شهدت مصر قبل ثورة 23 يوليو سنة 1952 أسوء مراحل تاريخها المعاصر، حيث كانت تحت حكم الملكية الرجعية التي يتحكم فيها الإنجليز والإقطاعيون ورجال الأعمال فيما كان الشعب المصري يعيش الفقر والبؤس والحرمان والجهل والمرض.
لم يكن لمصر  العظيمة بعراقتها وتاريخها، أي تأثير على محيطها العربي أو الإفريقي أو العالمي، بل كانت تعيش تحت رحمة ملك عبد للإنجليز لا موقف له ولا رأي ولا مشورة حتى في القضايا المصيرية لمصر وشعبها، حيث كان الإنجليز يعتبرون مصر مجرد ضيعة لهم وحاكمها مجرد عبد، كما هو حال معظم القادة العرب الذين نصبتهم إنجلترا لخدمة مصالحها في المنطقة.
وكان الشعب المصري يعاني الفقر بكل تجلياته والحرمان بكل معانيه والجهل بكل دلالاته، فضلا عن تبعية مصر للغرب وتبنيها لمواقفه من مختلف القضايا الإقليمية والدولية.
وفي صبيحة 23 يوليو فجر زملاء الضابط والفلاح المصري جمال عبد  الناصر ثورة في أرض الكنانة  أعادت لمصر هيبتها ومكانتها وسمعتها بين الأمم وأصبحت القاهرة قبلة لكل أحرار العالم.
في وقت وجيز تحول فقراء مصر من عبيد للإقطاعيين ورجال الأعمال إلى أسياد لهم نفس الحقوق، وتحولت مصر إلى ورشة حقيقية للبناء حيث كانت تستورد كل شيء، كما يقول عبد الناصر، من الإبرة والمسمار إلى ماكينة الخياطة، لكنها في وقت قياسي أصبحت دولة مصنعة، حيث صنعت السيارات بمختلف احجامها والتلفزيونات والإذاعات والطائرات وكل ما يخطر على البال في المجالين المدني والعسكري، كما أطلقت ثورة زراعية قبل وبعد بناء السد العالي، واكبتها ثورة علمية ومعرفية غير مسبوقة حولت مصر إلى قبلة لطلاب العلم والثقافة والمعرفة.
كما أممت الثورة قناة السويس التي كانت تهيمن عليها بريطانيا وفرنسا وكان ثمن التأميم هو مواجهة عسكرية تمثلت في العدوان الثلاثي على مصر شنته بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني سنة 1956 لاستعادة القناة لكن مصر انتصرت بإرادة الله وبتصميم شعبها وقائدها على هزيمة الاستعمار.
واجهت مصر عبد الناصر كل المؤامرات والدسائس من الرجعية العربية والحصار من الغرب الاستعماري لكن قاطرة الحرية والتنمية قد انطلقت ولا محال لتوقفها.
اسهمت الثورة في دعم تحرير الجزائر ودول إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وكان الاستعمار يستشعر خطر تنامي حب ناصر في مصر وفي الوطن العربي وإفريقيا والعالم.
واجه عبد الناصر الأطماع الصهيونية في فلسطين، ورفض الاعتراف بالكيان اللقيط أو التفاوض معه وكان التنازل الوحيد الذي قدمه للوسطاء هو أن يعود اللاجئون الفلسطينيون إلى مدنهم وقراهم ويستعيدون كامل حقوقهم وبعدها يمكن أن نتفاوض.
ورغم ذلك فقد قال عبد الناصر إن "إسرائيل تراهن على جيل مختلف من الحكام سيلبي لها مطالبها وسيكون سباقا إلى احتضانها، جيل مختلف تماما عن جيل حكامنا". وقد كان  وها نحن نعيشه.
تحولت مصر من دولة تحكمها ثلة من الإقطاعيين ورجال الأعمال والسياسيين الفاسدين، إلى بلد حر يتساوى فيه الجميع ويحظى فيه كل مواطنيه بالعزة والكرامة، فاستعاد الفلاحون صكوك ملكية أراضيهم واقيمت لهم مساكن تليق بكرامة المواطنين وتحولت مصر إلى مصانع استوعبت مئات آلاف الشباب والرجل والنساء.
ولم تكن ثورة يوليو بقيمها ومبادئها ثورة مصرية فقط، ولا مجرد انقلاب عسكري أطاح بنظام ملكي وجاء بنظام جمهوري، بل كانت ثورة عربية إفريقية تحررية بقيمها ومبادئها ودعوتها لاستقلال الدول والشعوب ونهضتها، لذلك كانت تجربة ثورة 23 يوليو محل تقدير  وقدوة في العديد من الدول ولدى معظم الشعوب حيث ثار السودانيون ثم الليبيون وتوحدت مصر وسوريا "الجمهورية العربية المتحدة" وتحررت الجزائر ودول إفريقيا والعالم الثالث من الاستعمار والتبعية، وبالتالي تجاوز إشعاع وتأثير الثورة حدود مصر إلى الوطن العربي وإفريقيا والعالم الثالث.
واليوم، وبعد "انفتاح" السادات" و"تطبيعه"، وما تبع ذلك من مسلسل الضياع، خسرت مصر كل مكاسبها وعاد الإقطاعيون والفساد إلى الواجهة، وهو ما تعيشه معظم البلدان العربية بسبب الديمقراطية الغربية وليبراليتها المتوحشة، كما ضاعت فلسطين.
فما أحوج بلادنا العربية إلى ثورات تحررية مثل ثورة  23 يوليو لتقلب الموازين من جديد وتعيد للإنسان العربي والإفريقي عزته وكرامته واستقلال بلاده.
أحمد ولد مولاي امحمد.