بسم الله الرحمن الرحيم
العيد في الإسلام
آداب وأحكام
العيد مناسبة عظيمة في الإسلام، يفرح فيها المسلمون بما وفقهم الله له من القيام بما افترض عليهم من طاعات، وشرع لهم من عبادات، وأسبغ عليهم من نعم.
ولذلك فكل من عيدي الفطر والأضحى يأتي بعد أداء ركن من أركان الإسلام، فعيد الفطر يأتي بعد صيام رمضان، وعيد الأضحى بعد أداء مناسك الحج.
ففرح المسلمين في العيد هو بما وفقهم الله له من طاعة ربهم، وليس -كما يظنه بعضهم- بالتخلص من تكاليف العبادة، فالصيام عبادة، والقيام عبادة، وأداء مناسك الحج عبادة، والفرح في العيد عبادة، وشكر لله على نعمته وتوفيقه لطاعته {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة185).
وسوف نتناول أحكام وآداب العيد في النقاط التالية:
أولا: مشروعية العيد في الإسلام
شرع العيد، وصلاته في السنة الثانية من الهجرة.
عن أنس رضي الله عنه قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين، فقال: (إن الله تعالى قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: عيدَ الفطر وعيدَ الأضحى) (رواه أبو داود والنسائي، وهو صحيح).
والعيد شعيرة من شعائر الإسلام التي حرص على إظهارها، والاهتمام بها، وسن لها أحكاما، وشرع لها آدابا.
وهذه الشعيرة تُحيا بما شرع الله، وليس بمعصية الله، كما يفعل كثير من الناس!
نحن ننتقل في العيد من عبادة إلى عبادة أخرى، وليس من طاعة إلى معصية.
العيد شكر لله على نعمته بالصيام والحج.
{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة185).
العيد صلاة، وذكر، وشكر.
العيد إظهار لنعم الله وشكر عليها.. لباس جديد، وتهنئة بالعيد، وتوسعة على الأهل، وصلة للأرحام، وإطعام للفقراء بزكاة الفطر، ولحوم الأضاحي.
العيد إظهار لمحاسن الإسلام بما فيه من مشروعية الترويح المنضبط، واللهو المباح دون إسراف، ولا تجاوز (حتى تعلم يهودُ أن في ديننا فُسحَة).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
(دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم والحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد في يوم عيد فقال لي: "أتحبين أن تنظري إليهم؟" فقلت: نعم، فأقامني وراءه فطأطأ لي منكبيه لأنظر إليهم، فوضعت ذقني على عاتقه، وأسندت وجهي إلى خده، فنظرت من فوق منكبيه (وفي رواية: من بين أذنه وعاتقه) وهو يقول: "دونكم يا بني أرفدة"، فجعل يقول: "يا عائشة، ما شبعتِ؟" فأقول: لا، لأنظر منزلتي عنده، حتى شبعت.(...)
قالت عائشة: قال صلى الله عليه وسلم يومئذ: "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة" متفق عليه.
ثانيا: أحكام العيد
من سنن العيد ومستحباته:
1- التهنئة به:
تستحب التهنئة بالعيد بين المسلمين، فعن جبير بن نفير قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: (تقبل منا ومنك).
قال الحافظ ابن حجر:إسناده حسن.
2- التكبير فيه:
من السنة التكبير في أيام العيدين، ففي عيد الفطر قال الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة185).
وفي عيد الأضحى قال: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (البقرة /203)
وجمهور العلماء على أن التكبير في عيد الفطر من وقت الخروج للصلاة إلى ابتداء الخطبة.
وقيل من الليل، وهو ظاهر الآية.
والتكبير في أيام التشريق مستحب في كل وقت من تلك الأيام.
وكان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل السوق حتى يرتج منى تكبيرا.
وليس للتكبير صيغة خاصة لا يصح إلا بها.
وأصح ما ورد فيها ما رواه عبد الرزاق عن سلمان بسند صحيح قال: كبروا: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا.
3- صلاة العيد:
وهي سنة مؤكدة، وقيل بوجوبها.
ويستحب الغسل والتطيب لها، ولبس الجميل من الثياب، فعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس برد حِبَرة في كل عيد. رواه الشافعي
وكان صلى الله عليه وسلم يلبس لهما أجمل ثيابه وكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة.
4- الأكل قبل صلاة عيد الفطر وتأخير الأكل في الأضحى
يندب أن يأكل تمرات وترا قبل الخروج إلى الصلاة في عيد الفطر، ويؤخر الأكل في الأضحى حتى يأكل من أضحيته بعد الصلاة.
عن أنس رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وترا . رواه البخاري.
