عندما ضربت أمواج تسونامي دولًا على ساحل المحيط الهنديّ في 26 كانون الأوّل/ديسمبر 2004، استغرق الأمر أيّامًا لمعرفة نطاق الكارثة في بعض المناطق، بسبب عدم توفّر وسائل اتّصال. بعد عشرين عامًا، أصبحت شبكات التواصل الاجتماعيّ قادرة على متابعة الكوارث الطبيعيّة في الوقت الفعليّ واستباق حدوثها في بعض الأحيان.
فيما كانت شبكات التواصل الاجتماعيّ لا تزال غير معروفة، كان مارك أوبرلي يحرز تقدّمًا على طريق الحداثة في العام 2004 عبر مدوّنته الّتي سمحت له بإبلاغ عائلته وأصدقائه وحتّى أشخاص غير معروفين بالنسبة إليه، عن كارثة تسونامي الّتي نجا منها.
كان هذا السائح الأميركيّ يمضي إجازته في مدينة فوكيت التايلانديّة الّتي طالتها أمواج عملاقة، كما هو حال أماكن أخرى.
ظنّ الجميع هناك أنّ التسونامي كان محلّيًّا. ولكنّ مركز الزلزال كان في الواقع في إندونيسيا بالقرب من جزيرة سومطرة.
وبلغت قوّة الزلزال 9,1 درجات على مقياس ريختر، وتسبّب في حدوث أمواج ضخمة اجتاحت السواحل وأسفرت عن مقتل أكثر من 220 ألف شخص في 14 دولة. كما تحرّكت الأمواج بسرعة قصوى بلغت حوالى 800 كيلومتر في الساعة.
ويقول أوبرلي وهو طبيب ساعد الضحايا "من خلال الرسائل النصّيّة الّتي أرسلها الأصدقاء في بلداننا، بدأنا ندرك حجم الكارثة".
ويضيف "كتبت هذه المدوّنة لأن كان هناك العديد من الأصدقاء والأقارب الّذين أرادوا معرفة المزيد. كما تلقّيت الكثير من الطلبات من مجهولين. كان الناس يائسين لتلقّي أنباء جيّدة".
في العام 2004، كان المدوّنون يعاملون على أنّهم من الروّاد إلى حدّ أنّهم حصلوا على لقب "شخصيّة العام" من قبل قناة "أي بي سي نيوز" الأميركيّة.
وكان موقع فيسبوك الّذي أطلق في وقت سابق من ذاك العام، لا يزال في مراحله الأولى.
ورغم أنّ بعض صور تسوناميّ نشرت على موقع "فليكر"، إلّا أنّها لم تنشر في وقت حدوث الكارثة كما هو الحال اليوم على منصّة إكس أو إنستغرام أو بلوسكاي.
ومؤخّرًا، قالت لورا كونغ رئيسة المركز الدوليّ للمعلومات بشأن تسونامي ومقرّه هونولولو، إنّ كارثة العام 2004 "كانت مأساة"، مضيفة "حتّى لو كنّا نعلم أنّ شيئًا ما يحدث، لم يكن بوسعنا أن نخبر أحدًا".
من جانبه، يشير جيفري بليفينس أستاذ دراسات الصحافة في جامعة سينسيناتي الأميركيّة، إلى أنّ "وسائل التواصل الاجتماعيّ كان من الممكن أن تساعد على الفور في تحديد مكان الناجين الآخرين وجمع المعلومات".
ويضيف "ربّما كان من الممكن تحذيرهم مسبقًا".
أجرى دانييل ألدريخ الأستاذ في "نورثإيسترن يونيفيرسيتي" في بوسطن في الولايات المتّحدة، مقابلات مع ناجين في منطقة تاميل نادو في الهند، أخبروه أنّه لم تكن لديهم أيّ فكرة في العام 2004 عن ماهيّة التسونامي، ولم يتلقّوا أيّ تحذيرات.
ويقول "في الهند، كان هناك حوالي 6 آلاف شخص غير مستعدّين للأمر، وغرقوا". اليوم، يبرز تناقض واضح مع العام 2004. ففي شباط/فبراير، تمّ إنقاذ طالب يبلغ من العمر 20 عامًا من تحت الأنقاض في تركيّا الّتي ضربها زلزال، بعدما نشر موقعه عبر الإنترنت.
وخلال فيضانات اجتاحت جنوب إسبانيا في تشرين الأوّل/أكتوبر، لجأ متطوّعون إلى وسائل التواصل الاجتماعيّ للمساعدة في البحث عن مفقودين.
فضلًا عن ذلك، يسمح العدد الكبير من الصور المنشورة عبر الإنترنت في فهم أسباب الكوارث الطبيعيّة بشكل أفضل.
وفي العام 2018، جمع علماء مقاطع فيديو لموجات تسونامي في مدينة بالو الإندونيسيّة قتلت أكثر من أربعة آلاف شخص، وذلك بهدف إعادة بناء مسارها والوقت المنقضي بين الموجات.
وخلصوا إلى أنّ سرعة التسونامي كانت كبيرة بسبب انزلاقات التربة تحت الماء بالقرب من الساحل.
غير أنّ انتشار شبكات التواصل الاجتماعيّ في كلّ مكان ليس خاليًا من المخاطر.
ويحذر متخصّصون من خطر نشر معلومات مغلوطة وشائعات، كما حصل خلال إعصار هيلين الّذي ضرب الولايات المتّحدة في أيلول/سبتمبر.
فقد واجهت جهود المنقذين عراقيل هناك، بسبب توتّرات مع السكّان على خلفيّة نظريّات مؤامرات تقول إنّ المساعدات تمّ تحويلها إلى مكان آخر، وتمّت التغطية على العدد الفعليّ للضحايا.
ويوضّح ألدريخ أنّ المسعفين أبلغوا عن تهديدات من قبل ميليشيات مسلّحة واضطرّوا إلى نقل بعض أنشطتهم وتكييفها.
ويخلص إلى أن "شبكات التواصل الاجتماعيّ غيّرت طريقة الاستجابة للكوارث، للأفضل وللأسوأ".