ضرورة شمولية الحرب على الفساد وخطورة الانتقائة فيها

 

لقد أعلن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، خلال الحملة الانتخابية الماضية، شن حرب شاملة ضد الفساد، وهي مبادرة كانت محل ترحيب واسع من قبل الأوساط السياسية والنخبوية في البلد، الذين يدركون أنه يعاني من آثار الفساد المستشري منذ عقود من الزمن، إلا أنه ومع ذلك، فإن نجاح هذه الحرب يتطلب التزامًا حقيقيًا وشاملاً دون استثناء أو تصفية حسابات.
من المؤكد أن مكافحة الفساد والحرب عليه لا يمكن أن تتحقق بفعالية ما لم تشمل جميع المتورطين، بغض النظر عن مناصبهم أو سلطاتهم،  إلا أن الواقع يوحي أن بعض الموظفين المعروفين بتورطهم في الفساد لا يزالون يشغلون مناصب حيوية في الإدارات المختلفة، وهم الذين ثبت بالدليل القاطع فسادهم.
إن استمرار هؤلاء الأشخاص في مناصبهم قد يتناقض مع مفهوم الحرب على الفساد، بل يصل عدم الجدية في تطبيق المبادئ المعلن عنها في صراع الحرب على الفساد، فإعادة تدوير هؤلاء الأشخاص إلى مناصب جديدة رغم ثبوت فسادهم، هو أمر يشوه صورة هذه الحرب ويقلل من فعاليتها. 
إن إقالة مدير صندوق الضمان الاجتماعي على خلفية خروقات في مسابقة اكتتاب هو إجراء منطقي، لكنه ليس كافيًا بحد ذاته، فالأخطر من ذلك هو بقاء بعض المفسدين على رأس إدارات حيوية، حيث يتلاعبون بمصالح المواطنين ويتحكمون في الموارد المالية للدولة.
فمن المعلوم أن هؤلاء الأشخاص لا يقتصر ضررهم على فسادهم المالي فقط، بل يشكلون تهديدًا للمصداقية العامة والشفافية في المؤسسات الحكومية.
ليس من المعقول أن تُبنى حرب الفساد على أساس معايير مزدوجة، حيث يتم معاقبة بعض الأفراد بسبب أخطاء محدودة بينما يُسمح لآخرين بالاستمرار في ممارساتهم الفاسدة،
 فيجب أن تكون هذه الحرب قائمة على مبدأ المساواة والشفافية، لا أن تكوت قائمة على قاعدة الكيل بمكيالين، وأن تشمل جميع الأفراد المتورطين دون تمييز.
يتطلب النجاح في محاربة الفساد اتخاذ خطوات جادة وحاسمة، بما في ذلك إقالة جميع المسؤولين المتورطين في الفساد وإحالتهم إلى الجهات المعنية للتحقيق، والتعامل مع هذه الإجراءات بجدية وشفافية، فهو السبيل الوحيد الذي يضمن أن تكون حرب الفساد حربًا شاملة وفعالة، تعيد الثقة في المؤسسات وتؤكد التزام الدولة بمبادئ النزاهة والعدالة والحرب على الفساد.

 نوح محمد محمود