الداخل المحتل / PNN - كما كان متوقعًا، تثير استقالات قادة الجيش في إسرائيل جدلًا متجددًا بين المستويين العسكري والسياسي حول السؤال: من المسؤول الأكبر عن الفشل الذريع في السابع من أكتوبر؟ وحول تشكيل لجنة تحقيق رسمية ما زالت معطلة حتى الآن.

وكان قائد جيش الاحتلال هرتسي هليفي قد قال في كتاب الاستقالة أمس إن “مسؤوليتي عن الفشل سترافقني لبقية حياتي. لست جديرًا بأن تكون ولايتي كاملة”.

وستدخل استقالة هليفي، التي تبعتها استقالة قائد لواء الجنوب في الجيش فينكلمان، حيز التنفيذ في السادس من مارس/آذار القادم، تزامنًا مع النهاية المفترضة للمرحلة الأولى من الصفقة.

جاءت استقالة هليفي الآن نتيجة ضغط مباشر من المستوى السياسي، خاصة وزير الجيش يسرائيل كاتس، الذي صدرت عنه دعوات مبطنة لاستقالة هليفي، وهذا ما يشي به رسم كاريكاتير في صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم، حيث يبدو نتنياهو داخل مكتبه يمد القدمين فوق طاولته محتفلًا، وكاتس يشعل له السيجار الكوبي، وبيده الأخرى يحمل كتاب استقالة هليفي.

هليفي الذي يبدو أن استقالته تنذر بالمزيد من الاستقالات داخل الجيش وفي الشاباك، بأثر الدومينو، دعا لتحقيق خارجي، معللًا ذلك بالقول إن “التحقيق العسكري لا يشمل كل الأسباب”، بيد أن هذا ما يواصل المستوى السياسي التهرّب منه.

ولذا بدأت هذه الاستقالة تنعش السجال بين المستوى العسكري والسياسي حول المسؤولية الأكبر عن عار السابع من أكتوبر، علمًا أن الحكومة تدّعي، منذ اليوم الأول، أن المؤسسة الأمنية والعسكرية هي المسؤولة عن الفشل في منع الهجوم، وفي حماية غلاف غزة من “طوفان الأقصى”.

وفي المقابل تتهم جهات إسرائيلية كثيرة المستوى السياسي بالفشل الإستراتيجي، بعدما راهن نتنياهو على تكريس جيوسياسي بين الضفة والقطاع لتكريس الانقسام الفلسطيني الداخلي، ولقطع الطريق على دولة فلسطينية.

ويرى بعض المراقبين الإسرائيليين، أمثال المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت” يوسي يهوشع، أن استقالة هليفي وفينكلمان خطوة متأخرة وقليلة، وسبّبت ضررًا فادحًا داخل الجيش، خاصة الثقة المطلوبة من القيادة العليا، ودفعت بعض القادة الخائبين للاستقالة احتجاجًا، فيما قام آخرون بتلويث التحقيقات داخل الجيش.

كما يرى يهوشع أن تهرّب رئيس الوزراء من لجنة تحقيق رسمية ينعكس في تعيين القائد القادم للجيش، محذرًا من تعيين قادة “مطيعين” وعلى مقاسات المستوى السياسي.

وهذا ما يحذر منه زميله المحلل السياسي البارز نداف أيال، الذي يقول إن تحمّل المسؤولية يبدأ باستقالة نتنياهو، منبهًا إلى أن رئيس وزراء مشغول بالنفي والتنكر لمسؤوليته، وموجود في ذروة صفقة حساسة، لا يستطيع أن يعين قائد الجيش القادم.

ويتابع: “من الممنوع منح مهندسي الفشل القيام بالبناء من جديد”.

وتحت عنوان “لماذا الآن؟” يؤكد أبرز المحللين السياسيين الإسرائيليين ناحوم بارنياع أن هليفي أُجبر على الاستقالة الآن بعدما فهم أن كاتس سيقوم كل يوم بنشر معلومات عن مساعيه لاستبدال قائد الجيش.

ويضيف: “هكذا يقدمون قربانًا لـ “البيس” لجمهور الهدف، وهكذا يعدون إقالات داخل حزب. بدلاً من دفعه للاستقالة مرغمًا اختار هليفي المغادرة برغبته هو”.

ويقول بارنياع إن رئيس الشاباك كان قد تحمّل مسؤولية في بداية الحرب، وهو يفهم أنه هو الآخر لن يبقى حتى نهاية ولايته، لكنه لا يسارع للمغادرة، ولديه مبررات جيدة يجدر الإصغاء لها ترتبط بخطورة استغلال نتنياهو مثل هذه الاستقالة لتعيين شخص مطيع له في رئاسة الشاباك.

والخلاصة الأهم التي يلتقطها بارنياع، وبحق، من مجمل التفاعلات والاستقالات أن صدمة الإسرائيليين ستبقى في عمق وعي الإسرائيليين رغم كل ما حدث وسيحدث، ملمحًا لتشظي وعيهم وزعزعة ثقتهم بكل شيء.

من جهته، يرى المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل أن تحمّل المستوى العسكري المسؤولية هو بداية التصليح، لكن هذا برأيه متعلق أيضًا بإقامة لجنة تحقيق رسمية.

ويتفق هارئيل مع بارنياع حول الخلفية بقوله إنه بعدما ضَغَطَ كاتس على هليفي حتى استقالته، سيحاول نتنياهو استنساخ العملية مع رئيس الشاباك، طمعًا بالتوصل بسرعة لذات النتيجة.

صدمة الإسرائيليين ستبقى في عمق وعي الإسرائيليين رغم كل ما حدث وسيحدث

ويضيف هارئيل: “من المحظور أن يقوم نتنياهو بتعيين خلفاء للمسؤولين المستقيلين”.

وهذا ما يؤكده زميله المعلق للشؤون السياسية والحزبية في “هآرتس” يوسي فرطر بقوله إن هليفي بقي حتى الآن لأسباب عسكرية والآن يغادر بدوافع سياسية: الاستقالة ثمرة حملة ائتلاف نتنياهو، وقد بلغت ذروتها في تصريحات بن غفير يوم السبت بأن نتنياهو اقترح عليه تعويضًا على شكل تسجيل استقالة قائد الجيش على حسابه. وينبه أن هاتين الاستقالتين تساعدان “ماكنة السم والتحريض في تعميم الرواية أن القيادة العسكرية هي المسؤولة عن السابع من أكتوبر”.

وترى المعلقة رافيت هختفي من “هآرتس” أن الاستقالة مقدمة للجنة تحقيق، لكنها بداية معركة للسيطرة على الجيش.

وتتابع: “مستفز أن نرى استقالة هليفي تتم فيما يبقى الوزراء. هناك خوف من المستقبل؛ المعركة حول السيطرة على الجيش بين جهات ملتزمة بالديموقراطية وبين المعنيين بجيش غيبي مسيائي وانتقامي ما زالت في بدايتها فقط، وستتعاظم عند التعيينات القادمة”.

المصدر / القدس العربي