضاء واتهم أحد القضاة بأنه أجرى تغييرا افتراضيا على الدستور، فيما وصف أحد قضاة التحقيق بأنه "ما فاهم شي"
4. هاجم المنظومة الصحية في موريتانيا، والأطباء الموريتانيين ووصفهم بأنهم مجرد جزارين "بوزات" ولا يمكن لأحد أن يسلم نفسه لهم
5. هاجم الصحافة والمدونين ووصفهم جميعا بالمرتزقة، وحتى داعميه منهم نالوا حظهم من إساءته، حيث قال إنه استدعى أحد المدونين الداعمين له لينشر منشورا وصفه بالتافه عن بعض البطاريات في منزله.
6. هاجم الشعراء، وهو أمر تعود عليه خلال فترة حكمه.
7. هاجم طلبة المحاظر وخريجيها، وأكد أنهم هم سبب تعثر النظام التعليمي عموما، والجامعي خصوصا
8. هاجم المحامين ووصفهم بالمرتشين.
9. هاجم أجهزة الأمن والشرطة تحديدا واتهمها بالخروج على القانون، والتبعية العمياء.
10. هاجم جمهورية الصين الشعبية، ووصفها بأنها من آخر الدكتاتوريات في العالم، وهي الوحيدة التي ما زالت تحتفظ بنظام الحزب الواحد، وعليه أن تستحي من ذلك.
11. هاجم فرنسا، والمغرب، وقطر، والسنغال، وكال لكل واحدة منهم اتهامات طويلة عريضة.
12. هاجم الشيخ الددو لمجرد أنه أفتى أحد رجال الأعمال من أقاربه بعدم جواز التكتم على أموال مشبوهة كان هو قد أودعها لديه.
13. استخف بأنصاره وكبار داعميه، وخصوصا سيدنا عالي محمد خونه، ووصفه مرات بالتابع له..
14. هاجم جميع من عملوا معه أو جمعتهم مع الصدفة في مرحلة ما من مراحل الحياة..
15. هاجم غالبية موظفي البلاد حين اتهمهم بالفساد، وأطلق الحكم في حقهم أنهم لا يستطيون تبرير ثرواتهم، ربما من باب أن ما تعرفه عن نفسك يدلك على الناس، ومن باب "يكاد المريب يقول خذوني".

إن هذا الهجوم في كل اتجاه، واتهام الجميع يعكس في عمقه اهتزازا نفسيا، وانهيارا معنويا، ولذا كانت كلماته تشي بذلك، وكان شعوره به ظاهرا لدرجة أنه اضطر أكثر من مرة لترديد "هذا ليس ضعفا مني هذا ليس ضعفا مني"، وهو في الحقيقة عمق الضعف بل الانهيار، ومحاولة التعويض النفسي عبر مهاجمة الجميع، ومحاولة تدميرهم بأسلحة خاوية، ومنتهية الصلاحية.

ربما، إذا استمر في هذا المسار نجده غدا يهاجم نفسه.. من يدري..

بقلم: محمد محمود الحسين الحر