لقد كان هنالك تأثير سلبي واضح للثورة الصناعية على البيئة منذ انطلاقتها. ولا زال هذا التأثير مستمر لليوم رغم كل الجهود المبذولة لتقليصهِ. ولكن هل يكون تأثير الروبوتات على البيئة سلبي كتأثير الثورة الصناعية بالمجمل؟

الحقيقة، هنالك روبوتات متخصصة في الحفاظ على الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة. ولكن عملية صناعتها وتشغيلها وصيانتها وحتى إتلافها لا زالت تطرح تساؤلات عديدة حول تقييم أثرها الحقيقي على البيئة. وفي هذا المقال، سنستعرض الموضوع من جوانبه المختلفة في محاولة للإجابة على هذا التساؤل.

ما هي الروبوتات البيئية ؟

نبدأ حديثنا عن الروبوتات والبيئة من الروبوتات البيئية. وإنتاج الروبوتات البيئية هو فرع من فروع العلوم والهندسة يركز على تصميم وتطوير روبوتات وظيفتها هي تعزيز حماية البيئة سواءً على الأرض أو ضمن البحر أو حتى في الجو. من خلال مجموعة من المهام الحيوية مثل مراقبة الحياة البرية وقياس تلوث الهواء وتنظيف النفايات. وسنلقي نظرة على فئات الروبوتات البيئية الثلاث: الروبوتات البحرية، والروبوتات الأرضية، والروبوتات الجوية.

الروبوتات البحرية

بسبب الممارسات البيئية غير المسؤولة، من المؤسف أن تحتوي المحيطات على عدد لا يحصى من المواد البلاستيكية الدقيقة والمخلفات البشرية الأخرى، والتي تتحول يوماً بعد آخر إلى تهديد متزايد لجميع أشكال الحياة في المحيطات.

من هنا رأى العلماء ضرورة الاستعانة بالروبوتات البحرية لأداء مهام لا يمكن للبشر أداؤها للحفاظ على نظافة المحيطات، ومسح الحياة البرية البحرية، والتنبؤ بالأحداث الجوية المتطرفة.

كمثال على ذلك، طورّت العديد من الشركات والمنظمات غير الربحية روبوتات قادرة على تنظيف القمامة من سطح المحيط. ومن بين تلك الروبوتات نذكر روبوت Jellyfishbot، الذي يمكنهُ تنظيف النفط، و FRED الذي يعمل بالطاقة الشمسية. بالإضافة إلى SeaClear الذي تم اختباره في عام 2022 بدعم من الاتحاد الأوروبي، ويختلف عن هذهِ المشاريع الروبوتية لأنه ينظّف القمامة في قاع المحيط. ويتكون نظام SeaClear من قارب وطائرة بدون طيار واثنين من الروبوتات تحت الماء، أحدهما مهمته رسم خريطة للمنطقة والآخر مهمته هي جمع الحطام وإخراجه إلى السطح. حيث يمسك روبوت التنظيف، المسمى Tortuga، بقطع فردية من القمامة باستخدام ملقط وجهاز شفط.

الروبوتات الأرضية

كما يشير الاسم، فالروبوتات الأرضية هي تلك التي تقود أو تمشي أو تعمل على الأرض لأداء مهام بيئية. ويمكنها أن تقدم مجموعة من الخدمات في مجالات مثل الزراعة والغابات.

لقد طورت شركة FarmWise في كاليفورنيا جرار من المستقبل يَستخدم الرؤية الآلية والذكاء الاصطناعي للتمييز بين المحاصيل والأعشاب الضارة قبل اقتلاع الأخيرة بشفرات ميكانيكية. صحيح أن الروبوت يتطلب مشغل بشري لقيادتهُ عن بعد باستخدام جهاز لوحي، ولكن تحديد النباتات وإزالة الأعشاب الضارة يتم بشكل آلي بالكامل.

الروبوتات الجوية

ازداد انتشارها في الآونة الأخيرة. وتشكل الطائرات بدون طيار والروبوتات الطائرة الأخرى أدوات قيمة لمراقبة البيئة في الغلاف الجوي للأرض. حيث تستطيع جمع عينات الهواء، ومراقبة الأحداث الجوية، والتقاط صور جوية على ارتفاعات عالية.

من بين الروبوتات الجوية المميزة نذكر روبوت شركة Botlink المتخصصة في إدارة الطائرات بدون طيار ومعالجة البيانات، والتي طوّرت طائرة بدون طيار لمراقبة جودة الهواء. هذه الطائرة قادرة على رسم خرائط للغازات والجسيمات الملوثة، وقياس مستويات ثاني أكسيد النيتروجين، وثاني أكسيد الكبريت، وأول أكسيد الكربون، والأوزون. والهدف من كل ذلك هو تقييم جودة الهواء.

أهمية تحليل الأثر البيئي للروبوتات

ننتقل بحديثنا عن الروبوتات والبيئة إلى جانب آخر، وهو بصمة الروبوتات الكربونية، فتصنيع الروبوتات كما نعلم، بالإضافة إلى تشغيلها وإخراجها من الخدمة وإعادة تدويرها لها عواقب بيئية بعيدة المدى. ويساعد فهم هذهِ التأثيرات في التخفيف من الآثار السلبية المحتملة. ولعله يلهمنا في إنشاء تصميمات روبوتية صديقة للبيئة.

