ذ/ محمد بتار إطار بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي

ما هو الضمان الاجتماعي ؟

 ماهو الضمان الإجتماعي ? ( محمد بتار)

ذ / محمد ولد بتار

إن الجواب علي هذا السؤال يعني تعريف الضمان الاجتماعي علي نحو جامع مانع ,أي جامع لكل المقومات والعناصر التي يتكون منها, ومانع لكل ما لا يجوز أن يدخل فيه , مما هو خارج عنه , ومثل هذا التعريف ليس بالأمر الهين

أولا : لأن الضمان الاجتماعي نظام حديث النشأة ,ظهر إلي الوجود في أعقاب الأزمة الاقتصادية التي ضربت الاقتصاد الأمريكي عام 1929, وبدأ بالانتشار بعد الحرب العالمية الثانية , وهو مازال في تطور مستمر,بحيث يصعب وضع تعريف له ,جامع مانع .

ثانيا: لأن الضمان الاجتماعي كنظام , يتأثر بالظروف الاقتصادية والاجتماعية
والسياسية للبلد الذي يطبق فيه, ولذالك نجد أن أنظمة الضمان الاجتماعي تختلف من بلد إلي أخر, علي نحو يصعب معه وضع تعريف واحد للضمان الاجتماعي ,
يغطي كافة الأنظمة المطبقة في الدول المختلفة ولذلك لا نجد أن الفقه أو التشريع متفق علي تعريف واحد للضمان الاجتماعي يمكن اعتماده والاكتفاء به ,بل إن هناك عددا من التعاريف تعبر عن اجتهادات أصحابها , أو عن بعض السياسات المطبقة غير أنه رغم هذه الصعوبات ,فقد حاول الكثير أ ن يجد للضمان الاجتماعي تعريفا يصور ,بقدر الإمكان ,موضوعه ومقوماته ,ولتسهيل هذه المحاولة ,سنميز بين الضمان الاجتماعي كهدف يسعي المجتمع إلي تحقيقه , والضمان الاجتماعي كنظام قانوني ,هو أداة المجتمع ووسيلته لبلوغ هذا الهدف , علي أن نستخلص بعد ذالك من مضمون لهدف وطبيعة النظام القانوني تعريف يمكن الاعتماد عليه الإبراز موضوع الضمان الاجتماعي ومقوماته

1. الضمان الاجتماعي هدف يسعي الجميع إلي تحقيقه

ارتبطت فكرة الضمان الاجتماعي منذ نشأته بفكرة الخطر , وفكرة الأمن ففي مواجهة الأخطار التي تهدد الإنسان ,نشأ لديه الشعور بالحاجة إلي الأمن .
وقد كان الخوف من هذه الأخطار ,والرغبة في تحقيق الأمان ,هما الدافع إلي قيام
الضمان الاجتماعي ,فبعد أن أدي التطور الصناعي إلي تزايد الأخطار التي تهدد الإنسان في سلامته وفي أمنه المعيشي , وبعد أن اتضح أن السواد الأعظم من الناس ,ولاسيما العمال منهم ,لا يقدرون علي تحمل نتائج هذه الأخطار ,نشأت الحاجة إلي نظام اجتماعي يوفر لهؤلاء الحماية والأمن ,فكان الضمان الاجتماعي .
ولكن الأخطار التي تهدد الإنسان في سلامته وفي أمنه المعيشي كثيرة ومتنوعة , فهل
يغطي الضمان الاجتماعي كل هذه المخاطر؟

بالطبع لا , لأن من شأن ذلك أن يوسع دائرة الضمان الاجتماعي إلي الحد الذي يدخل فيه كل السياسيات الاجتماعية , كسياسة التشغيل , وسياسة الأجور,والسياسة الصحية , والسياسة النقدية, والسياسة السكنية , وغير ذلك من السياسات الاجتماعية الأخرى , فيفقد الضمان الاجتماعي بذلك ذاتيته وتجانسه ولذلك كان لابد من تحديد المخاطر المشمولة بالضمان الاجتماعي ,حتى يتسنى الوصول إلي تحديد مفهومه

- فماهي هذه المخاطر؟

إنها المخاطر الاجتماعية كما يصفها الفقه وقد قيل في تبرير هذا الوصف أن الضمان الاجتماعي, محدد بوصفه "الاجتماعي" ولذلك فإن المخاطر التي يواجهها يجب أن تتمتع بنفس الوصف ,فتكون ,"مخاطر اجتماعية "

- ولكن ماهي المخاطر الاجتماعية؟

في الجواب علي هذا السؤال ,ذهب الفقه مذهبين :

أحدهما يعرف الخطر الاجتماعي بالنظر إلي مصدره , والاخر يعرفه بالنظري إلي الآثار التي تترتب عليه ,

أ- تعريف الخطر الاجتماعي بالنظر إلي مصدره :

يذهب أصحاب هذا الرأي إلي تعريف الخطر الاجتماعي بأنه الخطر الناتج عن الحياة في المجتمع , ولكن مثل هذا التعريف من شأنه أن يدخل في الأخطار التي يغطيها الضمان الاجتماعي , ما ليس منها, وأن يخرج منها , ما هو دائما فيها

