حسب تقرير منشور في صحيفة "ديلي هيرالد" الأميركيّة، أشارت إدارة شرطة مدينة واكوندا في ولاية إلينوي الأميركيّة مؤخّرًا إلى حلّ لمعضلة تأثير درجات الحرارة العالية على الكلاب البوليسيّة. وجاء الحلّ استجابة للحاجة إلى الكلاب البوليسيّة في حالات البحث والإنقاذ والتحرّي عن المخدّرات والمتفجّرات، إذ تعتبر الحرارة العالية ضارّة على لكلاب البوليسيّة. وجاء الحلّ عبارة عن شريحة دقيقة تستشعر درجة حرارة الجسم يتمّ زرعها دون ألم بالقرب من رقبة الكلب، لمراقبة ما إذا كان يعاني من ارتفاع درجة الحرارة أو البرودة الشديدة أثناء العمل.
وقال ضابط شرطة واكوندا مايكل ناردولي، إنّ "الكلاب البوليسيّة هي أدوات، لكنّهم شركاؤنا، وهي بحاجة إلى رعاية طبّيّة كبيرة كالّتي قد ترغب فيها لفرد من عائلتك".
ويشير التقرير إلى تعاون الضابط ناردولي مع سكاي، أحد الكلاب البوليسيّة في قسم الشرطة. ويتعاون الكلب الآخر، المسمّى بادجر، مع الرقيب جون فينز. وبفضل التبرّع من مستشفى واكوندا للحيوانات، تمكّن قسم الشرطة، الربيع الفائت، من زرع شرائح استشعار درجة الحرارة، كلّ منها بحجم حبّة أرزّ تقريبًا في رقاب الكلاب. ويمكن لناردولي وفينز التحقّق من درجات حرارة من خلال التلويح بعصًا صغيرة فوق أعناق الكلاب.
ويضيف ناردولي أنّ الكلاب العاملة مثل K9 تعمل بشكل مثاليّ بين 39.1 و 39.7 مئويّة، وأيّ شيء أعلى من 40 درجة يضع الكلاب أمام تحدّ، وقد يسبّب مشاكل صحّيّة، بالإضافة إلى أنّ الكلب لا يصل إلى قمّة أدائه عند تلك الحرارة المرتفعة. وقال "عندما نتجاوز تلك الحرارة، فإنّ الكلاب تتنفّس من أفواهها ونحن نحتاج أنوفها. نحن لا نضمن صحّتها وسلامتها فحسب، بل نحصل أيضًا على الإمكانات الكاملة للكلب".
إيلون ماسك من جديد
الأمر لم يتوقّف عند الرقائق فقط. حسب تقرير في موقع "بزنس إنسايدر"، فقد أعلنت شركة "نيورالينك" Neuralink المملوكة من الملياردير الأميركيّ إيلون ماسك عن نجاح أوّل زراعة شريحة في جسد إنسان. تمّت العمليّة في شهر كانون الثاني/يناير الماضي.
خلال اجتماع مع موظّفي نيورالينك، أحضرت الشركة أوّل مريض لها، نولاند أربو، البالغ من العمر 29 عامًا، على خشبة المسرح لوصف قدرات شريحة الدماغ. هذا ونشر نولاند مقطع فيديو للاجتماع على منصّة إكس. وقال نولاند، المصاب بالشلل الرباعيّ، إنّه أصيب بالشلل من الرقبة إلى أسفل بسبب حادث سباحة، وأضاف أنّ الجهاز سمح له بالمشاركة في بعض أنشطته المفضّلة قبل الحادث، بما في ذلك الألعاب. وقال "هذا يجعلني أشعر حقًّا بالجنون، لكنّه يجعل الشلل ليس بالأمر السيّئ". وأضاف "أنا بالطبع أؤيّد أيّ شيء يجعلني أكثر استقلاليّة، ومن المحتمل أن يجعل هذا أشخاصًا مثلي أكثر استقلاليّة ممّا قد يكونون عليه حتّى يتمّ علاج كلّ شيء، وأعتقد أنّ هذا احتمال حقيقيّ للغاية!".
من جهتها، قالت بليس تشابمان، رئيسة برنامج "واجهة الدماغ" في نيورالينك، إنّ لعب "ماريو كارت" كان أحد الأشياء الأولى الّتي قال أربو إنّه يريد أن يكون قادرًا على القيام بها مع زراعة الشريحة. وعرضت نيورالينك مقطع فيديو منقسم الشاشة لسباق بين الشخصيّات في لعبة ماريو كارت. وقالت تشابمان إنّه تمّ نشر الفيديو سابقًا في قناة داخليّة للشركة، وطلب من الأشخاص التصويت على اللاعب الّذي يعتقدون أنّه يتمّ التحكّم فيه بواسطة واجهة الدماغ والحاسوب. في الفيديو، لم يتمكّن نولاند من متابعة خطوط المسار فحسب، بل وإسقاط لاعب آخر باستخدام عقله فقط للتحكّم في شخصيّته في اللعبة!