تركز تقييمات البصمة الكربونية للروبوتات على الطاقة المستهلكة أثناء الإنتاج والاستخدام وعملية التخلص النهائي. وترتبط الانبعاثات الكربونية ارتباط وثيق بمصدر الكهرباء، فالروبوتات التي تعمل بالطاقة المستمدة من الوقود الأحفوري لها بصمة كربونية أعلى بطبيعتها. وقد تكون مرحلة الإنتاج كثيفة الكربون على نحو خاص بسبب المواد والعمليات التي تحتاجها. فضلاً عن ذلك، تساهم إدارة نهاية العمر -مثل إعادة تدوير أجزاء الروبوت- في ملف الانبعاثات الإجمالي.

في الحقيقة، لطالما كان الإنسان قادر على إيجاد الحلول لجميع المشاكل التي تواجه تطوره، ولن تعجزه مشكلة الروبوتات والبيئة عن إيجاد الحلول لها بكل تأكيد. وسنتحدث عن استراتيجيات الحد من البصمة الكربونية بشيء من التفصيل فيما يلي.

استخدام الطاقة المتجددة في صناعة الروبوتات

في سبيل تقليص تأثير الروبوتات السلبي على البيئة يدمج المصنعون بشكل متزايد أنظمة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية في العمليات الروبوتية. وهذا التحول نحو مصادر الطاقة الخضراء لا يقلل من انبعاثات الكربون فقط، بل يقلل من تكاليف التشغيل على المدى الطويل أيضاً.

بدائل استخدام المواد الأرضية النادرة

غالباً تعتمد صناعة الروبوتات على مواد أرضية نادرة لتصنيع المكونات الرئيسية. وبسبب ندرتها يتعين على المصنعين الحصول عليها من مناطق محددة، وهذا ما يؤدي إلى نشوء مشكلات جيوسياسية تنعكس على سلاسل التوريد. لكن ذلك ليس أسوء ما في الأمر.

إن عملية استخراج المواد النادرة بحد ذاتها ضارة بالبيئة، حيث تتضمن منتجات ثانوية سامة واضطرابات كبيرة في التربة. والعلاقة بين انتشار التطبيقات الروبوتية والطلب على المواد الأرضية النادرة طردية، وهذا يعني أن استنزاف الموارد النادرة في الأرض سيتفاقم.

لحل تلك المعضلة، تجري الآن أبحاث لإيجاد مواد أكثر وفرة وأقل ضرر لتحل محل العناصر الأرضية النادرة في الروبوتات. في غضون ذلك، تكتسب إعادة تدوير المواد الموجودة من النفايات الإلكترونية زخم باعتبارها مصدر إضافي لهذهِ المكونات.

برامج إعادة التدوير لمكونات الروبوتات

نبقى مع حلول المشكلات القائمة بين الروبوتات والبيئة، لنصل إلى مشكلة النفايات الإلكترونية والتي تتعاظم في ظل ازدهار صناعة الروبوتات. وفي ظل تعقيد الروبوتات الحديثة نجد أنها تحتوي على مجموعة متنوعة من المواد التي قد يكون من الصعب فصلها واستعادتها.

وهنالك مشكلة ناجمة عن المشكلة الأساسية، حيث لا تمتلك جميع المناطق البنية الأساسية أو اللوائح اللازمة للتعامل مع المتطلبات المحددة للنفايات الإلكترونية. ويؤدي هذا إلى انتهاء جزء كبير من مكونات الروبوتات المهملة في مكبات النفايات أو إعادة تدويرها بشكل غير رسمي، مما قد يؤدي إلى انبعاثات سامة ومخاطر صحية.

في سبيل حل هذه المشكلة تتبنى صناعة الروبوتات بشكل متزايد برامج إعادة التدوير. ولا تساعد مثل هذه المبادرات في استعادة الموارد فحسب، بل تساعد أيضاً في تقليل المخاطر البيئية. ويتم إنشاء مرافق استعادة متخصصة للتعامل مع المواد القيمة واستخراجها من الروبوتات المتقاعدة والإلكترونيات ذات الصلة.

وفي خطوة بالاتجاه ذاته، بدأت الشركات في تصميم الروبوتات مع وضع تفكيكها في نهاية عمرها في الاعتبار وذلك في محاولة لتبسيط عملية إعادة التدوير. وتشكل هذه الخطوة الاستباقية داعم أساسي لما بات يعرف بالاقتصاد الدائري، حيث تتمتع المكونات بعمر أطول بعد استخدامها الأولي.

في ختام حديثنا عن الروبوتات والبيئة، يمكننا القول إن حل جميع المشكلات الموجودة يكمن في كلمتين فقط: الروبوتات الخضراء، والتي ستفتح الباب على عصر جديد من الأتمتة الواعية بيئيًا. ومن المحتمل أن يؤدي دمج الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي إلى ظهور أنظمة ذاتية التنظيم تعمل على تحسين استخدامها للطاقة. ومن الممكن أن يؤدي المسار التصاعدي في نشر الروبوتات للمهام البيئية إلى دفع مبادرات الحفاظ على البيئة إلى الأمام بشكل كبير.