لابد أن الصورة التي التقطت في الجزائر الجمعة، وظهر فيها قادة الدول المغاربية الأربع موريتانيا الجزائر تونس وليبيا إلى جانب الرئيس الصحراوي الأمين العام لجبهة البوليساريو قد أعد لها على مهل، وأن تناولها بالتحليل والتعليق سيكون عبر أكثر من منبر وأثير ومن عدة زوايا.
بيد أن الصورة ما كانت لتأخذ من الجدال مقدار ما أخذت لولا غياب المملكة المغربية، التي على أرضها تأسس اتحاد المغرب العربي قبل 35 عاما، وتحديدا في 17 فبراير 1989 بمراكش، عاصمة النخيل في القطر المغربي. ومن كان يتصور حضور المغرب في هذا الظرف؟
في زورم الصحراء هذا الأسبوع نركز على دلالات وآثار "صورة" على مشهد مغاربي، شديد التعقيد، واستشراف آفاقه وتحدياته، عسى أن نظفر بالإجابة عن سؤال جوهري يقول: هل نحن بصدد اتحاد مغاربي بدون المغرب؟
إطار الصورة..
بالمعنى الخبري يمكن افتراض أن الصورة التي ظهر فيها القادة المغاربة، بدون المغرب، مجرد صورة بروتوكولية عابرة لقادة دول جمعتهم مناسبة إحياء العيد الوطني الجزائري، لكن التدقيق في "إطار الصورة" يسمح بملاحظة أنها:
✔️ تتم في لحظة وصلت فيها العلاقات المغربية الجزائرية إلى مرحلة من التوتر أشبه ما تكون بالقطعية؛ ولا يبدو أن هناك في البلدين أو في الإقليم من يراهن على إمكانية حلحلة وضع الأزمة المستقر على إحكام إغلاق الحدود، وقطع العلاقات.
✔️ وفي ظل تحولات متسارعة في مواقف بلدان مؤثرة من القضية الجوهرية في الصراع المغربي الجزائري؛ قضية الصحراء؛ فأثناء التقاط الصورة كانت أصوات التصفيق لإعلان الرئيس الفرنسي اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء أمام البرلمان المغربي ما تزال مسموعة.
✔️ واللقاء يتم بعد فترة من اعتراف تونس بالجمهورية الصحراوية واستمرارها في ذلك برغم قوة الاحتجاج المغربي.
✔️ وفي الجوار الساحلي يتم الاعلان عن كونفدرالية ساحلية جديدة تضم كلا من مالي والنيجر وبوركينا افاسو.
دلالة الصورة..
ليست الصورة إذا مجرد صورة ذكرى بل هي صورة لها إطار يجعلها تحمل أكثر من دلالة، وفي هذا السياق تبدو دلالات الصورة على شكل مفارقة كبرى:
✔️ فهي تعني أن الجزائر التي تلقى موقفها من قضية الصحراء ضربات دبلوماسية من قوى دولية مؤثرة كأمريكا واسبانيا وفرنسا، معنية بالرد من خلال رسالة لجارها اللدود إن كنتم أثرتم في العالم البعيد فنحن نؤثر في المحيط القريب.
✔️ وهي تعني أن دولا ظلت تحافظ على الامتناع عن أي موقف منحاز بشكل كبير لطرفي الصراع على الصحراء وفيها باتت أقل حساسية؛ فقبول موريتانيا وتونس وليبيا الظهور في صورة مغاربية بدون المغرب يعني في حده الأدنى أن هذه البلدان، ملت حالة انتظار ما لا يأتي، وباتت مستعدة للتقدم نحو أي إطار توحيدي حتى ولو كان الثمن غياب شقيقة لها قيمتها الكبرى في التاريخ وفي الواقع والمستقبل.
مدى الصورة..
ويبقى السؤال: ماذا بعد؟
✔️ هل ينتهي الأمر عند التقاط ونشر صورة في ذكرى استقلال بلد كبير ومؤثر دون شك لكنه في النهاية بلد طرف في نزاع معقد؟
✔️ أم أن اللقاء يمثل خطوة تمهيدية للإعلان عن اتحاد مغاربي بدون المغرب؟
نظريا كلا السيناريوهين ممكن؛ أن تكون الصورة عابرة، وأن تكون ممهدة لإطار مستمر، والفيصل في ذلك تداعيات "الصورة" خلال الساعات والأيام القادمة لكن الراجح في تقديرنا:
☑️ أن تأسيس إطار مغاربي بدون المغرب سيكون أمرا صعبا من الناحية النظرية.
✔️ ستكون صعبا من الناحية العملية بحكم تأثير المغرب اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا في المنطقة.
✔️ وكذا بحكم حرص دول مهمة في الملف الصحراوي (نتحدث هنا بالأساس عن موريتانيا وليبيا) على عدم الذهاب في هذا الملف إلى نقطة اللاعودة، وتفضيل الحياد الإيجابي والتوازن.
☑️ ولكن في المقابل من الواضح أن المغرب سيجد نفسه ملزما بالاختيار بين إبداء مرونة أكبر في الملف الصحراوي، واختبار معادلة تجمع بين المواقف الجديدة من الدول الكبرى المعترفة بمغربية الصحراء وبين صورة الأشقاء مجتمعين من دونها.
في كل الأحوال يبدو أن صانعي السياسة الخارجية في جميع بلدان المغرب العربي، معنيون بقراءة جديدة في دفاتر الصراع القديم الجديد، وفي مستجدات "المواقف" و"الصور"، وفي "حقائق" الجغرافيا و"مصالح" الدول.