رهان نتنياهو على فوز ترامب كان صائبًا، لكنّ الاثنين يريدان أن يقوم بايدن بالذات، خلال الفترة الانتقاليّة بإنهاء المهمّة، وتوجيه ضربة مباشرة أو بدعم عسكريّ أميركيّ للمنشآت النوويّة الإيرانيّة، تختم الحرب وتوصل نتنياهو إلى "النصر المطلق" الّذي يطمح إليه، وتحقّق مقولة ترامب بأنّه "ينهي الحروب ولا يشعلها"، بعد أن تترك له أمر عقد راية السلم.

موقع بلومبرغ نقل أنّ ترامب في محادثة هاتفيّة جرت بينهما الشهر الفائت، أعطى تفويضًا لنتنياهو بعمل ما يجب مع "إيران وامتداداتها"، بما يخالف توجّه بايدن ودعواته لضبط النفس وزيادة المساعدات الغذائيّة للفلسطينيّين في غزّة.

كما نقلت "معاريف" عن مصدر رفيع في المجلس الوزاريّ الأمنيّ المصغّر قوله، إنّ الفترة الانتقاليّة من شأنها أن توفّر لإسرائيل فرصة للعمل ضدّ المشروع النوويّ الإيرانيّ، الّذي يرى فيه نتنياهو خطرًا وجوديًّا، مشيرة إلى أنّ نجاح إسرائيل بضرب قدرات حزب اللّه وتدمير جزء من منظومة الدفاع الجوّيّ الإيرانيّة، زاد من منسوب التفاؤل لدى نتنياهو، الّذي قال خطاب ألقاه في 26.10 إنّ إسرائيل أصبحت تمتلك حرّيّة حركة ضدّ أعدائها أكبر من أيّ وقت مضى، بينما أوردت الصحيفة على لسان أحد مستشاري نتنياهو السابقين قوله، إنّ نتنياهو يعرف تشخيص الأحداث الكبيرة واستغلال الفرصة المناسبة.

وفي وقت يحذر فيه البعض من قيام بايدن باستغلال الفترة الانتقاليّة لمعاقبة إسرائيل على غرار ما قام به أوباما عام 2016 عندما امتنع عن اتّخاذ الفيتو ضدّ قرار يدين إسرائيل في مجلس الأمن، فإنّ الرأي السائد يفيد بأنّ بايدن سيكون أكثر رغبة بأن يترك وراءه إرثًا يعتزّ به، بدلًا أن يدخل سفر التاريخ كرئيس جرى الإطاحة به من السباق الانتخابيّ، وفشل في إيصال نائبته إلى سدّة الرئاسة.

من جهتنا لا نستبعد ذلك أيضًا، خاصّة على ضوء الحماس منقطع النظير الّذي أبداه بايدن في دعم إسرائيل لتأكيد صهيونيّته الّتي عبّر عنها لفظيًّا في أكثر من مناسبة، إلى جانب رغبته الّتي لا تقلّ حماسًا في تحريك البوارج والأساطيل وإذكاء نار الحروب في الشرق والغرب على حدّ سواء، والّتي تجلّت في اتّساع دائرة الحرب في أوكرانيا، وفي فلسطين ولبنان، ربّما في محاولة لنزع صفة الرئيس الهرم والضعيف عنه، والّتي التصقت به، وتسبّبت في إطاحته عن السباق الرئاسيّ.

بالمقابل، فإنّ ترامب بعكس الانطباع السائد، لم تشهد فترة رئاسته السابقة صراعات مسلّحة تذكر، ورغم انسحابه من الاتّفاق النوويّ الإيرانيّ، إلّا أنّه سار على نهج العقوبات الاقتصاديّة الّذي اتّبعه أوباما في مواجهته، كذلك اختار أسلوب المفاوضات المباشرة مع كوريا الشماليّة، وكان لقاؤه برئيسها كيم جونغ إيل في أوج الأزمة مفاجأة غير متوقّعة.

من هنا لا نستغرب أن يقوم نتنينياهو، برغم العلاقات المركّبة بينهما، باستغلال حاجة بايدن إلى إثبات صهيونيّته أمام ترامب من جهة، وإلى ترك بعض الإرث الّذي يستطيع أن يعتزّ به بعد عار حرب الإبادة الّتي ساهم في تسعيرها من جهة ثانية، ولتحقيق ذلك، يتوجّب عليه أن يقوم بإقناع الرئيس المنصرف بهذه الحاجة، مثلما يتوجّب عليه إقناع الرئيس المستلم بأن يترك لبايدن العمل الصعب لكي يتسلّم هو في الـ 20 من كانون ثاني/ يناير القادم طاولة نظيفة، ويتركّز في "صنع السلام" على حدّ تعبير الكاتبة آنا بريسكي في مقال نشرته "معاريف".

وفي ما يتعلّق بجدوى الضربات الجوّيّة الإسرائيليّة أو الإسرائيليّة الأميركيّة، يقول مارك دودوفيتش مدير عامّ معهد FDD في واشنطن، إنّ إسرائيل تمتلك القدرة على ضرب منشآت تخصيب اليورانيوم في "نطنز" و"أصفهان"، إلّا أنّ ضرب منشأة "بوردو" يبدو أكثر تعقيدًا بسبب كونها موجودة عميقًا تحت الأرض وكونها محصّنة جيّدًا أيضًا، مشيرًا إلى أنّ إسرائيل أثبتت قدرة على اختراق عمق البرنامج النوويّ والأمن والاستخبارات الإيرانيّة، ومن الممكن أن يكون لديها مفاجآت غير لطيفة لإيران، على حدّ تعبيره. بالمقابل تستبعد سنام وكيل مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "تشاتهام هاوس" في لندن توجيه ضربة إسرائيليّة بدون دعم أميركيّ مباشر.