افتتاحية- الوئام الوطني/ منذ وصوله، السبت الماضي، إلى نيويورك، دخل رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في برنامج عمل مكثف يعكس مدى نجاح وانفتاح الدبلوماسية التي انتهجها خلال سنوات حكمه، والتي جعلت من موريتانيا مركز اهتمام دولي كبير.

ورغم أن تواجد فخامته في نيويورك يأتي ضمن سياق المشاركة في اجتماعات الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أنه، وعلى هامش الدورة، كانت له مشاركات في اجتماعات وترؤس أخرى، فضلا عن سلسلة اللقاءات التي جمعته مع مسؤولين أممين وقادة دول.

فخلال ساعات تواجد الأولى في مدينة نيويورك، شارك رئيس الجمهورية، عبر خاصية الفيديو كونفرانس، في مؤتمر نظمه المركز الإفريقي لمكافحة الأمراض والوقاية منها التابع للاتحاد الإفريقي. 

وفي اليوم التالي، افتتح ولد الشيخ الغزواني، منتدى إفريقيا وتمويلات سوق الكربون، حيث ألقى كلمة نالت إعجاب الحضور والمراقبين، وأظهرت قدرات إفريقيا، وموريتانيا على وجه الخصوص، في هذا المجال الحيوي والهام.

ولفت رئيس الجمهورية انتباه العالم إلى ما وصفها بالمفارقة المزدوجة، بكون القارة الافريقية، التي تساهم بأقل قدر في إنتاج الغازات الدفيئة، تعاني في ذات الوقت أكثر من غيرها من آثارها المدمرة، موضحا أن القارة تتوفر على إمكانات هائلة من الطاقة المتجددة وهي أيضا الأقل من حيث إمدادات الطاقة. 

وبلغة الأرقام أكد رئيس الجمهورية أن القارة الإفريقية تحتضن  60 ٪ من إمكانات الطاقة الشمسية في العالم، و 40 ٪ من المعادن الاستراتيجية اللازمة لإزالة الكربون ولديها موارد كبيرة من الرياح والطاقة الكهرومائية، وإمكانات هائلة للهيدروجين الأخضر.

وعلى ذكر الهيدروجين الأخضر، أشار رئيس الجمهورية إلى أن موريتانيا تتمع بإمكانات طاقة متجددة تزيد على 4000 جيجاوات، منها 500 جيجاوات يمكن استخدامها اليوم دون قيود تقنية أو بيئية كبيرة وبتكامل استثنائي بين الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

 وعبر ولد الشيخ الغزواني عن أمله في أن تساعد نقاشات المنتدى على تحديد السبل التي من المحتمل أن تنعش سوق الكربون وتجعلها في متناول البلدان الأفريقية بشكل أكبر، مما يساعدها على إطلاق إمكاناتها في مجال الطاقة المتجددة وتسريع التنمية المستدامة والشاملة للقارة.

وفي مجالات اللقاءات الهامة التي عقدها رئيس الجمهورية في مدينة نيويورك، فقد التقى رئيس المفوضية الإفريقية السيد موسى فكي محمد، وولي عهد دولة الكويت الشقيقة، الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، الذي تناول معه العلاقات الثنائية الأخوية بين البلدين الشقيقين، وسبل تطويرها والدفع بها نحو تحقيق الأهداف المرجوة خاصة مع اقتراب الاحتفال بالذكرى الخميس لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الشقيقين، وكذا العمل على تعزيز وتنويع علاقات الأخوة والتعاون وتوطيد المواقف المشتركة على المستوى الثنائي والعربي والدولي.

كما التقى رئيس الجمهورية في نيويورك مع الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش، حيث ناقشا بعض القضايا الإفريقية والتطورات الدولية، قبل أن يقوم رئيس الجمهورية بتسجيل انطباعاته في السجل المخصص لكبار الشخصيات الزائرة. 

وفي إطارات لقاءاته بنيويورك، التقى ولد الشيخ الغزواني مع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، حيث تناول اللقاء العلاقات بين منظمة الصحة العالمية وموريتانيا، وبين المنظمة والاتحاد الإفريقي، وسبل تطوير تلك العلاقات والدفع بالتعاون نحو تحقيق الأهداف المرجوة.

