انخفضت مستويات الجرائم العنيفة بشكل كبير في النصف الأوّل من عام 2024 في الولايات المتّحدة، وفقًا لتقرير جديد من رابطة رؤساء المدن الكبرى حسب تقرير في موقع "فوكس" VOX.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

بشكل عامّ، انخفضت الجرائم العنيفة بنسبة 6% وانخفضت جرائم القتل بنسبة 17% في 69 مدينة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. وشهدت مدينة كولومبوس في ولاية أوهايو أكبر انخفاض في الجرائم العنيفة بنسبة 41%، حسب تحليل بيانات أكسيوس. كما شهدت مدن أخرى مثل ميامي وواشنطن العاصمة وأوستن في ولاية تكساس انخفاضات كبيرة. ومن الجدير بالذكر أنّ مدينة نيويورك لم تدرج في البيانات، على الرغم من أنّ تقارير أخرى أشارت إلى أنّ الجرائم العنيفة تنخفض هناك أيضًا.

ويشير التقرير إلى أنّه من الصعب تحديد سبب الانخفاض بالضبط، والّذي يأتي بعد موجة جرائم جائحة كورونا الكبرى. قد يكون ذلك جزئيًّا بسبب السياسات الّتي تهدف إلى معالجة الجريمة على المستويات الفيدراليّة والمحلّيّة. ولكن قد يكون أيضًا مجرّد أحد أعراض حقيقة أنّ الحياة الطبيعيّة في أميركا استؤنفت بعد الوباء، أو مزيج من هذه العوامل وغيرها.

ولطالما حاول الجمهوريّون استخدام المخاوف بشأن الجريمة كأداة سياسيّة ضدّ إدارة الرئيس جو بايدن. وفي حين لا يبدو أنّ الرئيس المنتخب دونالد ترامب سيتخلّى عن استراتيجيّة الهجوم هذه، يمكن للديمقراطيّين الآن استخدام البيانات الجديدة كدفاع.

في بيان صدر عن الرئيس السابق جو بايدن حول مشروع قانون التحفيز الاقتصاديّ الّذي بلغت قيمته 1.9 تريليون دولار والّذي أقرّه الكونغرس في عام 2021، والّذي خصّص 15 مليار دولار للسلامة العامّة وجهود منع العنف، للمساعدة في خفض مستويات الجريمة، استشهد بقانون مراقبة الأسلحة الّذي أقرّه الحزبان الديمقراطيّ والجمهوريّ، والّذي وسّع نطاق عمليّات التحقّق من الّذين يقومون بعمليّات شراء الأسلحة، وشجّع الولايات على تبنّي قوانين "العلم الأحمر" لمنع الأشخاص الّذين يشكّلون خطراً على أنفسهم أو الآخرين من الحصول على سلاح. ولكن في حين أنّ هذه القوانين ربّما ساعدت، فإنّ بعض الخبراء متشكّكون للغاية في القول إن الانخفاض يرجع إلى تلك المبادرات حكوميّة.

يقول جيف آشر، الباحث في مجال الجريمة ومدير قاعدة بيانات الجريمة في "آي إتش داتاليتيكس" AH Datalytics: "أعتقد أنّه من السابق لأوانه معرفة السبب الدقيق وراء انخفاض جرائم القتل والعنف الآن. بشكل عامّ، أنا متشكّك في أنّ الإجراءات السياسيّة قد تتسبّب في ارتفاع الجريمة أو انخفاضها، وخاصّة على المستوى الفيدراليّ".

انخفاضات مرتبطة بإغلاقات الجائحة

تشير دراسة أجرتها جامعة "كامبريدج" University of Cambridge إلى أنّ الجريمة انخفضت بشكل عامّ في عدّة دول ومدن حول العالم. وانخفضت سرقة المركبات بمعدّل 39% في المتوسّط ​​في مواقع الدراسة، ووجد الباحثون أنّ القيود الأكثر صرامة على استخدام الحافلات والقطارات أثناء عمليّات الإغلاق كانت مرتبطة بانخفاضات أكبر في سرقة المركبات، ممّا يشير إلى أنّ التنقّل بين المدن عبر وسائل النقل العامّ غالبًا ما يكون شرط أساسيًّا لسرقة السيّارات أو الدرّاجات الهوائيّة مثلًا. كما انخفضت عمليّات السطو بمعدّل 28% في المتوسّط ​​في جميع المدن. ومع ذلك، أثّرت عمليّات الإغلاق على أرقام السطو بطرق مختلفة بشكل ملحوظ من مدينة إلى أخرى

