لم تكن مشاركة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، في قمة brics المنعقدة في روسيا الاتحادية مجرد حدث بروتوكولي تتم بموجبه الاستجابة لدعوة وإلقاء خطاب روتيني، بل كانت صوتا مجلجلا في قاعة الاجتماع لرفض الظلم المفروض على المنطقة العربية، خاصة في فلسطين ولبنان، ولإزاحة التهميش المضروب على القارة الإفريقية التي تزود العالم بنسبة معتبرة من المواد الأولية الضرورية لصيرورة الحضارة الحديثة، ولإنارة طريق العدل والمساواة بين الأمم والشعوب، وحق القارة الإفريقية المتمثل في الجلوس على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي.
لقد أهدى ولد الشيخ الغزواني، في خطابه أمام قادة دول brics، رؤيته المستنيرة التي تؤدي إلى ضمان الاستقرار و التنمية و احترام القانون الدولي هو أساس الشراكة المتعددة الأطراف، رافضا بكل جرأة وقوة ما يجري في فلسطين ولبنان من فظائع تمت برعاية دولية وكشفت انجرار العالم وراء الظلم والوحشية.
لقد أوضح ولد الشيخ الغزواني أن تباين المستويات التنموية في الدول الأعضاء في المجموعة وتلك الساعية إلى العضوية، "ينم عن قناعة المجموعة، بأن التنمية والتطور ليسا ميزة محفوظة لدول دون غيرها بل هما حق لكل الدول، مهما تباينت مستوياتها وسياقاتها التنموية. ولذا يجب الإصغاء إليها كلها، ومراعاة أولوياتها وحاجاتها الإنمائية الأساسية"، مؤكدا أن التنمية "لا تكون ناجعة مستدامة، إلا بقدر ما تكون شاملة، قائمة على تضامن وتعاون دولي راسخ".
وقدم رئيس الجمهورية رؤيته لأسباب التعثر والبطء في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والعجز القائم عن رفع التحديات الجسيمة، الأمنية، والاقتصادية، والبيئية، التي تواجه العالم، بالقول إن مرد ذلك، في جزء معتبر منه، يعود إلى "ضعف مستوى التعاون المتعدد الأطراف، واختلالات منظومة الحكامة الدولية، المالية والسياسية، والنقص البين في التضامن وتضافر الجهود، إقليميا ودوليا"، ومؤكدا أن العالم اليوم، وخاصة القارة الإفريقية، "في أمس الحاجة إلى بعث ديناميكية جديدة، في التعاون المتعدد الأطراف والتضامن والتآزر الدوليين، وهو ما يوجب حتما إعادة صياغة قواعد الحكامة الدولية، المالية والسياسية".
وبكل صراحة أكد ولد الشيخ الغزواني أنه من الصعب على الدول الإفريقية استغلال فرصها الإنمائية الكبيرة، وتحرير إمكاناتها الهائلة، لصالح التطور والنماء مع استمرار مشكلة المديونية التي تعيق بقوة جهودها التنموية، ونظام المساعدة العمومية للتنمية القائم الذي أثبت قصوره عن تحقيق الأهداف المبتغاة منه، و كذلك مع ضعف تمثيل القارة في المؤسسات المالية المتعددة الأطراف، الذي لا يتيح لها ضمان مراعاة الأجندة الدولية لحاجاتها الإنمائية الملحة، خاصة ما يتعلق منها بالبنى التحتية الداعمة للنمو، ونقل التكنولوجيا، وتعزيز المنظومات التعليمية، والتقنيات الجديدة، بحسب قوله.
وأوضح رئيس الجمهورية حل هذا الإشكال من خلال "استحداث ميثاق جديد لتمويل التنمية، يكون أكثر مرونة واستدامة ويضمن للدول الأقل نموا نفاذا سلسا، ومنصفا لتمويلات تناسب أولوياتها".
وبصراحته المعهودة، أكد رئيس الجمهورية أن منظومة الحكامة السياسية الدولية في صيغتها الراهنة،" يطبعها الكثير من الحيف والكيل بمكاييل متفاوتة، غالبا على حساب الدول الأكثر ضعفا، والأقل نموا"، موضحا ان "ازدواجية المعايير هذه، بما تنطوي عليه، موضوعيا، من تغافل عن القيم الإنسانية الجامعة والقرارات والمعاهدات الدولية هي ما يفسر اليوم مثلا عدم ضغط المجتمع الدولي بالقوة اللازمة لإيقاف ما نشهده من مجازر وحشية في فلسطين ولبنان".
وأضاف أن "ضعف التضامن الدولي والتعاون المتعدد الأطراف هو ما يفسر بعض جوانب عجزنا إلى الآن، في القارة الإفريقية عن القضاء على العنف وعلى الإرهاب الذي يهدد أمننا واستقرارنا ويعيق جهودنا الإنمائية".
وتمضي كلمات ولد الشيخ الغزواني مجلجلة في أسماع قادة مؤثرين على المسرح الدولي، مؤكدا أن قيام استقرار وأمن دوليين، بنحو مستديم، كما يدعو إليه شعار القمة، "يتطلب احتراما صارما للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني المترجم لقيمنا الإنسانية الجامعة. كما يتطلب أعلى مستويات التضامن الدولي والتعاون المتعدد الأطراف".
وحتى لا يبقى كلامه مجرد تشخيص للتحديات، عمد ولد الشيخ الغزواني إلى تقديم الحلول، قائلا إنه يتعين على الجميع "تعميق الوعي بوحدة المصير الانساني وبأنه ليس ثمة من مقاربة ناجعة لقضايا الأمن والسلم غير المقاربة الجماعية التضامنية والمتعددة الأبعاد"، مشددا: "لن ينعم أي منا بسلام مستديم إلا بقدر ما ينعم الآخرون به كما دأبنا على تأكيد ذاك في مختلف المناسبات"، على قوله.
ومضى في سرد الحلول، موضحا أنه "لا بد من تعزيز التعاون المتعدد الأطراف والتضامن الدولي والعمل على إصلاح الحكامة السياسية الدولية لتصير أكثر عدلا وتوازنا وتمثيلا للدول الأقل نموا ومراعاة لحقوقها وأولوياتها"، منتهزا الفرصة للتأكيد على ضرورة "منح القارة الإفريقية مقعدا دائما في مجلس الأمن، لتمكينها من إسماع صوتها وضمان مراعاة أولوياتها في الأجندات الدولية"، وهو المطلب الذي أوضح فيه تعويل القارة على دعم مجموعة بريكس والجنوب العالمي عموما.
كان حضور رئيس الجمهورية مميزا، وجاء خطابه معبرا عن هموم ومشاكل المنطقة العربية والقارة الإفريقية وكل الشعوب التائقة نحو الحرية والعدل والتكامل.
وكالة الوئام الوطني للأنباء