حمل خطاب حفل تنصيب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لعهدة ثانية عمرها خمس سنوات قادمة .العديد من الرسائل ذات الدلالات العميقة و الملامح التي توضح شكل المرحلة القادمة في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية و تعكس الإرادة الجادة و الصادقة لديه بشأن الإصلاح
تضمن رسم الخطوط و العناوين العريضة لأهم محددات و مستهدفات العمل الحكومي في قادم المراحل تجسيدا لبرنامجه الانتخابي الذي تمحور أساسا حول النقاط التالية :
‐ تحقيق الأمن والاستقرار .
‐ توطيد و تعزيز الوحدة الوطنية و اللحمة الاجتماعية.
‐ تمكين الشباب.
‐ الحرب علي الفساد و الرشوة و سوء التسيير .
‐ دعم برنامج و مشاريع شبكة الأمان الاجتماعي.
‐ الاستمرار في مشروع المدرسة الجمهورية.
‐ دعم و تحسين المنظومة التعليمية.
‐ تنويع و توسيع عرض التكوين المهني .
‐ تحسبن الخدمة و التمكين من الولوج و النفاذ إلي الخدمات الأساسية: كهرباء، ماء، صحة …. الخ.
‐ محاربة التضخم و الغلاء و العمل علي تحسين القدرة الشرائية للمواطن.
‐ تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي.
‐ التمسك بمبدأ الانفتاح و إطلاق حوار وطني شامل و جامع .
أمور من بين أخري تتطلب بشكل أو بآخر مراجعة و إعادة هيكلة بعض القطاعات الوزارية و استحداث أخري .
هذا وقد شهدت الحكومة الجديدة استحداث مناصب وزارية و دمج قطاعات أخري تجسيدا لرؤية رئيس الجمهورية و استجابة لمتطلبات مأمورية الشباب .
كان من أبرزها وزارة خاصة بتمكين الشباب و أخريات تهتم بمجال التكوين المهني و قطاع العقارات إضافة إلي دمج الاقتصاد والمالية في إطار وزاري واحد، ليشمل هذا التغيير في الهيكلة عدة قطاعات وزارية علي نحو واسع .
ففي سياق مضامين خطاب التنصيب جاء الإعلان ليلا و في وقت متأخر جدا عن التشكيلة النهائية لحكومة مأمورية الشباب المنتظرة التي شهد الإفصاح عن فحواها تباطؤا و تأخرا نتيجة تعثر المشاورات و من أجل التطلع لإيجاد قرار اختيار أفضل من بين المتاح.
من المعلوم أن الحكومات تشكل النظام السياسي الذي تقع علي عاتقه المسؤوليات بتنوعاتها المختلفة، فما يتم إنجازه يعد من مهامها الرئيسية، وما يحدث من إخفاق ينبغي أن تحاسب حتميا عليه.
ولعل هذا ما جعل رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني يؤكد خلال الاجتماع التعارفي أن لا تسامح مع الفساد و أن المفسدين لن توجه إليهم أيه إنذارات مستقبلا.
بل ألزم أعضاء الحكومة الجديدة بالتصريح بممتلكاتهم و متابعة قطاعاتهم و تسييرها بشكل شفاف.
صحيح أن كل مرحلة تمر بها البلاد تكون لها ظروفها الخاصة و متطلباتها العامة و رجالها و أدواتها و تحدياتها ، و التغيير هو سنة الحياة و أمر ضروري من أجل الاستمرارية و الاستدامة، لذا لم يأت اختيار السيد المختار ولد أجاي لمنصب الوزير الأول من فراغ، وإنما جاء في سياق إدراك فخامة رئيس الجمهورية أن المرحلة التي تمر بها البلاد تحتاج أكثر من أي وقت مضي إلي كفاءة و خبرة و حيوية في إدارة الشأن العام السياسي والاجتماعي والاقتصادي و القدرة علي متابعة و تنسيق العمل الحكومي.
و قد لاقي هذا التكليف رغم تباين مآخذ البعض عليه ارتياحا و قبولا واسعين داخل الأوساط النخبوية و السياسية و الشعبية.
كما وصفه المرشح الذي حل ثانيا في السباق الرئاسي السيد النائب بيرام الداه اعبيد بأنه خطوة في الاتجاه الصحيح، في حين تباينت انطباعات و آراء الشارع الموريتاني إزاء التشكيلة الحكومية الجديدة.
البعض يري بأنها حكومة تقاسم أدوار ذات غالبية من التكنواقراط تختلف عن سابقاتها حيث يمتلك الشخص فيها الكفاءة المعرفية و الخبرة الواسعة في مجال اختصاصه ينبغي أن يتميز أداؤه في التدبير بالتطبيق الحرفي لتوجهات الدولة و لإستراتيجياتها .
إذ سيطرت الوجوه الجديدة من فئات الشباب من أصحاب الكفاءات و الخبرات والاختصاصات علي تشكيلة حكومة مأمورية الشباب برئاسة الوزير الأول السيد المختار ولد اجاي .
شملت كل القطاعات الحيوية و الإنتاجية و الإنمائية و الخدمية و المالية و الاقتصادية … الخ، التي تلامس هموم المواطن
فيما احتفظ الحرس القديم ممثلا في الداخلية.و الخارجية و الدفاع و العدل بحقائب السيادة .
ما ميز هذه التركيبة الحكومية هو دخول عناصر جديدة من أصحاب الكفاءات و الخبرة و أسماء لأول مرة تتقلد مناصب وزارية كل حسب اختصاصه ما عدا الوزير المكلف بقطاع الشؤون الإسلامية الذي وجد نفسه خارج دائرة اختصاصه وكأنه أدخل في ورطة أمام نازلة فقهية.
