لقد كان الفن ولا يزال هو الوسيلة المُتعددة الأوجه التي تترجم المشاعر البشرية، تسطر حروف الفرح وترسم ملامح الألم وتنشد مواويل الشجن. وعلى طول الزمان، تطور الفن وتطورت وسائلهُ. وإذا كان الفن هو انعكاس للبيئة التي يخرج منها. كان لزام عليه أن يخرج بأدوات تلك البيئة. من هذا المنطلق، هل يمكننا اعتبار الفن الروبوتي فن المستقبل القادم من الماضي؟ وعلى المقلب الآخر، هل ستكون الروبوتات المجردة من المشاعر كافية لإنتاج الفن دون تدخل الإنسان؟
نبدأ حديثنا من تعريف الفن الروبوتي -والذي ظهر منذ زمن بعيد بالمناسبة- والفن الروبوتي هو أي عمل فني يتم تنفيذهُ باستخدام التكنولوجيا الروبوتية (الآلية). في الواقع، إذا ما بحثنا في جذور هذا الفن نجد العديد من الفروع التي تتشعب عنهُ، لعل أبرزها هو فن التركيب الروبوتي. ويحاول الفنانون في التركيب الروبوتي برمجة وتركيب الآلة لتتفاعل مع مشاعر المتلقي، وتدخل الأعمال الفنية من هذا النوع ضمن تصنيف الفن الحركي.
بالعودة إلى القرن الثالث عشر، ابتكر المخترع المسلم بديع الزمان إسماعيل الرزاز الجزري العديد من الساعات المائية وغيرها من الآليات الهيدروليكية التي يمكننا اعتبارها قطع فنية روبوتية. ولخص الجزري آليات عمل أجهزتهُ الميكانيكية الفنية في كتاب معرفة الأجهزة الميكانيكية المبتكرة في عام 1206 م.
بعيداً عن سوريا (مسقط رأس الجزري) وتحديداً في أوروبا، وفي نفس الحقبة الزمنية، بنى فيلارد دي هونيكورت نماذج لـملائكة ميكانيكية للبلاط الفرنسي. وهذا يعني بوضوح أن الفن الروبوتي هو فن ضارب في القدم. بيد أن هذا الفن لم يتم إنتاجه بواسطة الروبوت. في كل مرة كان هنالك يد بشرية مبدعة تحمل مشاعر الإنسان وتمنحها للجماد لينطق. ولكن معضلتنا اليوم هي إنتاج الفن دون تدخل البشر، فن يترجم مشاعر الجماد.
الحقيقة أن الروبوتات الفنية هي مجال ناشئ من مجالات الروبوتات التي تمزج بين التكنولوجيا والإبداع. ويمكن برمجة هذهِ الروبوتات لإنشاء الفن والموسيقى وأشكال أخرى من التعبير. ولعل الفائدة الرئيسة للروبوتات الفنية هي قدرتها على توليد قطع فنية أصيلة يصعب أو يستحيل إنشاؤها يدوياً.
يمكن لهذه الروبوتات استخدام خوارزميات معقدة لإنشاء أنماط فنية عالية الدقة، والقائمون على تلك الروبوتات لا يرونها تطبيقًا رائع للتكنولوجيا فحسب، بل يجدون أنها تتحدى المفاهيم التقليدية للإبداع وتخلق معنى جديد للفنان.
وتشارك اليوم الروبوتات في الفن والترفيه بشكل متزايد. فالأذرع أو الطابعات الآلية يمكنها إنتاج المنحوتات أو اللوحات أو الأعمال الفنية الأخرى بدقة. وتساهم الروبوتات بشكل مثير للإعجاب في الفنون المسرحية. وبفضل خوارزميات الحركة المعقدة وأجهزة الاستشعار التي تمتلكها، تستطيع الروبوتات أداء رقصات إيقاعية كما تستطيع التفاعل مع فنانين آخرين.
بالإضافة إلى ذلك، تُستخدم الروبوتات بشكل متكرر لإنشاء تجارب فنية تفاعلية مع الجمهور. حيث تسمح تجارب الواقع الافتراضي مثلاً للأشخاص التفاعل مع الروبوتات ليصبحوا جزءاً من الفن. وخلال تلك التجارب تستطيع للروبوتات أو أجهزة الاستشعار البيئية أو خوارزميات الذكاء الاصطناعي اكتشاف ردود أفعال الجمهور لتجعلها جزء من الفن المقدّم. ولعل هذا النوع تحديدً من الفن هو الفن الذي سيتقبله منتقدي دخول الروبوتات إلى الفنون، لأنه ينتج عن التفاعل بين البشر والروبوت بشكل أو بآخر.