كان الانخفاض هو الأدنى في جرائم القتل، حيث انخفض بنسبة 14٪ فقط في المتوسّط ​​عبر جميع المدن في الدراسة. تقول الدكتورة إيمي نيفيت من جامعة أوتريخت، "في العديد من المجتمعات، ترتكب نسبة كبيرة من جرائم القتل في المنزل. وقد يكون للقيود المفروضة على التنقّل الحضريّ تأثير ضئيل على جرائم القتل المحلّيّة. وأضافت "علاوة على ذلك، فإنّ الجريمة المنظّمة، مثل عصابات الاتّجار بالمخدّرات، مسؤولة عن نسبة متفاوتة من جرائم القتل. ومن المرجّح أن يكون سلوك هذه العصابات أقلّ حساسيّة للتغيّرات الّتي يفرضها الإغلاق".

ترى ليزا سترينجر، وهي من سكّان شيكاغو، تحسن إحصاءات الجريمة لهذا العام 2024 وانخفاضًا في سرقات السيّارات وعودة جرائم القتل إلى مستويات ما قبل الوباء. لكنّ سترينجر لا تستطيع التوفيق بين الصورة الورديّة للبيانات وما تراه خارج نافذتها في حيّ نورث مايفير في المدينة. في العامين الماضيين، حيث شهدت اقتحامًا لمتجر في الحيّ ورأت تفكيك سيّارة مسروقة وسمعت إطلاق نار في الزقاق خلف منزلها.

تقول سترينجر: "إنّه أمر محبط عندما يحاول الناس تجاهلك والتربيت على رأسك ويقولون إنّك تبالغ". وتضيف "لديك خطّة، ولكنّني أخبرك أنّ تجربتي الشخصيّة الّتي عشتها خلال العامين الماضيين كانت عكس ذلك تمامًا. لأوّل مرّة في حياتي، لا أشعر بالأمان".

يشير الخبراء إلى فجوة في الإدراك بين شعور سكّان المدن بالأمان ومخاطرهم الإحصائيّة للوقوع ضحيّة. ومع ذلك، فهي واسعة بشكل استثنائيّ في الوقت الحاليّ. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنّ العديد من الأميركيّين يتشاركون وجهة نظر سترينجر. في استطلاع عام 2023 أعرب المستجيبون عن تشاؤم أكبر بشأن الجريمة المحلّيّة والوطنيّة مقارنة بأيّ وقت مضى في تاريخ الاستطلاع السنويّ الّذي دام حوالي 20 عامًا.

ولكنّ تلك البيانات تعبّر عن مشكلة كبيرة في منطقة ما زالت المدن فيها تحاول الخروج من الوباء بعد عقود من خسارة السكّان. هنا، السلامة ليست فقط على المحكّ، بل الزخم المدنيّ أيضًا. تقول زوي كينيدي، الّتي تعمل على وقف العنف المجتمعيّ كمديرة للصحّة العامّة والسلامة في مؤسّسة فورس ديترويت غير الربحيّة، إنّ سكّان ديترويت "مستثمرون جدًّا في العودة ورؤية المدينة تعود إلى الشعور بالأهمية". ولكنّ الوباء قاطع هذا التقدّم.

يشير تقرير على شبكة "سي إن إن" الأميركية إنه لعقود من الزمان، كانت الأعمال الصغيرة في شارع فريدريك في منطقة إيرفينجتون جنوب غرب مدينة بالتيمور توفّر للجيران مأوى من العصابات والتجّار، أيّ مكان يمكنهم التجمّع فيه بأمان والتحدّث عن الموسيقى والأسرة والأصدقاء. وقبل أن يصبح عمدة، كان براندون سكوت يرتاد صالون حلاقة على بعد خطوات من تقاطع معروف منذ فترة طويلة بالمخدّرات غير المشروعة.

وقال سكوت لشبكة "سي إن إن": "كان صالون الحلاقة هو المكان الوحيد الّذي شعروا أنّهم يستطيعون القدوم إليه والتحدّث إلى أشخاص حقيقيّين وعدم الشعور بوجود شخص مستعدّ لإطلاق النار عليهم أو سرقتهم". لكن في الأشهر الأخيرة، توسّعت منطقة اللجوء.