فمخاطر الحروب مثلا ,مخاطر السير , ومخاطر النقد (انخفاض قيمته)تنشأ عن الحياة في المجتمع , ومع ذلك فالضمان الاجتماعي لا يغطيها , وعلي العكس من ذلك , فالمرض في ذاته , والشيخوخة , والوفاة ,أخطار ذاتية تتصل بشخص الإنسان, لا
بالحياة في المجتمع , ومع ذلك فإن الضمان الاجتماعي يغطيها تعريف الخطر الاجتماعي بالنظر إلي أثاره أمام فشل التعريف الأول ذهب فريق من الفقهاءإلي تعريف الخطر الاجتماعي بالنظر إلي أثاره ونتائجه فقالوا أن الخطر الاجتماعي هو الخطر الذي يؤثر في المركز الاقتصادي للشخص ويتمثل هذا التأثير في نقص الدخل أو في انقطاعه أسباب فيزيو لوجيهة ,كالمرض والعجز والشيخوخة ,والوفاة ,أو لأسباب اقتصادية ,كالبطالة ,كما يتمثل بي زيادة أعباء الشخص دون انتقاص من دخله كما هو الحال في النفقات العلاج الطبي ,ولأعباء العائلية المتزايدة,استجابة إلي حاجةولا شك أن تعريف الخطر علي هذا النحو هو أكثر استجابة إلي حاجة الفرد إلي الحماية الاقتصادية ولكنه في الوقت نفسه يؤدي لي توسيع نطاق الضمان الاجتماعي علي النحو غير مقبول_كما في التعريف الأول_ ويعطي للأخطار التي يطقها الضمان لاجتماعي مفهوما اقتصاديا أ:ثر منه مفهوم اجتماعي ,بما أن الضمان الاجتماعي قام في لأصل لحماية العمال وعمال الصناعة بالذات لأن نشأة الضمان لاجتماعي ارتبطت بالثورة الصناعية من الخاطر التي تهدد قدرتهم علي لكسب ,فقد أعتبر خطرا اجتماعيا يتعين علي الضمان لاجتماعي تغطيته ((كل حدث يجبر الإنسان علي أداء عمله بصفة مؤقتة أونهائية ,سواء أكن هذا الحدث فسيولوجيا ,كالمرض ,ولعجز والشيخوخة ولوفاة أومهنيا ,كالبطالة وإصابة العمل ولمرض المهني))ولكن العامل الذي يعيش علي مايكتسبه من عمله ,ليتعرض للبؤسوالفاقة, ويفقد الشعور بالأمن الاقتصادي, عندما يفقد عمله فقط, بل إنه يمكن أن يواجه هذا المصير,كلما زادت أعباؤه العائلية ,إذ من السلم به أن مستوي معيشة العائلة ذات الدخل المحدود ,ينخفض كلما زاد عدد أفرادها .

ولذلك اعتبر القانون الأمريكي للضمان الاجتماعي التعويضات العائلية )) جزءا لا يتجزأ من نظام الضمان الاجتماعي ,وتبعه في ذلك عدد كبير من قوانين الضمان الاجتماعي في الدول الأخرى ,بحيث أصبحت الأعباء العائلية خطرا من الأخطار الاجتماعية التي يتعين علي الضمان الاجتماعي مواجهتها

ولذلك كان لابد من تطوير مفهوم الخطر الاجتماعي الذي يتعين علي الضمان الاجتماعي مواجهته ,بحيث لا يظل قاصرا علي الحالات التي يفقد فيها الأجير عمله , بل يشمل أيضا جميع الحالات التي ينخفض فيها مستوي معيشة العامل وعلي هذا النحو أصبح الخطر الاجتماعي ,في مفهوم الضمان الاجتماعي ,هو((كل حدث يؤدى إلي فقدان العمل ,أو إلي خفض مستوى معيشة العامل))فانقطاع العمل, وتزايد الأعباء العائلية, هما إذا المعيار الذي يجب اعتماده لتحديد الأخطار التي يتعين علي الضمان الاجتماعي مواجهتها ,وليس مصدر هذه الأخطار ,ولا الآثار التي تترتب عليها بصرف النظر عن مصدر الخطر وطبيعته

وعلي ضوء هذا المعيار تم تحديد المخاطر الاجتماعية التي يتعين علي الضمان الاجتماعي تغطيتها, والتي حثت علي التصدي لها الاتفاقات الدولية, وبخاصة اتفاقية العمل الدولية التي أخذت بها,أو ببعضها ,معظم أنظمة الضمان الاجتماعي في العالم بالمخاطر التالية:

المرض -

الأمومة -

- العجز

- الشيخوخة
- إصابة العمل والمرض المهني

- الموت((حماية عائلة المتوفى))

- الأعباء العائلية

- البطالة وهذه النقطة لا مجال لها في قانون الضمان الاجتماعي الموريتاني وذلك بسبب الضعف الاقتصادي و الاجتماعي للدولة

وتقوم مواجهة الضمان الاجتماعي لهذه المخاطر علي أساسي التعويض عن الأضرار الناجمة عنها ,والوقاية منها

