في حيّ بوسط بغداد، تعبق رائحة الرطوبة والغبار في ناد اجتماعيّ ترفيهيّ أغلقته السلطات "فقط لأنّه يقدّم الكحول"، في إطار حملة تضيّق فيها السلطات الخناق على مستهلكي المشروبات الروحيّة في العراق.

ويعدّ استهلاك الكحول موضوعًا جدليًّا في البلد الّذي يعدّ أكثر من 45 مليون شخص من مختلف الطوائف والإثنيات.

وفي منتصف تشرين الثاني/نوفمبر، تبلّغت نواد اجتماعيّة تعمل منذ عقود في بغداد بكتاب رسميّ يحظر تقديم الكحول للزبائن، بحجّة أنّها مسجّلة كمنظّمات غير حكوميّة.

وجاء هذا الإجراء ضمن سلسلة قرارات اتّخذتها السلطات في العامين الأخيرين، تثير مخاوف من التضييق باسم صون الأخلاق في العراق حيث الأغلبيّة البرلمانيّة تميل إلى سياسات محافظة.

وأغلقت عشرات القاعات المماثلة، ما دفع بأصحابها بعضهم من الأيزيديّين إلى التظاهر بانتظام في وسط بغداد.

ويرى الرجل الأربعينيّ أنّ هذه الإجراءات "قاسية على الأقلّيّات الموجودة في العراق"، مضيفًا "تواصلنا مع كلّ الجهات في الدولة لكن لم يسمعنا أحد".

ويشير إلى أنّ ناديه كان يستقبل نحو 300 زبون كلّ ليلة و"لم يكن يتسبّب بأيّ إزعاج لأيّ كان" في محيطه المكتظّ اليوم بالقوّات الأمنيّة.

وبعدما هجر الزبائن هذا النادي تاركين وراءهم ورق لعب وطاولات طعام وأكوابًا جفّت محتوياتها، بقي موظّف واحد فقط من أصل عشرات آخرين ليحرس المكان.

أمّا الباقون "فمنهم من باع بيته أو سيّارته لسداد ديونه".

وفي 2016، صوت البرلمان العراقيّ على قانون واردات البلديّات الّذي ينصّ بمادّته رقم 14 على "حظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحوليّة بكافّة أنواعها". لكنّه لم يدخل حيّز التنفيذ إلّا مطلع 2023.

مذاك، زادت السلطات الرسوم الجمركيّة على الكحول المستوردة. ويرى بعض معارضي الحظر أنّ هذا الإجراء سيساهم في زيادة استهلاك المخدّرات.

ورغم دخول القانون حيّز التنفيذ، لا يزال شراء الكحول بحرّيّة ممكنًا في إقليم كردستان المتمتّع بحكم ذاتيّ وكذلك في السوق الحرّة في مطار بغداد الدوليّ.

ويشيع في العاصمة البيع عبر خدمات التوصيل وعبر نوافذ متاجر أرغمتها السلطات على الإغلاق بالكامل.

وفي متجر يبيع الكحول عبر نافذة صغيرة، يقول موظّف طلب عدم تسميته "إنّنا نلعب لعبة القطّ والفأر مع السلطات".

فمنذ فتح المحلّ ظهرًا حتّى إغلاقه قرابة منتصف الليل، يفتح أحد الموظّفين الثلاثة نافذة تطلّ على الشارع لكي يعلم المارّة أنّ البيع ممكن.

لكنّ الشرط الأساسيّ لنجاح العمليّة هو أن يبقى الموظّف المسؤول عن النافذة متيقّظًا لكي يغلقها عند مرور دوريّة أمنية.

ويتابع الشابّ الأيزيديّ "المجتمع منافق لأنّ المسؤولين الحكوميّين يغلقون متاجرنا لكنّهم نفسهم يأتون لشراء الكحول مرتدين لباس مدنيّة".

وليست هذه المرّة الأولى الّتي يثير فيها ملفّ الكحول جدلًا في العراق. ففي السنوات المنصرمة، قامت مجموعات مسلّحة بمهاجمة وتفجير متاجر لبيع الكحول.

وفي أيلول/سبتمبر، أوضح المتحدّث باسم وزارة الداخليّة العميد مقداد ميري لقناة "الأولى" التلفزيونيّة أنّ السلطات تقوم بغلق "حانات وصالات قمار" تراها "بؤرًا للجريمة (...) وللعصابات والمجرمين وتجّار الأعضاء البشريّة والقتلة".

وترى الباحثة في شؤون العراق في منظّمة العفو الدوليّة رازاو صالحي أنّ "سياسات الحظر لطالما أثبتت عدم فعاليّة في دول عدّة في حماية الناس من أضرار المخدّرات والكحول أو الحدّ من آثارها المجتمعيّة" لا بل "غالبًا ما تغذّي العنف والأسواق غير المشروعة والانتهاكات الحقوقيّة".

وتضيف "من غير الواضح كيف يمكن لحظر الكحول بمفرده أن يعالج مشكلة الاتّجار بالبشر الخطيرة إذا لم تتّخذ السلطات خطوات ملموسة لمنعها".