أكد ضابط كبير في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ("أمان") أنه "لم نعلم بالهجوم المتوقع" لفصائل المعارضة السورية المسلحة، "لكننا كنا مستعدين لنشر الجيش الإسرائيلي في المنطقة العازلة"، غداة سقوط نظام بشار الأسد.
وفي السنوات التي سبقت انهيار النظام السوري، تواصلت إسرائيل بواسطة واتساب مع النظام من خلال طاقم في إحدى وحدات "أمان"، التي أطلِق عليها اسم "موسى"، وكان يبعث برسائل إلى وزير الدفاع السوري، الجنرال علي محمود عباس، بعد غارات إسرائيلية ضد أهداف إيران وحزب الله في سورية، بحسب تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليوم، الجمعة.
وجاء في رسالة واتساب بعثها "موسى" إلى وزير الدفاع السوري، في يوم 29 أيار/مايو العام 2023، أنه "قبل وقت قصير هاجمنا مخازن تابعة للقيادة الجنوبية في دمشق. كذلك هاجمنا منشأة التدريبات في الضمير، التي يستخدمها عناصر وحدة الجولان، بقيادة أبو حسين، للتدريب وبناء القوة بهدف تعزيز قدرات استهداف دولتي".
وأضافت الرسالة أنه "نشدد على أننا لن نوافق على وجود الحاج هاشم وعناصره في منطقة جنوب سورية. والتعاون مع حزب الله يستهدف الجيش السوري وقواته، وأنتم ستدفعون الثمن. وأي دعم من جانبكم للمحور وحزب الله الذي من شأنه إلحاق ضرر بدولتي، سيواجه برد شديد".
وقال مصدر أمني إسرائيلي رفيع في التقرير، إن الدافع إلى إرسال "موسى" رسائل واتساب إلى وزير الدفاع السوري وعدد من المسؤولين السورين، "شمل عدة أهداف. الأول، هو أننا أردنا أن نظهر لمسؤولي حكم الأسد أن بإمكاننا الوصول بسهولة إلى هواتفهم النقالة وكتابة نصوص بسيطة وواضحة، وفظة أيضا إذا اضطررنا لذلك".
وأضاف أن "الأمر الثاني هو أن نبين لهم مدى عراهم وأنه لا يوجد أي احتمال لأن يخفوا عنا شيئا. والأمر الثالث، هو أنه أردنا أن نفسر لهم أن العمليات التي نفذناها في الليلة السابقة لم تكن عفوية، وإنما كانت دقيقة. والأمر الرابع، هو تهديدهم بأنه إذا استمر هذا الوضع فإننا سنواصل استهداف شحنات وأفراد موجودون بقربهم".
وتابع المصدر الأمني الإسرائيلي أن "الخلاصة هي أن نظهر لحكم الأسد ورئيسه أن العلاقة مع إيران وحزب الله، حتى لو عادت في الماضي بفائدة كبيرة، فإنها تحولت من ميزة إلى عيب، وأنه إذا درس ربحه وخسارته سيجد أنه يربح أقل ويتضرر أكثر".
وحسب المصدر نفسه، فإن المحاولات الإسرائيلية للتواصل مع نظام الأسد لم تكن من خلال رسائل واتساب فقط، وإنما "بُذلت جهود بواسطة قنوات سرية أحرة من أجل الوصول إلى الأسد، وليس إسرائيل فقط، وإنما الولايات المتحدة أيضا أنشأت مسارين سريين. الأول عن طريق أبو ظبي وعلاقة رئيس الإمارات، محمد بن زايد، مع الأسد، والمسار الثاني بواسطة سلطنة عُمان. وكانت الفكرة كيف بالإمكان إغراء الأسد كي يقرر مغادرة محور المقاومة، وعدم السماح بنقل أسلحة عن طريق سورية إلى لبنان".
وأشار المصدر الأمني الإسرائيلي إلى أنه بعد أن شنت إسرائيل الحرب على غزة، "رفض الأسد بشدة المشاركة فيها واهتم ألا يعمل حزب الله من هضبة الجولان. وفي نصف السنة الأخيرة كان مستعدا أن يتغاضى عن عمليات عسكرية نفذناها ضد إيران وحزب الله، وأحيانا ضد قواته أيضا، بقصف بوتيرة متصاعدة وعمليات عسكرية أخرى في بلاده".
وحسب التقرير، فإن إسرائيل نفذت محاولات عديدة من أجل "إنشاء علاقة وتأثير على الحكم في دمشق وبضمن ذلك على الأسد نفسه. وعدا رسائل واتساب التي بالإمكان الترجيح أنها وصلت إلى مكتب الأسد، حاولت إسرائيل أن تنسج ما يشبه صفقة مع الرئيس السوري، تخرجه من ’محور الشر’، بأن يتوقف عن السماح بنقل أسلحة عن طريق سورية ويقيد نشاط حزب الله والإيرانيين في بلاده، وأن يحظى في المقابل بتسهيل العقوبات واستئناف شرعيته بنظر العالم".
وبدأت تتعالى خطة التوصل إلى صفقة مع الأسد في إسرائيل في العام 2019، "وبعد 7 أكتوبر (2023) أصبحت أكثر واقعية"، حسب التقرير. "وبعد انضمام حزب الله إلى الحرب، كانوا في الجيش الإسرائيلي مقتنعون بأنه بالإمكان توجيه ضربات لحزب الله وتستهدف معظم قدراته والقضاء على قيادته. كما كانت التقديرات في الجيش الإسرائيلي أنه سيكون بالإمكان توجيه ضربات لإيران أيضا".
وكانت القناعة في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، حسب التقرير، أنه "من دون وجود إيران وحزب الله في محور المقاومة، ستتمكن إسرائيل من أن تقترح على الأسد مقترحا لن يتمكن من رفضه، وهو أن ينضم إلى الغرب ويطرد إيران وحزب الله من بلاده، مقابل إعادة الشرعية الدولية وضمانات أميركية لاستمرار حكمه".
ونقلت الولايات المتحدة رسالة إلى الأسد، جاء فيها أنه "أخرج من المحور وستحصل على تسهيلات كبيرة في العقوبات وعلى شرعية دولية، بالرغم من جرائم الحرب التي ارتكبتها ضد شعبك".
وكشف التقرير عن أنه في نهاية العام 2019، وبوساطة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، "تقرر عقد لقاء شخصي بين رئيس الموساد في حينه، يوسي كوهين، وبين الأسد في الكرملين في موسكو. وألغى الأسد مشاركته في هذا اللقاء في اللحظة الأخيرة".
وفي بداية آب/أغسطس العام 2023، أوصت دائرة الأبحاث في "أمان" بأن يتم "تطوير تفكير حيال سورية كدولة، من خلال استخدام شركاء إقليميين وتفاهمات عينية وما إلى ذلك". لكن هذه التوصية لم تخرج إلى حيز التنفيذ، لأنه بعد شهرين بدأت الحرب على غزة.