لتقريب الصورة بشكل أفضل، نستعرض فيما يلي لمحة عن أبرز الأمثلة الواقعية على بعض أنواع الروبوتات في الفن والترفيه، وهي:
أيدا هي أول روبوت بشري فنان فائق الواقعية في العالم. من ابتكار إيدان ميلر. ويمكنها الرسم والتلوين ببراعة. ليس هذا فحسب، بل يمكن لأيدا أن تنشئ أعمال فنية باستخدام ذراع آلية وكاميرا مدمجة تفحص البيئة وتلتقط الصور. ويمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي المبرمجة في أيدا بعد ذلك استخدام هذه البيانات لإنشاء رسومات ولوحات، لتتم طباعتها وعرضها في المعارض. يقول مبتكرها إيدان ميلر، أن أيدا لديها القدرة على جعل الفن أكثر شمول وسهولة في الوصول إليه، لأنها تقدم مزيج فريد من التكنولوجيا والفن تجذب فيه جمهور أوسع. ومن خلال ميزاتها التفاعلية والاجتماعية، يمكن لأيدا أن تتواصل مع الأشخاص الذين ربما لم تتح لهم الفرصة لتجربة أو إنشاء الفن، مما يفتح آفاق جديدة للإبداع والتعبير عن الذات.
DrozBot هو روبوت تم تطويرهُ بواسطة سيلفان كالينون Sylvain Calinon والذي صممهُ لتعلم مهام جديدة من خلال مراقبة وتقليد الحركات البشرية. وباستخدام تقنية تُعرف باسم (البرمجة بالعرض التوضيحي) يمكنه رسم صور فنية للأشخاص. حيث يتم التقاط الصور المدخلة بشكل تفاعلي بواسطة الروبوت نفسه. ثم يفهم الروبوت خطوة رسم الصور كمهمة تغطية لها، والتي يتم حلها بعد ذلك بواسطة خوارزمية التحكم (إرجوديك) لحساب الضربات. ويعطي الحساب الإرجوديكي لضربات الصورة مظهرًا فنيًا لها.
ديدمونة والتي تعرف أيضاً باسم "ديزي"، هي روبوت على شكل إنسان. وهو المغني الرئيسي لفرقة Jam Galaxy Band التي تم تطويرها بالشراكة مع Hanson Robotics وسنجولاريتي نت SingularityNET. تعمل ديدمونة على آلات الموسيقى والكهرباء. ويشاركها العزف على لوحات المفاتيح في فرقة Jam Galaxy Band بن جورتزل، وهو الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة SingularityNET، والرئيس التنفيذي لشركة Jam Galaxy. كما يشارك ديان كروس على الساكسفون، وترى الفرقة أن ديدمونة تسير في رحلة لمساعدة الفنانين والإنسانية على رؤية مستقبل فني أكثر إشراق.
بعيد عن العروض والقطع الفنية، يمكن أن تلعب الروبوتات دور كبير في البيئات التعليمية لإشراك الطلاب في الأنشطة الإبداعية، لتعزز بوجودها مناهج التعلم المبتكرة، وتلهم الأجيال الجديدة الاهتمام بمواضيع STEAM (العلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والرياضيات)، وبالتالي تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة ألا وهو التعليم الجيد.
على سبيل المثال، يمكن أن يعزز تطوير روبوت Ai-Da أو أيدا والمعارض التي ينظمها النهج التعليمي المبتكر ويشجع المناقشات حول دور التكنولوجيا في الفن والمجتمع، في حين يمكن استخدام DrozBot كأداة تعليمية لتعليم الطلاب حول تقاطع الفن والتكنولوجيا، وتعزيز الابتكار والإبداع.
ولا يقف دورها في تحقيق التنمية المستدامة عند هذا الحد، إذ يمكن للروبوتات الفنية أيضًا تحدي المفاهيم التقليدية للفن، لتوّفر فرص جديدة للفنانين، وغالبًا ما ينطوي تطوير واستخدام الروبوتات في الفن والترفيه على تعاون بين الفنانين والمهندسين والباحثين وأصحاب المصلحة المختلفين. ويمكن لهذه الشراكات أن تأتي بثمارها الإيجابية بسبب التعاون بين التخصصات المختلفة، وتبادل المعرفة. لتفتح المجال للتنوع والشمول في عالم الفن.
بعد كل ذلك، إن دخول الروبوتات في الفن والترفيه لن يمر دون نقاشات أخلاقية وفلسفية لا تنتهي. وذلك طبيعي حين نؤمن بأن الفن ما هو إلا تعبير خاص بالتجربة الإنسانية، وبالتالي فإن وجود الروبوتات في هذا المجال يثير تساؤلات حول توصيف هذا الفن وطبيعة الإبداع فيه. كما يثير تساؤلات أخرى حول جدلية التفاعل بين الإنسان والآلة والحد الأقصى الذي يمكن أن يصل إليه هذا التفاعل، ودور الفنان وحجمه في العمل الفني. فهل تعتقد بأن الفن المقدم من الروبوتات هو فن حقيقي؟