عالميًّا، يوجد مجموعة من الشركات الّتي تعمل على زراعة الرقاقات لغايات متعدّدة. في طليعة تلك الشركات تأتي شركة الملياردير الأميركيّ إيلون ماسك، المالك لشركات تيسلا للسيّارات الكهربائيّة وسبيس إكس لإنترنت الفضاء ومنصّة التواصل الاجتماعيّ إكس.
تعمل يورولينك على زراعة الرقاقات في جسم الإنسان مع التركيز على التفاعل بين العقل والآلة وتحسين القدرات العقليّة. كما تعمل الشركة على تطوير حلول مستقبليّة لبعض الأمراض العصبيّة مثل الزهايمر والشلل. في السويد تعمل شركة "بيوهاكس إنترناشونال" Biohax International على زراعة رقاقات RFID تحت الجلد. الرقاقات بحجم حبّة الأرزّ، وتقوم الشركة بزراعتها في إصبع الإبهام. يمكن للرقاقة أن تستبدل مفاتيح المنزل وبطاقة فتح الأبواب في العمل والدخول إلى كمبيوتر العمل أو المنزل من خلال تمرير الإصبع فوق قارئ ضوئيّ. وبدأت الشركة بالفعل بزراعة الرقاقة للبشر في السويد، إذ أعلن المدير التنفيذيّ يوان اوسترلوند، قبل 4 سنوات، عن زراعة أكثر من 4 آلاف شريحة!
وتعمل في الولايات المتّحدة شركات أخرى مثل شركة "ثري سكوير ماركت" Three Square Market على زراعة رقاقات تمكّن الناس من فتح الأبواب والشراء من آلات البيع وتسجيل الدخول إلى جميع الأنظمة الرقميّة بدون كلمات مرور. من جهتها تعمل شركة "دينجرس ثينغز" Dangerous Things على زراعة شرائح تمكّن الأفراد من عمليّات الدفع الإلكترونيّ الّذي يجري بشكل لاسلكيّ في العادة، أي دون إدخال البطاقة البنكيّة في آلات الدفع، وتخزين المعلومات الشخصيّة في تلك الرقائق لتصبح الرقاقة كبديل عمليّ للبطاقات الائتمانيّة والمفاتيح والهويّة الشخصيّة! شركة "فيفو كي" VivoKey تقوم بتطوير رقاقات NFC لزراعتها تحت الجلد، وتشكّل تلك الرقاقات هويّة رقميّة متكاملة. أمّا شركة "إيبيسات تكنولوجي" Epicyte Technologies فهي شركة تقوم بتطوير رقاقات تعمل على قياس المؤشّرات الحيويّة في الجسم مثل السكّر وضغط الدم ونبض القلب والحالة العامّة للجسم، وتستطيع تلك الشريحة مشاركة البيانات مع تطبيقات في الهاتف الذكيّ أو الأجهزة الطبّيّة لتحليلها.
أخلاقيّات الرقاقات
بشكل عامّ، تعدّ الرقاقات من الأسواق الناشئة حديثًا، والّتي تعدّ من "إنترنت الأشياء" ويشير هذا المصطلح إلى جميع الأجهزة الّتي يستخدمها الإنسان بشكل يوميّ، ويمكن ربطها بالإنترنت، مثل الهاتف الّذي وأنظمة الإضاءة مثلًا والمكيّفات وغيرها من الأجهزة. وكحال الكثير من المفاهيم المرتبطة بالإنترنت يوجد مساحة كبير للجدل حول الأخلاقيّات الناظمة لتلك البيئة. ذلك الجدل يأتي بسبب التحدّيات الّتي يفرضها واقع استعمال هذه الأجهزة بشكل يوميّ، إذ تستطيع تلك الأجهزة جمع كمّيّات ضخمة من المعلومات عن المستخدم وتحليلها لغايات رفع جودة الخدمة. ولكن، تلك البيانات يمكن تتعرّض لكثير من العمليّات الّتي تثير تساؤلات عن الأمان والخصوصيّة والاختراق وإساءة الاستخدام.
الرقاقات تتّصل بالعالم الرقميّ بشكل لاسلكيّ، ويوجد نوعان رئيسان من تلك الرقاقات، الأولى تحدّد التردّدات الراديويّة (RFID) والثانية شرائح الاتّصال قريب المدى (NFC). وتعدّ شرائح RFID عبارة عن أجهزة إرسال واستقبال للتعريف، وتحمل رقم تعريف فريد، ويمكن وصمها بعلامة لبيانات المستخدم مثل السجلّات الصحّيّة وملفّات تعريف الوسائط الاجتماعيّة والمعلومات الماليّة. رقائق الاتّصال قريب المدى تعمل على النقيض من ذلك، إذ تستخدم شرائح NFC المجالات الراديويّة الكهرومغناطيسيّة للتواصل لاسلكيًّا مع أجهزة القراءة الرقميّة القريبة، مثل الهواتف الذكيّة وماكينات الدفع عبر البطاقات الائتمانيّة غير التلامسيّة.
