كثّف الجيش الإسرائيليّ في الآونة الأخيرة قصف المنازل والمباني السكنيّة المأهولة والمكتظّة بالسكّان في محافظة شمال قطاع غزّة، في استمرار لحرب الإبادة الجماعيّة والتطهير العرقيّ التي يرتكبها بحقّ الفلسطينيّين.
ويرتكب الجيش مجازر في قصفه لهذه المنازل الّتي تؤوي بالعادة عائلات رفضت الانصياع لأوامر الإخلاء والنزوح الّتي أصدرها في بداية عمليّته العسكريّة البرّيّة.
هذا الاستهداف المتعمّد للمنازل المأهولة يتسبّب بتدميرها على رؤوس ساكنيها ما يسفر عن سقوط عشرات الضحايا بين قتلى وجرحى.
ويرى فلسطينيّون، في أحاديث منفصلة للأناضول، أنّ هذا الاستهداف الإسرائيليّ هدفه "الانتقام من العائلات الّتي ما زالت صامدة في شمال غزّة".
وبلدة "بيت لاهيا" و"مخيّم جباليا" هما الأكثر اكتظاظًا بالسكّان في محافظة الشمال، وهما أيضًا أكثر منطقتين شرع الجيش الإسرائيليّ بقصف منازلها المأهولة.
عائلة الرضيع
في آخر مشاهد المجازر، قصف الجيش الإسرائيليّ منزلًا مأهولًا يعود لعائلة الرضيع، مساء الاثنين، في بلدة بيت لاهيا.
ويقول أدهم الرضيع أحد أقارب العائلة المستهدفة، إنّ المنزل وقت استهدافه كان "ملجأ لعشرات المواطنين الّذين هربوا من نيران القصف الإسرائيليّ قبل أن يتمّ تدميره".
وأضاف: "جيش الاحتلال استهدف المنزل وهو مكتظّ بالأطفال والنساء وكبار السنّ في جريمة واضحة تهدف لقتلهم دون وجود أيّ مبرّر".
وأوضح أنّهم انتشلوا من تحت أنقاض المنزل المدمّر نحو 20 قتيلًا، وأكثر من 20 مصابًا
وبصوت حزين، قال إنّ "عددًا آخر ما زال تحت الأنقاض حيث نعجز عن انتشالهم لعدم وجود الإمكانيّات اللازمة".
وبدأ الجيش الإسرائيليّ في 5 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، قصفًا غير مسبوق على مناطق شمال القطاع، قبل أن يجتاحها بذريعة "منع حركة حماس من استعادة قوّتها"، بينما يقول الفلسطينيّون إنّ إسرائيل ترغب في احتلال المنطقة وتهجيرهم.
وتسبّب الهجوم المتزامن مع حصار مشدّد في إخراج المنظومة الصحّيّة عن الخدمة، وتوقّف خدمات الدفاع المدنيّ ومركبات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطينيّ.
فيما تحاول المستشفيات الرئيسيّة الثلاثة هناك "كمال عدوان" و"الإندونيسيّ" و"العودة"، العمل رغم ضعف الإمكانيّات وبطبيب أو اثنين، وذلك لوجود مرضى داخلها ووصول إصابات إليها.
مواجهة بـ"توزيع العائلات"
وفي مواجهة لهذه السياسة الإسرائيليّة، يقول الشابّ محمّد الشبراوي الّذي لا يزال متواجدًا في مشروع "بيت لاهيا"، إنّ العائلات هناك باتت تقسّم أفرادها في أكثر من مكان خشية الاستهداف والقصف.
وتابع: "سياسة الجيش الإسرائيليّ باتت واضحة في إبادة أكبر عدد من الصامدين في شمال قطاع غزّة للانتقام منهم بعد رفضهم ترك منازلهم والمغادرة".
وفي حديثه عن الوضع بعد تدمير عشرات المنازل على رؤوس ساكنيها في ظلّ توقّف خدمات الدفاع المدنيّ وخروج المنظومة الصحّيّة عن الخدمة، قال الشبراوي: "عشرات المفقودين لا يزالون تحت الأنقاض إلى اليوم، ولا يوجد أيّ طواقم لانتشالهم".
ويتابع: "منذ عدّة أيّام طلب منّا والدي توزيع أنفسنا بين عدد من المنازل بالمحيط كي لا نموت جميعنا بقصف إسرائيليّ واحد".
وبحسب حديثه، فإنّ "معظم مجازر الاحتلال تستهدف المنازل الّتي يكون فيها أعداد كبيرة من أبناء العائلات المقيمة والنازحة وهو ما يوقّع الكثيرين بين شهداء ومصابين".
وأشار إلى أنّ الجميع في محافظة الشمال معرض للموت في ظلّ عشوائيّة القصف الّذي يصيب المنازل والمحالّ التجاريّة والشوارع.
مجازر مبكية
ووسط مشاهد المجازر الّتي باتت شبه يوميّة بمحافظة شمال غزّة، قال الفلسطينيّ ربيع الموسى إنّ هذه المشاهد "مبكية".
وتابع الموسى، المتواجد في "مخيّم جباليا": "كثير من العائلات استشهدت وأبيدت بالكامل، دون أن يسمع العالم عنها شيئاً".
وقال إنّ "الاحتلال لا يتردّد في قصف أيّ منزل على رؤوس ساكنيه مهما كان عددهم، ما يوقّع مجازر كبيرة".
و"لتحدّي الخوف، فضّلت الكثير من العائلات خلال حرب الإبادة المتواصلة السكن مع عائلات أخرى في منازل واحدة كي تواجه الظروف الصعبة سويًّا"، وفق قوله.
ويوضّح أنّ "ذلك يعني أنّ كلّ استهداف سيؤدّي لوقوع عشرات الضحايا من الأبرياء".
أحياء تحت الركام
من جانبه، يقول الناطق باسم جهاز "الدفاع المدنيّ" محمود بصل إنّ "الاحتلال يركّز على استهداف المنازل المكتظّة بالسكّان في شمال قطاع غزّة".
وأضاف أنّ مناشدات دائمة تصلهم من العائلات عن "وجود شهداء ومصابين تحت ركام المنازل المدمّرة خاصّة في منطقة بيت لاهيا الّتي زاد استهدافها خلال الأيّام الماضية".
ولفت بصل إلى أنّهم لا يتمكّنون من فعل أيّ شيء إزاء ما يصلهم من مناشدات في ظلّ تعطّل عملهم بشكل كامل في المنطقة جرّاء الاستهداف الإسرائيليّ.
وناشد بصل "المؤسّسات والمنظّمات الحقوقيّة والإنسانيّة الدوليّة بالتدخّل العاجل للسماح بوصول طواقم الدفاع المدنيّ إلى مناطق وجود المصابين والشهداء لانتشالهم بأسرع وقت".
وختم قائلًا إنّ كافّة العائلات في محافظة شمال غزّة تعيش "تجربة الموت والإبادة بصمت بعد أن غابت منظومة العمل الصحّيّ هناك بفعل استهدافات الاحتلال".