وأضاف سكوت أنّ مكتب العمدة في ذلك الوقت، من خلال جهوده المتجدّدة للحدّ من العنف الجماعيّ، قاد في آذار/ مارس حملة للقضاء على منظّمة الاتّجار بالمخدّرات المزعومة الّتي ابتليت بها المنطقة لفترة طويلة، ودفعت العنف إلى نسب عالية في جميع أنحاء المدينة، حيث وجّهت اتّهامات إلى 12 شخصاً بتهم المخدّرات واستخدام الأسلحة الناريّة.

وقال سكوت إنّ استراتيجيّة الحدّ من العنف في العام الماضي، والّتي تهدف إلى الحدّ من حوادث إطلاق النار من خلال "التعاون المتعمّد بين إنفاذ القانون والخدمات الاجتماعيّة وأفراد المجتمع"، ساعدت في خفض جرائم القتل السنويّ القياسيّ في بالتيمور بنسبة 21٪، ومع انخفاض أكثر حدّة بنسبة 34٪ هذا العام حتّى 8 يوليو، حسب تقرير على موقع "أسوشيتد برس" عن بيانات إدارة الشرطة.

ومع ظهور بيانات مشابهة في جميع أنحاء الولايات المتّحدة، يعزو المسؤولون في بالتيمور، وكذلك في مدن بما في ذلك ديترويت وسان أنطونيو، استثماراتهم الأخيرة في استراتيجيّات مكافحة الجريمة الّتي تشمل، إلى جانب الاعتقال والملاحقة القضائيّة التقليديّة، الخدمات الاجتماعيّة والتدخّل من قبل أعضاء المجتمع الموثوق بهم والدعم بشكل جزئيّ من الأموال الفيدراليّة إلى قانون خطّة الإنقاذ الأميركيّة لعام 2021.

في الولايات المتّحدة بشكل عامّ، انخفض معدّل الجرائم العنيفة بنسبة 3٪ بشكل عامّ بين عامي 2022 و2023، وحسب بيانات مكتب التحقيقات الفيدراليّ الصادرة في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، أظهرت أيضًا انخفاضاً بنسبة 12٪ تقريبًا في جرائم القتل والقتل غير العمد، وهو أكبر انخفاض منذ عقود. وتسلّط البيانات الضوء على قضيّة سياسيّة رئيسيّة قبل انتخابات 2024، حيث يسعى كلّ من الجمهوريّين والديمقراطيّين إلى تصوير أنفسهم على أنّهم صارمون في التعامل مع الجريمة.

في حين أنّ اتّجاهات الجريمة معقّدة، مع وجود مجموعة متنوّعة من العوامل الاجتماعيّة والاقتصاديّة الّتي تساهم في أيّ تغيير ملحوظ والهجمات مع العديد من الضحايا المعرّضين لتشويه التصوّر العامّ، يروّج مسؤولو بالتيمور لاستراتيجيّة الحدّ من العنف الجماعيّ باعتبارها مفتاحًا لمحاربة المدينة للجرائم العنيفة، ودفع الحلول أكثر نحو أهمّيّة المشاركة المجتمعيّة.

عالميًّا تقع المدن العشر الأولى، حسب أعلى معدّلات الجريمة، جميعها في أميركا اللاتينيّة، إمّا في المكسيك أو فنزويلا أو البرازيل. وحسب البيانات من موقع "وورلد بابيوليشن ريفيو" World Population Review، فإنّ مدينة تيخوانا المكسيكيّة هي المدينة الأكثر عنفاً في العالم. وتقع تيخوانا على بعد 24 كلم فقط جنوب سان دييغو على الحدود بين الولايات المتّحدة والمكسيك.

وفي عام 2018، شهدت تيخوانا ما مجموعه 2640 جريمة قتل ومعدّل قتل بلغ 138 حادثة لكلّ 100 ألف شخص. وهذا يمثّل زيادة عن معدّل جرائم القتل البالغ 100 في عام 2017. عام 2019 بدأ بثلاث جرائم قتل في رأس السنة، ويرجع العنف في تيخوانا بشكل أساسيّ إلى تجارة المخدّرات المحلّيّة المتنامية، حيث يقتتل التجّار على الأراضي لبيع مخدّر الميثامفيتامين. وتواجه مدن مكسيكيّة أخرى في القائمة مشاكل مماثلة مع نفس المخدّر.

ومن الجدير بالذكر أنّ السيّاح في هذه المدن ذات معدّلات الجريمة العنيفة المرتفعة ليسوا معرّضين بشكل خاصّ لخطر أكبر من أن يكونوا ضحايا للجرائم. في الواقع، يعتبر السكّان المحلّيّون أكثر الأشخاص استهداف لهذه الجرائم.