مع بداية الحرب على غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، منعت السلطات الإسرائيلية أي تواصل أو زيارات بين الأسرى الفلسطينيين وأهاليهم بما يشمل أسرى ومعتقلي هبة الكرامة من أراضي 48، وهذا في ظل السياسات التصعيدية وتضييق الخناق على الأسرى منذ بداية الحرب.
وتتقصى عائلات معتقلي هبة الكرامة المعلومات عن أبنائهم بشكل مستمر، إن كان عبر الأسرى الذي يتم الإفراج عنهم، أو عبر المحامين الذين من الممكن أن يُسمح لهم بزيارة أحد الأسرى، وهذا كلّه وسط انقطاع تام للأهالي عن أبنائهم وجهل مصيرهم وما يواجهوه والأوضاع التي يعانوا منها داخل السجن.
واعتقلت السلطات الإسرائيلية أكثر من 400 شاب على خلفية أحداث هبة الكرامة، 100 شاب منهم على الأقل قدمت النيابة ضدهم لوائح اتهام، وبحسب "حراك الكرامة" وهو إطار شبابي وطني يتابع قضايا معتقلي هبة الكرامة فإن عدد المعتقلين والأسرى يتوزع جغرافيًا على النحو التالي: 58 معتقلا في منطقة الناصرة والقرى المجاورة، 131 معتقلا في مناطق حيفا وعكا وأم الفحم، 61 معتقلا في مدينة الطيبة ومنطقة المثلث الجنوبي، 40 معتقلا في مدن يافا واللد والرملة، و107 معتقلين في النقب.
وفي حديثه لـ"عرب 48"، قال عم الأسير علاء قيم (24 عاما) من بلدة العزير شمال الناصرة، عثمان قيم، إن "آخر زيارة لعلاء كانت قبل شهر من بداية الحرب في السابع من أكتوبر، عندما كان في سجن مجيدو، مع بداية الحرب تم نقله لسجن إلى سجن النقب (كتسيعوت)، وقد حاولنا مرارا وتكرارا طلب زيارته أو أن يزوره محام، لكن كل الطلبات لاقت الرفض التام".
وتابع قيم أنه "منذ ذلك الحين ونحن لا نعرف عنه أي شيء، وضعه العام وضعه الصحي ما يأكل ما يشرب، هل أصيب بمرض الجرب الذي انتشر بذات السجن الذي هو فيه منذ أكثر من سنة! كل هذه التفاصيل غير متوفرة لدينا ومحرومون من معرفة مصير ابننا".
وأشار إلى أن "الوضع داخل العائلة صعب جدا خصوصا عند والدة علاء التي تصيبها نوبات مزمنة، بين الحين والآخر، تسبب لها انهيارا تاما، ونحن كعائلة وقع علينا هذا الحدث من اعتقال علاء وسجنه كالصاعقة خصوصا أن هذه أول حالة سجن في العائلة".
وعن تفاصيل الاعتقال والتهم الموجهة إليه، قال قيم إن "علاء اعتُقل يوم 27 أيار/ مايو 2021 عندما كان يمر عبر حاجز جبّارة، واستمر الاعتقال لشهرين وعشرين يوما، بعدها أُحيل للحبس المنزلي والإبعاد، وحُكم عليه خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2022 بالسجن الفعلي أربع سنوات وغرامة قدرها 3 آلاف شيكل، وكانت التهم الموجهة إليه اعتداء على شرطي وحرق مركز الشرطة في البلدة وحيازة زجاجات حارقة".
ومن جانبها، قالت والدة الأسير طارق كيوان من جديدة المكر بالقرب من عكا، جيهان كيوان، لـ"عرب 48" إن "آخر زيارة لطارق كانت يوم 16 أيلول/ سبتمبر 2023، أي قبل الحرب بثلاثة أسابيع، ورأيناه مرة خلال جلسة النطق بالحكم يوم 12 آذار/ مارس 2024، ومنع القاضي أن نتحدث معه وهو في قفص التوقيف لأكثر من دقيقة واحدة، ومنذ ذلك الحين لم نره ولم نتحدث معه".