بينما يري آخرون أن تشكيلة الحكومة الحالية لم تستجب إطلاقا للمعايير المرجوة لإختيار الرجل المناسب في المكان المناسب .
و إنما تم إخضاعها لنفس الأساليب و الآليات و الطرق الملتوية المعهودة في السابق التي تكرس للغبن و التهميش و احتكار المناصب الوزارية علي مستويات و دوائر ضيقة و لا تخدم شعار المرحلة .
بحكم ما شهدته التركيبة الوزارية الحالية من محاصصة في إطار التوازنات و التدوير الشخصي و القبلي و توظيف أشخاص ضالعين في حالات فساد سابقة .
وقد تجلي ذلك في خروج و دخول شخصيات من نفس الحاضنة الإجتماعية ( القبيلة ) تارة بإسم أحزاب الأغلبية أو بمسميات أخري
إضافة إلي إعادة تدوير وزراء العشرية بقوة و كذلك دخول أبناء وزراء سابقين التشكيلة الجديدة علي نطاق واسع .
من جهة أخري لوحظ سيطرة ثلاثي العشرية للواجهة الأمامية للنظام عبر بوابة الديوان و الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية و الوزارة الأولي .
فيما تم إسناد رئاسة الحزب الحاكم إنصاف الذراع السياسي للنظام للوزير السابق للإسكان الخارج لتوه من التشكيلة الحكومية
القديمة و من انتخابات رئاسية أثبت جدارته فيها كمنسق عام لحملة رئيس الجمهورية رفقة معاونيه .
كما أظهرت التشكيلة أيضا خروج الوزيرة الناها بنت مكناس صاحبة الحضور القوي داخل التشكيلات الحكومية منذ عهود الأنظمة السابقة رغم ما تمتلك من تمثيل داخل البرلمان إلا أن رفضها أو عجزها عن تقديم بديل يحفظ لها مكانتها داخل المشهد الحكومي في إطار التناوب من داخل الحزب الواحد منعها من الإستمرار ضمن التشكيلة الجديدة التي شهدت دخول حزبين من الأغلبية حزب التحالف الوطني الديمقراطي الذي تولي حقيبة التعليم العالي و حزب الإصلاح الذي أسندت إليه وزارة البيئة و التنمية المستديمة.
و في سياق متصل نجد أن ما صاحب هذه التعيينات الحكومية من مشاهد فرح و ترح علي مستوي التبريكات و تهاني الوزراء يعد خروجا علي الثوابت الدينية و الأخلاقية و الوطنية و يشكل مظهرا من مظاهر الفساد الأخلاقي غزي البيوت و استباح الأعراض .
أسس لمرحلة غير مسبوقة من النفاق السياسي و التملق في زمن تصدر فيه الأغبياء و التافهون المشهد و تلاشت عبره القيم المجتمعية .
ممارسات و أساليب يجمع كل المراقبين للشأن الوطني بأنها لا تعكس جدية الحرب علي الفساد.
خاصة أن فخامة رئيس الجمهورية أعلنها و أرادها حرب فساد للجميع و بمشاركة الجميع في إطار إستراتيجية وطنية شاملة .
حيث شكلت مخلفات عهود الأنظمة السابقة في مجال الفساد تركة ثقيلة شملت جميع مناحي الحياة الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية لدرجة أن الفساد أضحي ثقافة و ممارسة سائدة داخل المجتمع و هواية متأصلة لدي النخب الوطنية في إطار لوبيات متحكمة داخل مفاصل الدولة دأبت علي إفلاس المؤسسات العمومية لمستويات أوصلتها إلي العجز عن القيام بالأدوار المنوطة بها .
وكذلك الشركات الوطنية.و إدارات الدولة و نهبها والإستحواذ علي كل مقدراتها و ميزانياتها نتيجة سوء التسيير و التدبير دون مساءلة أو عقاب يذكر في ظل ضعف الرقابة و غياب التفتيش ( و هو ما حصل مع شركات عمومية خدمية عانت الأمرين لم تزرها إطلاقا بعثات المفتشية العامة للدولة طيلة المأمورية الأولي )
و مع ذلك كله نجد نفس الأشخاص المتورطين في قضايا فساد بينة و عارمة في مقدمة التشكيلات و التركيبات الحكومية.
عن أي إصلاح إذن نتكلم ؟!
و أي حرب فساد نتحدث ؟!
إن مثل هذه المسلكيات هو الذي يعيق الإصلاح و يقوض مفهوم الدولة و يعرقل جهود التنمية و يعيق المنجز و المأمول من المشاريع الوطنية الخدمية و الإنمائية و يكرس الفوارق الإجتماعية عبر الغبن و التهميش ففاقد الشئ لا يعطيه.
ما تتطلبه المرحلة هو إرادة جادة للإصلاح و الصرامة في تطبيق القانون و إخضاع الضالعين في إيصال البلد إلي هذه الحالة المزرية للمساءلة و العقاب و استرجاع الأموال المنهوبة، فشرط النهايات تصحيح البدايات .
نحن حقا بحاجة إلي حكومة بناء و تشييد بحجم التحديات تبني فوق نجاحات ما تحقق في المأمورية الأولي.
انطلاقا من مقاصد و أهداف خطاب تنصيب رئيس الجمهور لمأمورية ثانية، ( فيد واحدة لا يمكن أن تصفق لوحدها )
كل إصلاح يجب أن ينظر إليه من منظور الآية الكريمة ( و أن ليس للإنسان إلا ما سعى و أن سعيه سوف يرى .. ) صدق الله العظيم .
حفظ الله موريتانيا
أباي ولد أوداعة .