غادرت لينا الخليل ضاحية بيروت الجنوبية بعد بدء إسرائيل قصفا مدمّرا على المنطقة قبل حوالي شهرين، لكنها تعود كل يوم لتخوض تحدّيا يتمثل بفتح أبواب صيدليتها ساعتين تقريبا، ما لم تمنعها الضربات الجوية من ذلك.
وتصف المرأة الخمسينية الصيدلية التي أنشأها والدها في الضاحية الجنوبية في العام 1956، بأنّها "أهم من بيتي... ففيها يمكن أن تشتمّ رائحة أدوية صُنعت منذ 60 عاما".
في الكثير من الأحيان، تسارع الخليل إلى إقفال أبواب الصيدلية، عندما يصدر الجيش الإسرائيلي إنذارات للسكان للإخلاء قبل البدء بشنّ غارات.
وبات عملها يقتصر على بيع ما تبقى في الصيدلية من أدوية وسلع، بعدما نقلت 70 في المئة من موجوداتها إلى منزلها الصيفي في إحدى القرى.
وهي مقيمة حاليا داخل العاصمة، وتتوجّه يوميا إلى بلدة عاليه الواقعة على بعد حوالي 20 كيلومترا من بيروت، لإحضار أدوية تُطلب منها، وتوصلها إليهم أو يحضرون إلى الصيدلية في حال تمكّنوا من ذلك لأخذها.
وحال الخليل كما حال العديد من سكّان الضاحية الجنوبية لبيروت الذين غادروها واضطرّوا إلى البحث عن بدائل لأعمالهم أو مواصلتها بما تيسّر من قدرة أو شجاعة.
وتؤكد الخليل أنّ "الخسائر المادية كبيرة"، مشيرة إلى أنّها تعطي موظفيها حاليا نصف مرتّب، بسبب تزايد المصروف وتضاؤل المدخول.
مع استمرار الحرب، لا يزال من غير الواضح حجم الدمار الذي طال المصالح التجارية في الضاحية الجنوبية التي كان يسكنها 600 - 800 ألف شخص قبل الحرب، وفق التقديرات، وباتت شبه خالية من سكانها.
في الضاحية، كان علي مهدي خاض مغامرته الخاصة مع شقيقه محمد بعد انتهاء دراستهما الجامعية، فعملا على تطوير تجارة والدهما التي بدأها قبل 25 عاما. ووسّعا نطاقها من متجر لبيع الألبسة بالجملة إلى مستودع ومتجرين، إضافة إلى متجرين آخرين في صور والنبطية (جنوب) اللتين تُستهدفان بانتظام بالغارات في جنوب البلاد. وكل هذه المناطق تعتبر معاقل لحزب الله الذي يخوض الحرب ضد إسرائيل. لكن مهدي اضطر ليبحث عن بديل لمشروع العائلة بعد اندلاع الحرب المفتوحة بين حزب الله وإسرائيل.
ويقول الشاب الثلاثيني إنّه تمكّن بصعوبة من نقل البضائع الموجودة في المتاجر الأربعة والمستودع، إلى ثلاثة مواقع داخل بيروت وفي محيطها.
ويشير إلى أنّ عمّال النقل كانوا يرجعون من النبطية وصور، وكأنهم "عائدون من الموت" بعد سماعهم بالإنذارات للسكان لإخلاء مناطق والغارات الجوية والتفجيرات المدمّرة التي تليها.
كان يعمل لدى علي وشقيقه 70 موظفا نزح معظمهم إلى مناطق بعيدة، ما دفع الشابين إلى التخلّي عنهم. وبهدف الحفاظ على عملهما، تخلّيا عن آخرين، وباشرا بدفع نصف الرواتب لمن بقي.
ويؤكد مهدي أنّ تجارته تتمحور حاليا على "تصفية ما لدينا من بضائع"، مضيفا أنّ حركة البيع خفيفة.
وتأثر القطاع التجاري في لبنان بشدة جراء العدوان الإسرائيلي.
وفي تقرير صدر عن البنك الدولي، الخميس، تُقدّر الأضرار اللاحقة بالقطاع التجاري بحوالي 178 مليون دولار والخسائر بنحو 1,7 مليار دولار.
وتتوقع المؤسسة أن تتركّز حوالي 83 في المئة من الخسائر في المناطق المتضرّرة، و17 في المئة منها في بقية أنحاء لبنان.
ويترقّب علي مهدي المرحلة التي ستلي نفاد البضائع الموجودة لديه. ونظرا إلى عدم استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية والأمنية والسياسية، يتساءل عمّا إذا كان عليه "مواصلة الاستيراد أو الحفاظ على السيولة" التي يملكها.
ويقول بينما يجلس بين بضائع مبعثرة نُقلت إلى متجره الجديد في شارع الحمرا داخل بيروت، "هناك خسائر كبيرة".
بشكل رئيسي، يُرجع التقرير الصادر عن البنك الدولي الخسائر التي مُني بها قطاع التجارة في المناطق المتضرّرة، إلى نزوح كلّ من الموظفين وأصحاب الأعمال ما تسبب في توقف شبه كامل للنشاط التجاري وانقطاع سلاسل التوريد من وإلى مناطق النزاع والتغييرات في سلوك الاستهلاك في المناطق غير المتضرّرة، مع التركيز على الإنفاق الضروري.
وتنطبق على عبد الرحمن زهر الدين صفة الموظف وصاحب العمل والنازح، تُضاف إليها صفتان أخريان هما المتضرّر والعاطل عن العمل جراء الدمار الذي طال مقهاه في الرويس في الضاحية الجنوبية في غارة إسرائيلية.
بعدما غادر في نهاية أيلول/ سبتمبر إلى وجهة أكثر أمانا، عاد قبل أيام ليتفقّد مقهاه الذي استحال حديدا وحجارة متراكمة.
على يساره، متجر صغير لبيع أدوات خياطة تظهر من واجهته المحطّمة كُتل من الصوف على رفّ لا يزال ثابتا على أحد الجدران. وبجانبه، متجر آخر كان مالكه يصلح بابه الحديد المحطّم ليحمي ما تبقى بداخله.
يقول زهر الدين بينما يتحرّك بين أنقاض الطابق العلوي "لم تبقَ إلا الحجارة".
ويعرب ربّ الأسرة عن شعور بـ"الغصّة والحزن" جراء ما حلّ بـ"مصدر رزقه" الوحيد.
ويقول إنّه لم يبدأ بالبحث عن بديل، في ظل ارتفاع بدل الإيجار وأسعار الأثاث والمعدّات، مؤكدا أنّ الخسائر التي تكبّدها "كبيرة وقد تبلغ 90 ألف دولار".