المشرّعون الأميركيّون والقوانين الاستباقيّة
مؤخّرًا، قام العضو الجمهوريّ في مجلس الشيوخ بولاية ميسيسيبي كيفن بلاكويل، باقتراح مشروع قانون في الولاية الجنوبيّة حظر زراعة الرقائق في البشر. يأتي ذلك القانون، على الرغم من أنّه لم يتمّ تقديم أيّة شكوى بحقّ أصحاب العمل والشركات لإجبار الموظّفين على زرع الرقاقات، ولكن بالنسبة إلى بلاكويل، أنّ هذه التكنولوجيا تشكّل خطرًا على حقوق الموظّفين. وقال "تتقدّم التكنولوجيا اليوم بوتيرة سريعة وبصفتنا مشرّعين، نحتاج إلى أن نكون على دراية باستخدام وإساءة استخدام هذه التكنولوجيا".
ويعمل المشرّعون في الولايات المتّحدة الأميركيّة بشكل متزايد على سنّ التشريعات الّتي تحظر بشكل استباقيّ على أصحاب العمل "إجبار" العمّال على زرع شريحة إلكترونيّة. دوليًّا، اختار أكثر من 50 ألف شخص طوعيًّا زراعة شريحة إلكترونيّة لتكون بمثابة مفاتيح وبطاقات ائتمان ووسائل لمشاركة معلومات وسائل التواصل الاجتماعيّ بشكل فوريّ. وأصبحت تلك التكنولوجيا تحظى بشعبيّة كبيرة خاصّة في السويد، حيث يتمّ زراعة الشريحة على نطاق واسع لاستخدامها في الدخول إلى الصالات الرياضيّة والتذاكر الإلكترونيّة في أنظمة النقل وتخزين معلومات الاتّصال في حالات الطوارئ.
مؤخّرًا انضمّت ولاية ميسيسيبي إلى الـ 13 ولاية أميركيّة، أركنساس، كاليفورنيا، ميزوري، مونتانا، نيفادا، نيو هامبشاير، داكوتا الشماليّة، أوكلاهوما، يوتا، ويسكونسن، إنديانًا، ألاباما، الّتي أقرّت قوانين تحظر الشرائح الإلكترونيّة الإلزاميّة للبشر. كما نظر مجلس النوّاب في ولاية وايومنغ في حظر استباقي في عام 2023، لكنّ مشروع القانون لم ينجح في النهاية لعدم الالتزام الواضح باللوائح الفيدراليّة بشأن الرقائق الدقيقة للحيوانات. وأوضح النائب سايروس ويسترن "في الوقت الحاليّ، ليس لدينا طريقة لمعرفة ما إذا كنّا ملتزمين أو غير ملتزمين بأيّ من اللوائح الفيدراليّة الّتي تراقب هذه التكنولوجيا". كما أعرب المشرّعون عن قلقهم بشأن الحاجة إلى هذا التشريع، والّذي، كما ذكر أعلاه، لم يفرض بعد على العمّال في وايومنغ، أو في أيّ مكان آخر في الولايات المتّحدة.
في الوقت الّذي توفّر فيه الشرائح الدقيقة فوائد كبيرة من الراحة والسرعة، إلّا أنّها تحمل أيضًا مخاوف تتعلّق بالخصوصيّة والأمان. يشعر بعض خبراء التكنولوجيا بالقلق من أنّ المتسلّلين الّذين يستهدفون نقاط ضعف "إنترنت الأشياء" في أجهزة الاستشعار والشبكات قد يحاولون اختراق الشرائح "البشريّة". وبحسب عالم الأحياء الدقيقة بن ليبيرتون من معهد كارولينسكا السويديّ، يمكن أن تكشف غرسات الرقائق عن الكثير من المعلومات الشخصيّة، مثل "بيانات حول صحّتك وبيانات حول مكان وجودك، وعدد مرّات عملك، ومدّة عملك، وما إذا كنت تأخذ فترات راحة في الحمّام وأشياء من هذا القبيل". وحسب موقع NFC.org، هناك مخاوف أمنيّة أخرى تتعلّق بتقنيّة NFC وهي أنّها قد تسمح لأطراف ثالثة بالتنصّت على اتّصالات الجهاز أو إتلاف البيانات.
ولكنّ آثار الشرائح السلبيّة لا تتوقّف عند الآثار الإلكترونيّة، بل إنّ هناك مخاوف صحّيّة مرتبطة بالرقائق المزروعة في جسم الإنسان. حسب دراسة أجريت عام 2020 من الجمعيّة الأمريكيّة لجراحة اليد، قد تتسبّب غرسات RFID في حدوث تفاعل سلبيّ في الأنسجة، وتؤدّي إلى عدم التوافق مع بعض تقنيّات التصوير بالرنين المغناطيسيّ (MRI).
ومع تزايد تأثير عمليّات زرع الرقائق الإلكترونيّة في الولايات المتّحدة وأوروبا، فإنّ هذا من شأنه أن يؤدّي إلى المزيد من النقاشات حول الأمان والسلامة المرتبطة بهذه التكنولوجيا.