وأكملت كيوان أن "المحامي استطاع زيارته أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية على فترات متباعدة، ونقل لنا صورة عامة عما يحدث داخل السجن. ابني طارق فقد نصف وزنه من 118 كيلوغراما إلى 60 - 70 كيلوغراما خلال أقل من سنة. الأوضاع داخل السجن مأساوية وقاسية، وهناك قلة في كل شيء، في الأكل والشرب، صحتهم سيئة ولا يتوفر لهم الدواء المطلوب وقد تعرض طارق لتسمم بسبب الأكل الفاسد الذي يتم تقديمه للأسرى، وبرد قارس يتسلل لأجسادهم دون بطانيات تقيهم، بالإضافة لهذا خلعت إدارة السجن الشبابيك التي من الممكن أن تحد من تسلل الهواء البارد داخل الزنزانة، وهذه تعد من أشد أنواع المعاناة التي يعاني منها أسرى سجن جلبوع في فصل الشتاء".
وعن أثر البُعد والانقطاع عن العائلة، قالت كيوان إن "ما نمر به لا يوصف، مشاعر مؤلمة جدا خصوصا وأنك تعرف أن ابنك يعيش في الجوع والعطش والبرد ودون ملابس دافئة، عندما يكون أولادك في المنزل تتفقدهم أكثر من مرة خلال ليالي البرد والشتاء، فما بالك عندما لا تعرف عن ابنك أي شيء! لكن نحمد الله على أن المحامي استطاع زيارته لأكثر من مرة وعرفنا بعض تفاصيل ما يجري داخل السجن. غالبية أهالي معتقلي هبة الكرامة لم يسمح لمحاميهم زيارة أبنائهم نهائيا، ما يشكّل ألما بالغا وحالة قلق مستمرة".
وعن قضية طارق والتهم الموجهة إليه، قالت كيوان إن "طارق متهم بإلقاء الحجارة وتخريب الإشارة الضوئية عند مفرق جديدة - المكر، هذه التُهم الرئيسية الموجهة إليه، وحُكم على إثرها بـ45 شهرا بالسجن الفعلي، وكانت النيابة قد طالبت بسجنه من 8 - 10 سنوات. عند اعتقاله في في نهايات عام 2022، وجهت النيابة إليه في البداية تُهما خطيرة جدا بأنه كان يخطط لتفجير سكة الحديد وحيازة سلاح، لكن لاحقا تم إزالة هذه التهم ولم يثبت عليه أي شيء، وأصلا هذه التُهم ننفيها بشكل قاطع ومبالغ فيها جدا خصوصا عندما تتهم شابا لم يتجاوز 20 عاما".
وقالت والدة الأسير قصي عباس (24 عاما) المحكوم بالسجن 17 عاما، رانيا عباس، لـ"عرب 48" إن "آخر مرة زُرت قصي كان قبل الحرب بشهر، ومنذ ذلك الحين لم أره نهائيا، إلا مرة واحدة وعبر الشاشة خلال جلسة النطق بالحكم يوم 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023".
وتابعت أن "المحامي قصي زار خلال هذه السنة مرة أو مرتين في سجن جلبوع، وقال بالحرف 'بضحك عليك إذا بقول وضعهم منيح'، حيث فقد قصي من وزنه الكثير، وتم مصادرة أغراضه وملابسه وباقي الأسرى، وتركوا لهذه الفترة وفصل الشتاء والبرد القارس".
ولم تتمالك والدة قصي دموعها عند سؤالها عن أثر غياب قصي عن العائلة، وقالت إنه "مشتاقون له بشكل كبير، ننتظر اللحظة والدقيقة حتى نلقاه أو نزوره أو حتى أسمع صوته، ودائما نقول الحمد لله على كل حال".
وكانت المحكمة المركزية في حيفا قد فرضت السجن الفعلي على قصي عباس لمدة 17 عاما ودفع تعويض قدره 180 ألف شيكل، بتهم عديدة أبرزها "محاولة قتل مواطن يهودي"، كذلك بـ"مخالفات وأعمال إرهابية من دوافع عنصرية"، وكانت قد طالبت النيابة العامة بسجنه لمدة تتراوح بين 24 - 29 عاما.