وعن بريدة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل، ولا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع. رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد، وزاد: فيأكل من أضحيته.
5- الصلاة في المصلى:
من السنة أداء صلاة العيد في المصلى، لمحافظة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
ولكن لا بأس بفعلها في المسجد إذا دعت لذلك حاجة.
6- خروج النساء والصبيان للصلاة:
من السنة خروج النساء والصبيان إلى صلاة العيد.
وتخرج المرأة لصلاة العيد ولو كانت حائضا، فعن أم عطية قالت: (أمرنا أن نخرج العواتق (الأبكار المخدرات) والحيّض في العيدين، يشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحُيَّض المصلى).
متفق عليه.
وعن ابن عباس قال: (خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فصلى ثم خطب ثم أتى النساء فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة) رواه البخاري.
وكان ابن عباس غلاما لم يبلغ يومها.
7- مخالفة الطريق:
وتستحب مخالفة الطريق، وهي أن يذهب من طريق إلى الصلاة، ويرجع من طريق آخر.
فعن جابر رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق) رواه البخاري.
8- تعجيل صلاة عيد الأضحى وتأخير صلاة عيد الفطر:
يستحب تأخير صلاة العيد في الفطر ليتسع وقت إخراج زكاة الفطر قبل الصلاة، وتعجيل صلاة الأضحى ليتسع وقت ذبح الأضاحي بعد الصلاة.
9- عدم الأذان والإقامة لصلاة العيد:
ليس لصلاة العيد أذان ولا إقامة، فعن ابن عباس وجابر قالا: (لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى) متفق عليه.
10- التكبير الزائد في صلاة العيد:
التكبير في صلاة العيد سبع تكبيرات في الركعة الأولى، وخمس في الثانية غير تكبيرة القيام.
فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في عيد اثنتي عشرة تكبيرة، سبعا في الأولى وخمسا في الآخرة.
ولم يصل قبلها ولا بعدها. (رواه أحمد وابن ماجه).
11- قضاء صلاة العيد:
يستحب لمن فاتته صلاة العيد، ومن عجز عن الخروج لها صلاة ركعتين في البيت.
قال البخاري: باب إذا فاته العيد يصلي ركعتين وكذلك النساء ومن في البيوت والقرى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (هذا عيدنا أهل الإسلام) .
12- الأضحية
وهي سنة مؤكدة، ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة.
روى الترمذي عن عائشة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم
إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان (2) قبل أن يقع على الارض، فطيبوا بها نفسا).
ثالثا: من محاذير ومنكرات العيد:
هنالك محاذير ومحرمات يقع فيها كثير من الناس في العيد، فيجب التنبيه عليها، والتحذير منها.
ومن هذه المنكرات:
1- تبرج النساء:
من المنكرات الشائعة في الأعياد خروج النساء متبرجات، متطيبات، مائلات مميلات.
والتبرج من المنكرات العظيمة.
قال الله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب/33)
وقال صلى الله عليه وسلم: (كل عين زانية، والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا. يعني زانية).
(رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح)
2- الاختلاط المحرم:
من المنكرات الشائعة في الأعياد ما يحصل فيها من اختلاط الرجال بالنساء غير المحارم، والكل في كامل زينته، وإغرائه.
وهذا من أعظم أسباب انتشار الفساد، وشيوع الفاحشة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
3- منكرات أماكن الترفيه:
من المنكرات التي أصبحت مرتبطة بالأعياد عند كثير من الناس ما يحصل من خلاعة وفجور على الشواطئ، والمتنزهات، وأماكن الترفيه، وقاعات الأفراح.
4- منكرات القنوات ووسائل الإعلام:
من المنكرات في الأعياد ما تقوم به بعض القنوات ووسائل الإعلام من نشر للفجور، وإشاعة للفاحشة بين الجمهور من خلال ما تبث من حفلات مختلطة، وبرامج خليعة، ومحتويات محرمة.
5- الإسراف:
مما ارتبط بالعيد من المنكرات، الإسراف الذي يقع فيه كثير من الناس، من الأغنياء والفقراء على حد سواء.
ويكون الإسراف أحيانا في الملبس والثياب، وأحيانا في الطعام والشراب.
والله عز وجل يقول: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف/31)
كان ذلك عن العيد في الإسلام، وما شرع الله فيه من الطاعات والقربات، وما نهى عنه من المنكرات، والمحرمات.
تقبل الله منا منكم صالح الأعمال..
ووفقنا وإياكم لما يحب ويرضى من الأقوال، والأفعال، والأحوال..
وكل عام وأنتم بخير.
(من قناة محفوظ بن الوالد على اليوتيوب)