وفي أبرز محطات الزيارة، ألقى رئيس الجمهورية خطابا هاما في قمة المستقبل، المنعقدة في مدينة نيويورك، أوضح في مستهله أهمية القمة وما تشكله من "فرصة استثنائية ثمينة استدعاها الوعي المتعاظم لدى كل الدول والشعوب بوحدة المصير الإنساني وبالمسؤولية الجماعية اتجاه المستقبل المشترك".

ونبه ولد الشيخ الغزواني، في خطابه، إلى ما يتعرض له العالم اليوم من صدمات عنيفة وما يجتاحه من أزمات حادة، مؤكدا أن ذلك مدعاة للقلق الشديد على المستقبل المشترك.

وأوضح أن الاستمرار في السعي إلى تحقيق أهداف التنمية المستديمة على نفس المسار وبنفس الآليات والوتيرة، لن يؤدي في المدى المنظور، لا من القضاء على الفقر ولا من إحلال الأمن والسلام ولا من استعادة التوازن البيئي لكوكبنا ولا من بناء تنمية مستديمة شاملة، منبها إلى خطورة تعثر وتباطئ وتيرة التقدم على طريق تحقيق هذه الأهداف، وما ينجم عن ذلك من انعكاسات هدامة على حاضر ومستقبل كوكب الأرض والأجيال القادمة.   

واوضح، انطلاقا من كونه رئيس للاتحاد الافريقي، أن القارة بذلك، كاتحاد ودول، بذلت جهودا كبيرة في سبيل تحقيق أجندة 2063 المنسجمة تماما مع أهداف التنمية المستديمة.

وبخصوص موريتانيا، أكد رئيس الجمهورية في خطابه أنها عملت على محاربة العنف والإرهاب والفقر والهشاشة، وعلى ترقية وتأهيل رأس المال البشري، وعلى الإسهام في تحقيق الاندماج الاقتصادي الإفريقي، مستدركا أن النتائج المحرزة، إجمالا، في هذا السياق، إقليميا ودوليا، "لا ترقي إلى المستوى المطلوب والمبتغى؛ والأدهى من ذلك أن عوائدها الأمنية والإنمائية قوضتها الحروب والنزاعات والأزمات الاقتصادية وكذلك التغيرات المناخية وعبء المديونية واختلالات الحكامة الدولية والسياسة والاقتصادية".

وحمل ولد الشيخ الغزواني المجتمع الدولي مسؤولية مواجهة كل هذه التحديات والبحث عن حلول جذرية، ناجعة وفعالة، تؤسس لبرنامج عمل مشترك، لتسريع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة بتجديد الثقة والتضامن بين الشعوب والبلدان وببعث ديناميكية جديدة في التعاون المتعدد الأطراف وبإعادة صياغة قواعد الحكامة الدولية، المالية والسياسية.   

وباعتباره رئيسا للاتحاد الافريقي، رحب ولد الشيخ الغزواني بميثاق المستقبل، مجددا مطالبته بإصلاح منظومة الأمم المتحدة، وبخاصة مجلس الأمن الدولي، بنحو يتيح للقارة الإفريقية إيصال صوتها بالقوة التي تضمن مراعاة أولوياتها في الأجندات الدولية.  

كما طالب بحل مشكل المديونية وتعزيز التعاون لرفع التحديات البيئية المتعاظمة وترقية التعاون المتعدد الأطراف وضمان الأمن والسلم الدوليين ليتمكن الجميع من انتشال كوكب الأرض من الضياع وبناء تنمية مستدامة شاملة توفر الرقي الازدهار لكافة شعوب العالم.

المراقبون وصفوا زيارة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، لنيويورك، بالناجحة، معتبرين أنها أبرزت نجاح الدبلوماسية الموريتانية، ومثلت صوت القارة المسموع في أكبر تجمع أممي، وذلك في ظرف دولي خاص، يتسم بالحروب والكوارث الطبيعية وإرهاصات إعادة التشكل على المسارح الإقليمية والدولية.

 

وكالة الوئام الوطني للأنباء