وقالت شقيقة الأسير محمد إغبارية من معاوية بالقرب من أم الفحم والمحكوم بـ15 عاما في السجن الفعلي، إلهام إغبارية، لـ"عرب 48" إن "آخر زيارة كانت لنا قبل الحرب بشهرين في سجن (كتسيعوت) بالنقب وحتى الآن لم نزره مطلقا، وخلال الأشهر التسعة الأولى من الحرب لم نعرف عنه أي معلومة".
وأردفت أن "المحامي زاره مرتين خلال الأشهر الماضية، ونقل لنا الصورة العامة والمعاناة التي يعيشها الأسرى، وفقد محمد 20 كيلوغراما من وزنه، وكما باقي السجون تم مصادرة أغراض وملابس الأسرى، وكميات الأكل والشرب قليلة جدا".
وعن وضع العائلة خلال هذه الفترة قالت إن "أقل كلمة ممكن أن نصف فيها الحال بأنه صعب جدا، وضع الأم الزوجة الأبناء، جميعنا مشتاقون له، وننتظر أي خبر عنه ونبحث عن الأسرى الذين يخرجون ربما يعرفون عنه شيئا. وما زال أطفاله حتى اليوم يشترون له ملابس في كل مرة يشتروا لهم، آملين أن يروه ويخرج قريبا".
ومن جهته، وصف الشيخ محمود خطيب التطورات التي شهدتها قرية العزير خلال أحداث هبة الكرامة في أيار/ مايو 2021، وقال لـ"عرب 48" إنه "في أعقاب التطورات في البلاد والقدس على وجه الخصوص خلال العام 2021 هبّت البلدات في الداخل للتظاهر في الشوارع، وكان لبلدتنا العزير نصيبا من هذه الأحداث، حتى وصلت المظاهرات لمنطقة مركز الشرطة في بلدنا وحدثت هناك صدامات مع الشرطة ما أدى لاعتقال العشرات من الشبان، حُكم وسُجن ستة منهم بعد انتهاء الأحداث".
وأكمل خطيب أن "الشبان هم، علاء محمد قيم وقد حُكم بأربع سنوات وما زال في السجن، ومعاذ وليد قيم ومجد رمزي عمر ونوح صدام عمر وقد حُكم على كل واحد منهم بسنة ونصف سجن وقد أنهوا محكومياتهم، ويوسف نضال حسين ووائل علي حسين وقد حُكم كل واحد منهما بسنة سجن وأنهيا محكومياتهما".
وعن أبرز أسباب منع السلطات الإسرائيلية الزيارات عن الأسرى الفلسطينيين بمن فيهم معتقلي هبة الكرامة، قالت المحامية غيد قاسم من الناصرة، لـ"عرب 48" إن "السلطات الإسرائيلية تريد أن يكون وضع الأسرى الفلسطينيين كما وضع المحتجزين الإسرائيليين في غزة، لذا، تمنع عنهم أي زيارات أو تواصل مع العالم الخارجي بالإضافة للأسباب الأمنية المعروفة وهي لعدم تواصل من هم داخل السجون مع الفصائل الفلسطينية في الخارج، والتي من الممكن أن تنسق فيما بينها لأي خطوات احتجاجية وأبرزها الإضرابات".
وتابعت أن "سلطة السجون ترفض زيارة المحامين لبعض الأسرى لأسباب لا توضحها في غالب الأحيان أو في حالة فرض عقاب على أسير ما. خلال السنة الأخيرة أجريت 75 زيارة لأسرى من الداخل والضفة الغربية وغزة والقدس، جميعهم يعانون من نفس أساليب التنكيل والتعذيب والتجويع والحرمان من أبسط حقوقهم مع زيادة الوتيرة على أسرى غزة".
وختمت قاسم حديثها بالقول إنه "نأمل أن يحدث تحسن مع انتهاء الحرب ووقف إطلاق النار، لكن من المؤكد أن الأوضاع داخل السجن والمستحقات التي كان يحصل عليها الأسرى لن تعود كما كانت".
اقرأ/ي أيضًا | هبة الكرامة: المحكمة تؤجل الاستماع لشهادة المعتقل عبيدة زيتاوي من زلفة