يواجه جهاز التربية والتعليم في المجتمع العربي تحديات جمة، في أيام الحرب التي تؤثر سلبا على المواطنين، ونظرا لأهمية جهاز التربية والتعليم كركن يُبنى على أساسه مستقبل المجتمع والأجيال الصاعدة، من غرس القيم والمعرفة وتطوير المهارات اللازمة لمواجهة تحديات الحياة، فإنه في حالة الحرب يسعى القائمون على هذا الجهاز لتوفير مناخ آمن للطلاب وهيئات المؤسسات التعليمية، تفاديا لأي خسائر محتملة من عدة جوانب: الأمان الجسدي والنفسي لدى الطلاب، والحفاظ على سيرورة المسيرة التعليمية.
وعن أبرز التحديات التي تواجه جهاز التربية والتعليم وكيفية مواجهتها، تحدث لـ"عرب 48" عدد من المسؤولين من مؤسسات أهلية ورسمية، في مجال التربية والتعليم في مدينة طمرة، كنموذج للمدن والقرى العربية في البلاد.
وقال مدير قسم التربية والتعليم في بلدية طمرة، الأستاذ توفيق حجازي، لـ"عرب 48" إنه "تسيطر على واقعنا الحياتي في مختلف المجالات متغيرات عديدة بسبب الحالة الطارئة التي تسود البلاد، وأبرز التحديات في جهاز التربية والتعليم تتعلق بمنظومة التعلم عن بعد، ومدى الجاهزية لهذه المنظومة لدى مؤسساتنا التعليمية، ولدى طلابنا والطواقم التدريسية والوضع المنزلي. هذا التحدي يتطلب جهودا كبيرة من قبل السلطات المحلية العربية، في كيفية تهيئة ومساعدة طلابنا في التعامل مع الوضع الراهن".
وعن الحلول المقترحة لمواجهة هذه التحديات، أوضح حجازي أنه "علينا كمؤسسات مسؤولة الاستعداد للتعامل مع حالات الطوارئ كشكل دائم وثابت، وعدم انتظار التعرض لحالة طارئة حتى ننتقل لمنظومة تعليم جديدة، بل الاستعداد الدائم لحالات الطوارئ، خاصة وأن سوق العمل يتطلب اليوم مهارات إضافية، مما يستوجب علينا تدريب طلابنا على تطوير هذه المهارات المتعلقة في التعامل مع الحالات الطارئة، حتى لا يضطروا لمواجهة صعوبات في المراحل الأكاديمية وفي سوق العمل".
ويقترح حجازي في حديثه "تشكيل لجنة خاصة في كيفية التعامل مع جهاز التربية والتعليم في حالة الحرب، حيث أن الفجوات التعليمية تتسع، والصعوبات تزداد، ولا يمكن تجاهل معاناة الطلاب والأهالي، بل يتطلب الأمر وضع خطة إستراتيجية على مستوى قطري في كيفية التعامل مع هذه الظروف".
وفي هذا السياق، يشار إلى أن الجبهة الداخلية ألقت مسؤولية اتخاذ نظام التعلم وجاهيا أو عن بعد على السلطات المحلية، مما يفرض مسؤولية كبيرة على رؤساء السلطات المحلية.
وقال رئيس بلدية طمرة، موسى أبو رومي، لـ"عرب 48" إن "توفير الأمن والأمان هو التحدي الأبرز الذي يواجه السلطات المحلية العربية في هذه المرحلة، نحن كرؤساء سلطات محلية على اتصال دائم وتشاور لضمان سلامة وأمن أبنائنا، إلا أن الجدل الكبير القائم في المجتمع يدور حول اختيار القرار الأنسب، لندرك لاحقا بأن اتخاذ أي قرار يعتمد عن الموازنة بين الحاجة لتوفير الأمن، وحاجة الأبناء للتعلم، وحاجة الأهل للتوجه للعمل، حيث أنه لا يوجد قرار صائب وقرار خاطئ، فإذا ما ضمنا سلامة الطلاب داخل المدارس المجهزة بمكان آمن، فيبقى القلق يعترينا فقط حول مصير الطلاب عند إطلاق صافرة إنذار، أو سقوط صواريخ تزامنا مع موعد ذهاب وإياب الطلاب إلى ومن المدارس".
ويوصي أبو رومي بـ"تشكيل طاقم جديد خاص في جهاز التربية والتعليم بالسلطات المحلية، تتمثل وظيفته بمتابعة قضية جهاز التربية والتعليم من كافة الجوانب خلال فترة الحرب".
