في الوقت الّذي تجري فيه عمليّة إخلاء شمال قطاع غزّة من سكّانه بالكامل بهدف تحويله إلى منطقة عازلة، يقوم الجيش الإسرائيليّ بموازاة ذلك بتوطيد مواقعه على المحاور الرئيسيّة "فيلادلفيا" الّذي يقطع غزّة عن مصر و"نيتسريم" الّذي يقطع جنوبيّ القطاع عن شماله، ويقيم ويعزّز بنى تحتيّة استعدادًا لبقاء طويل، وربّما دائم في قطاع غزّة.

صحيفة "هآرتس" كشفت عمّا يسمّى بـ"رسم بيانيّ للمعارك لسنة 2025" جرى توزيعه على ضبّاط وجنود الجيش الإسرائيليّ في الخدمة الإلزاميّة وفي الاحتياط، مشيرة إلى أنّ ما يجري على الأرض يذكّر بالأيّام السابقة على خطّة فكّ الارتباط في 2005، وإنّ الحديث لا يقتصر فقط على أوتستراد محور "نيتسريم" الّذي يجري توسيعه ليصل إلى عرض 7 كيلومترات والمواقع العسكريّة الّتي يجري بناؤها حوله، وفي وقت تتحوّل فيه نقاط العبور الّتي أقيمت على امتداده بين الجنوب والشمال، من حواجز طارئة إلى معابر ثابتة شبيهة بأيّ معابر حدوديّة بين دولتين. هي عمليّة شاملة تهدف إلى تهيئة شروط بقاء الجيش الإسرائيليّ لفترة طويلة، بينها شقّ محور جديد هو محور "كيسوفيم" الّذي، وإن كان ما زال قصيرًا وضيقًا، فإنّ المحاور الأخرى بدأت بالطريقة نفسها كما تقول مصادر عسكريّة، كما يجري توسيع محور "فيلادلفيا" الّذي يصل في بعض المقاطع إلى نحو 3 كيلومترات، بينما يعارض الجيش توسيعه إلى أربعة كيلومترات كما تريد القيادة السياسيّة، لأنّ الأمر سيعني مسح أحياء كاملة في رفح عن وجه الأرض، وذلك ناهيك عن المنطقة الفاصلة بعرض كيلومتر حتّى الآن، والّتي ستمتدّ على طول الشريط الحدوديّ مع قطاع غزّة.

ويوفّر تمركز الجيش الإسرائيليّ الثابت الأرضيّة لعودة الاستيطان في غزّة، انطلاقًا من اقتران السوءين، الاحتلال والاستيطان في تشكيل بنية الاستعمار الاستيطانيّ الّتي على شاكلة إسرائيل، وفي ضوء الاستعدادات الجارية على قدم وساق لدى التيّار الاستيطانيّ النافذ في الحكومة الإسرائيليّة لتجديد الاستيطان، بما يتعدّى منطقة ما كان يسمّى "غوش كطيف" ليشمل جميع مناطق شمال القطاع.

في الوقت ذاته يتنافس سموتريتش ونتنياهو على صكّ اعتماد ضمّ الضفّة الغربيّة أو أجزاء واسعة منها، المزمّع تنفيذه تحت جناح إدارة ترامب وفريقه الافنجيلي الصهيوني الأشدّ تطرّفًا، حيث سارع نتنياهو بعد ساعات فقط من إعلان سموترتش أنّ سنة 2025 هي سنة إعلان السيادة على الضفّة الغربيّة، وعن ضرورة إعادة ضمّ الضفّة الغربيّة لجدول أعمال حكومته، عند تسلّم دونالد ترامب مهامّ منصبه في الـ 20 من كانون ثاني/ يناير القادم، قائلًا إنّ خطط الضمّ موجودة فعلًا، وسبق أن عملت عليها حكومته خلال ولاية ترامب الأولى كجزء من صفقة القرن.

وإذا كان تهجير شمال القطاع قد صار ممكنًا، ويجري على مسمع ومرأى من العالم الّذي يتفرّج منذ أكثر من عام على نكبة الشعب الفلسطينيّ الثانية دون تحريك أيّ ساكن، وهو يحبس أنفاسه بانتظار أن يشرف سموتريتش في منشأ قيم الجمهوريّة ومهد حقوق الإنسان للمشاركة في حفل داعم للجيش الإسرائيليّ، الّذي يرتكب حرب إبادة جماعيّة في غزّة، بالتزامن مع حضور ماكرون لمباراة المنتخب الإسرائيليّ في باريس.

إذا كان تهجير شمال قطاع غزّة ممكنًا، فلم يعد من المستبعد ورود تطبيق خطّة سموتريتش الخاصّة بالضفّة الغربيّة والمعروفة بـ "خطّة الحسم"، الّتي تصادر وإلى الأبد حقّ تقرير المصير من الشعب الفلسطينيّ في وطنه، وتدعو لتهجير كلّ من يصرّ على تحقيق مثل هذا الطموح من أبنائه في عمليّة تطهير عرقيّ واسعة النطاق، وتجيز فقط لمن يتنازلون عن هذا الحقّ البقاء كأفراد بنوع من الإقامة أو الإدارات المحلّيّة في إطار دولة إسرائيل الّتي تمتدّ من النهر إلى البحر، وتدعو إلى التعامل مع من يرفض الهجرة أو الإذعان بطريقة الحسم العسكريّ السريع.

في هذا السياق يكتب الصحفيّ من "هآرتس" تسفي برئيل، أنّ الفترة الحاليّة هي الفترة الأكثر ملاءمة للضمّ، في دولة لا يعرف انتقامها أيّ حدود، ومعارضة حلّ الدولتين فيها عابرة للحدود الحزبيّة والاجتماعيّة الاقتصاديّة، في دولة غير مستعدّة لوقف حرب زائدة حتّى من أجل إنقاذ مخطوفيها، لن يخرج أحد إلى الشارع لقف الضمّ.

في غضون ذلك زفّ لنا عوفري ايلانين من معهد فان لير، خبر إغلاق العديد من مطاعم الحمّص الّتي كانت تعتبر رمزًا للتعايش المزيّف بين اليهود والعرب وهو النوع من التعايش الّذي طالما حظي بالكثير من السخرية من جانبنا، فحتّى هذه المطاعم الّتي اعتمدت على الزبائن اليهود أغلقت أبوابها، بسبب استنكاف أبناء الطبقة الوسطى الإسرائيليّة عن هذه العادة ودلالاتها السياسيّة، بكلّ ما يحمله ذلك من تغيير في العلاقة تجاه العرب الفلسطينيّين في الداخل، وبدأت تلوح بشائره بسلسلة من القوانين العنصريّة الّتي تستهدف مكانتهم.

اقرأ/ي أيضًا | نتنياهو قد يستغلّ "الفترة الانتقاليّة" لضرب المنشآت النوويّة الإيرانيّة