تمت الإشادة بالدور الحاسم الذي يضطلع به المغرب كقوة للاستقرار ورافعة للتنمية والازدهار في منطقة الساحل والصحراء ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى، وذلك خلال نقاش رفيع المستوى، عقد الخميس بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة (روسي) في لندن، وهو واحد من أرقى مراكز التفكير في العالم.

 

وشكل هذا اللقاء، الذي تم تنظيمه بالتعاون مع سفارة المملكة المغربية في لندن، حول قضايا السلم والأمن في منطقة الساحل، مناسبة لخبراء بارزين في القضايا الاستراتيجية والأمنية، ودبلوماسيين بريطانيين، لمناقشة مختلف التحديات التي تواجه هذه المنطقة التي تعاني من عدم الاستقرار الذي يفاقمه التدخل الأجنبي وانتشار التهريب بمختلف أنواعه.

 

  وخلال المناقشات المعمقة التي دارت في اللقاء، أبدى العديد من المشاركين اهتماما خاصا بالمبادرة الملكية الأطلسية، التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، واصفين إياها بـ"الفرصة" التي تَعد بتحويل منطقة تعتبر بؤرة لعدم الاستقرار إلى ملاذ للسلام والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

 

  وفي كلمته الافتتاحية، أكد سفير المغرب لدى المملكة المتحدة، حكيم حجوي، أنه في الوقت الذي تهيمن فيه النزاعات الملحة على الأجندة العالمية، تستغل جهات فاعلة خارجية وانفصاليون عدم التركيز على منطقة الساحل لزرع عدم الاستقرار وتهديد السلم والأمن في المنطقة بأسرها.

 

  واستعرض الدبلوماسي المغربي أمام الحضور مقاربة المغرب لمواجهة هذه المخاطر، والتي لا تقتصر على مكافحة الإرهاب فحسب، بل تتعدى ذلك إلى المساعدة في تهيئة الظروف الملائمة لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين في المنطقة.

 

  وقال السيد حجوي "نحن بحاجة إلى تحويل المخاطر إلى فرص. وهذا هو جوهر رؤية المملكة المغربية لمنطقة الساحل، إنها مقاربة متفائلة ترفض رؤية منطقة الساحل باعتبارها قدرا محتوما".

 

   وبعد أن استعرض بالتفصيل المبادرة الملكية الأطلسية التي أطلقها جلالة الملك، مسلطا الضوء على مزاياها، دعا السفير إلى تعاون أوثق مع المملكة المتحدة والحلفاء الدوليين.

 

  من جهة أخرى، أشار السيد حجوي إلى أهمية قضية الصحراء في هذا السياق، قائلا إن "قضية الصحراء عنصر أساسي في هذا النقاش. فالعلاقة بين الأمن والتنمية هي السبيل الوحيد للمضي قدما في ازدهارنا، كما هو الحال بالنسبة لمبادرة الحكم الذاتي للصحراء المغربية، التي لا تعزز دور المغرب كحصن للأمن فحسب، بل هي أيضا بمثابة حافز لتنمية المنطقة بأسرها".

 

  بالإضافة إلى ذلك، سلط الخبراء الذين تناولوا الكلمة في هذا النقاش الضوء على الروابط الفريدة التي حافظ عليها المغرب على مر القرون مع منطقة الساحل.

 

وفي هذا الصدد، أكدت مستشارة في القضايا الأمنية في إحدى المكاتب الدولية للأبحاث أن "المغرب يضطلع بدور مهم جدا في المنطقة".

 

  وقالت المستشارة إن نموذج التعاون الذي يقدمه المغرب في منطقة الساحل "مثير للاهتمام للغاية"، مبرزة أهمية المبادرة الملكية الأطلسية وميناء الداخلة الأطلسي. 

 

  وأضافت أن هذه المشاريع "تتيح فرصا كبيرة للتنمية"، مشيرة أيضا إلى مبادرات المساعدة الإنمائية التي أطلقها المغرب لفائدة بلدان الساحل.

 

  وشددت المستشارة على أن هذا النوع من الانخراط هو ما تحتاجه المنطقة إذا ما أرادت مكافحة "الهشاشة" التي تستغلها الحركات الانفصالية والجماعات المسلحة وتُفاقمها.

 

  في السياق ذاته، أشاد مؤسس والمدير التنفيذي لأحد مراكز الدراسات الاستراتيجية حول الساحل، بجهود المغرب الدؤوبة لتعزيز الاستقرار والتنمية في المنطقة، مستشهدا على وجه الخصوص بتكوين الأئمة الماليين في المغرب.

 

  وأشار إلى أن بلدان المنطقة بحاجة إلى هذا النوع من المشاريع السوسيو اقتصادية لاجتثات جذور التطرف العنيف، داعيا إلى إيلاء اهتمام أكبر للاحتياجات الحقيقية لشعوب الساحل.

 

  من جانبه، استعرض سفير بريطاني سابق في المنطقة دور المغرب كفاعل رئيسي للسلام والاستقرار في منطقة الساحل وفي شمال إفريقيا والشرق الأوسط، حيث أكد أن "المغرب يتمتع ببعد عابر للأطلسي يعزز مكانته ودوره".

 

  وقال إن الموقع الجيوستراتيجي الحيوي للمغرب على مفترق الطرق بين مختلف القارات والثقافات يعزز تموقع المملكة.

 

  وفي معرض إشارته إلى التعاون بين المغرب والمملكة المتحدة، أكد الدبلوماسي أن المقاربة النشطة والواعدة التي يتبناها المغرب من أجل استقرار منطقة الساحل تبدو منسجمة مع أولويات المملكة المتحدة في المنطقة.

 

  وبعد أن ذكر بالحوار الاستراتيجي بين البلدين، أكد أن الرباط ولندن، اللتين يربطهما تعاون وثيق في العديد من القطاعات الحيوية، "لديهما أجندة واسعة من المصالح المشتركة التي يتعين استكشافها".

 

  وأضاف أن تعزيز هذه الشراكة المغربية البريطانية "مهم جدا لتحقيق الاستقرار في منطقة الساحل والمناطق المجاورة".

 

  وتابع الدبلوماسي، الذي حرص على التذكير بالدور الريادي الذي لطالما اضطلع به المغرب تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس في حل النزاع في الشرق الأوسط، قائلا إن "التعاون بين البلدين في مجالي الأمن والدفاع مكثف وقطع أشواطا هائلة".

 

  وجمعت هذه المائدة المستديرة، المنظمة تحت شعار "الجيوسياسيات لمنطقة الساحل: التهديدات العابرة للحدود والأمن والاستقرار"، ثلة من الخبراء والدبلوماسيين السابقين ووزراء الدفاع السابقين والمسؤولين البريطانيين.