من جهتها، تؤكد مديرة مدرسة الحكمة الإعدادية في طمرة، المربية سامية ياسين، لـ"عرب 48" أنه "كمديرة مدرسة أؤمن جدا بأهمية توفير بيئة تعليمية ملائمة للطلاب، إلا أنه في ظل الحرب حُرم طلابنا من هذه البيئة بسبب الشعور العام بعدم الأمان، مما تسبب بخلق حالة خوف وقلق عند الطلاب، لحرمانهم من الجو الداعم في المدرسة والامتيازات التي يحظى بها الطلاب من قبل طواقم المعلمين والهيئات المهنية والإدارية في المدارس التي تسعى جاهدة لتوفير أجواء تعليمية تُحفز العملية التعليمية بسبب اضطرارنا للانتقال إلى التعلم عن بعد حرصا على سلامة الطلاب والمعلمين".
وأضافت أن "هذا الحرمان قد يؤثر على المستوى التعليمي لدى الطلاب، عدا عن عدم توفر أجهزة الحاسوب، وإتاحة للوصول لشبكة الإنترنت، ليبدو الأمر وكأن النجاح حليف من تتوافر لديه ظروف ملائمة للتعلم عن بعد، وهذا التحدي الأهم لدينا كمسؤولين حيال طلابنا، ويتمثل بتوفير فرص التعلم حتى لو كان عن بعد، دون إحداث فجوات تعليمية بين الطلاب على الرغم من وجود الفروقات الفردية".
وتفاديا لوقوع خسائر تعليمية عند الطلاب توصي المربية ياسين جميع المدراء في المدارس بـ"تحضير خطة طوارئ (ب) مع بداية السنة التعليمية، خاصة وأن جهاز التربية والتعليم يشهد تحديات عامة وخصوصا الآن بسبب الحالة الطارئة، إذ إنه توجد العديد من المتغيرات التي تعصف بالبلاد، منذ أربع سنوات بدءا بانتشار جائحة كورونا ثم حالة الحرب، مما أثر على شخصية الطلاب، ومن بين هذه المتغيرات: عدم وجود توازن في جهاز التربية والتعليم، وتقلبات دائمة تواجه الطلاب، حيث أن الحرب فرضت مسؤولية أكبر على الطلاب والأهل لمتابعة المهام، وتجهيز عدة متطلبات لكي يتمكن الطلاب من مواصلة التعليم، ونحن نطمح للوصول بطلابنا إلى بر الأمان على كافة المستويات".
وأجمع رئيس لجنة أولياء أمور الطلاب المحلية في طمرة، أيمن مريح، وعضو اللجنة القطرية لأولياء أمور الطلاب، زياد فيصل، في حديثهما لـ"عرب 48" بأن "التحديات التي تلقي بظلالها على جهاز التربية والتعليم في المجتمع العربي في ظل الحرب، تعكس عدم الجاهزية لحالات الطوارئ مما يستدعي البدء فورً ببناء برنامج إثراء للطلاب يتم البدء بتنفيذه خلال أيام الحرب ويستمر لما بعدها، والذي يشمل على نظام التعلم، بالإضافة إلى البدء في وضع خطة لتقديم العلاج العاطفي والنفسي للطلاب وطواقم التدريس في ظل التوتر والضغط الذي يؤثر عليهم بسبب حالة الحرب السائدة".
وقالت مديرة مشروع مركز التحليق في طمرة، زكاء خطيب، والذي يتيح للطلاب الانكشاف على عالم التكنولوجيا والهايتك، لـ"عرب 48" إنه "لدي شعور بالغصة لتوقف البرامج التعليمية بسبب الحرب، حيث تم تقليص الميزانيات وصولا إلى تجميدها من قبل وزارة العلوم والتكنولوجيا، مما تسبب بحرمان الطلاب في كافة المراحل المدرسية من الاطلاع على عالم الحداثة والتطور من الهايتك والتكنولوجيا".
وأكدت أنه "هذا يحدث الآن، بالإضافة إلى خسارتهم الإطار الذي يوفر لهم بيئة آمنة دافئة وحاضنة، والتحدي الآخر ينضاف إلى ذلك وهو خسارة جهاز التعليم لنا نحن كطاقم ضمن برامج تعليمية تقدم خدماتها في المدارس لنصبح عاطلين عن العمل".