ويعتبر التعويض عن الأضرار الناجمة عن هذه المخاطر , أول أسلوب لجأ إليه الضمان الاجتماعي للتخفيف من أثارها , فالشخص الذي يتعرض لمرض, أو لحادث عمل ,له الحق في العلاج .
والشخص الذي يصاب بعجز دائم أو جزئي , يمنعه من العودة إلي مزاولة نشاطه السابق ,له الحق في تأهيله لعمل أخر يتناسب مع حالته الصحية الجديدة ,لكي يتجنب خطر الوقوع في الحاجة , أو لعيش علي حساب الآخرين .
أما الوقاية من المخاطر الاجتماعية ,فترمي إلي منع وقوع الخطر أو الي الحد منه ,
وفي الحديث الشريف ((الوقاية خير من العلاج )) .وتبدو أهمية الوقاية من المخاطر,بشكل خاص ,في مجالي الصحة والبطالة, ولذلك نجد أن
السياسات الاجتماعية للمجتمعات المعاصرة تفرد حيزا للوقاية الصحية ولسياسة التشغيل الكامل .

ففي مجال لوقاية الصحية,نجد نموا مطردا للطلب الوقائي في الدول المتقدمة حيث تشكل الوقاية من الأمراض إحدى الركائز الأساسية للسياسة الصحية .
وفي مجال الوقاية من البطالة يتزايد الاهتمام بسياسة الاستخدام ورسم الخطط
الاقتصادية التي من شأنها استيعاب الأيدي العاملة.
ولكن اهتمام الضمان الاجتماعي بالسياسة الوقائية , يقتصر علي الطلب الوقائي , أما غير ذلك من وسائل الوقاية الصحية

(كحماية البيئة من التلوث , والعناية بالتغذية , وبالسلامة العامة ) فتدخل في إطار السياسة الصحية للدولة ,وأما الوقاية من البطالة فتتصل بسياسة الاستخدام التي تتصل بدورها بالسياسة الاقتصادية للدولة , غير أنه يمكن إقامة نوع من التنسيق بين السياسة الوقائية للضمان الاجتماعي , والسياسة الوقائية للأنظمة الاجتماعية الأخرى وهذا ما نرجو أن يقام به في موريتانيا

2 -الضمان الاجتماعي كنظام قانوني

إن الضمان الاجتماعي كهدف تسعي المجتمعات إلي تحقيقه , يحتاج إلي تنظيم قانوني معين يحدد الوسائل المادية اللازمة لذلك , وكيفية استخدام هذه الوسائل , هذا التنظيم القانوني هو الوجه الأخر للضمان لاجتماعي , الذي يبرز به إلي حيز الوجود , ولذلك يقال أن الضمان الاجتماعي ليس هدفا اجتماعيا فحسب , بل هو نظام قانوني أيضا .

وإذا كان الضمان الاجتماعي كهدف (وهو ضمان الأمن الاقتصادي للأفراد ) قد عرف طريقه إلي الأذهان , منذ أن قامت المجتمعات الإنسانية , فإن الضمان الاجتماعي كنظام
قانوني لم يرى النور إلا مع صدور القانون الأمريكي للضمان الاجتماعي في 14- آب سنة 1935 , ولم يبدأ بالانتشار إلا في أعقاب الحرب العالمية الثانية

والضمان الاجتماعي كنظام قانوني , يتأثر بالظروف الاجتماعية , والاقتصادية , والسياسية للبلد الذي يطبق فيه ,ولذلك تختلف أنظمة الضمان الاجتماعي من بلد إلي أخر باختلاف الظروف الخاصة بكل بلد ,رغم ما يجمع هذه الأنظمة من وحدة في الهدف .

فبعد أن تعرضنا المفهوم الضمان الاجتماعي كهدف تسعي المجتمعات من خلاله إلي ضمان الأمن الاقتصادي لأفرادها , والمفهوم الضمان الاجتماعي كنظام قانوني يحاول تجسيد هذا الهدف ,بقدر ما تسمح به الظروف المحيطة به , نعود إلي محاولة تعريف هذا الضمان تعريفا يوفق – قدر الإمكان – بين الهدف والنظام ويساعد علي معرفة مضمونه , واستظهار خصائصه .

وعلي هذا النحو يعرف أغلب الباحثين الضمان الاجتماعي بأنه: "مجموعة القواعد
القانونية التي تنظم حماية الأفراد من المخاطر الاجتماعية التي من شأنها – إذا ما حلت بهم – أن تمنعهم كليا أو جزئيا من ممارسة نشاطهم المهني , والحصول علي مورد رزقهم , أو أن تزيد في أعبائهم العائلية , وتخفض من مستواهم المعيشي , وذلك بالوسائل التي تحددها , وعلي نحو يضمن لهؤلاء الأفراد حدا أدني من المعيشة اللائقة
"

وبهذا التعريف الذي اتفق عليه أغلب الباحثين للذين قد أبرزوا موضوع الضمان
الاجتماعي . فإنه قابلا للتعديل مع تطور الضمان الاجتماعي في المستقبل .

ذ / محمد ولد بتار

إطار في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في موريتانيا