قال ناجي عباس، مدير قسم الأسرى في منظمة "أطباء لحقوق الإنسان"، في حديث لـ"عرب 48" حول رفض إسرائيل التعاون مع الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، براميلا باتين، التي تعتزم زيارة إسرائيل لتقصي الحقائق بشأن ارتكاب انتهاكات تتعلق بالعنف الجنسي ضد أسرى غزيين في معتقلاتها التابعة لمصلحة السجون والمنشآت العسكرية إن "رفض إسرائيل التعاون مع منظمات الأمم المتحدة هو إثبات على أن السلطات الإسرائيلية وحكومتها الفاشية لا تكترث ولا تهتم بالضحايا، حتى وإن كان الحديث هنا يجري أيضًا عن ضحايا إسرائيليين تعرضوا لعنف جنسي في 7 أكتوبر. وما يهم إسرائيل هو استغلال هؤلاء الضحايا من أجل الترويج لدعايتها التي تهدف إلى مواصلة حرب الإبادة على غزة".

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

وأضاف عباس أنه "حتى عندما يكون هناك ادعاء بأن من بين ضحايا العنف الجنسي إسرائيليين، فإن هذه الحكومة لا تهتم بمصلحة الضحايا من أبناء شعبها بقدر ما يهمها بث الروايات الكاذبة لتبرير استمرار الحرب. النقطة الثانية هي أن عدم السماح للمحققين الأمميين والمؤسسات الدولية بالوصول إلى هذه المنشآت ومراكز الاعتقال، وخوفهم من كشف حقيقة ما يحدث من اعتداءات على الأسرى والمعتقلين، إنما هو اعتراف ضمني وغير مباشر بوجود اعتداءات جنسية كالتي تم توثيقها وفضحها".

ناجي عباس، مدير قسم الأسرى في منظمة "أطباء لحقوق الإنسان"

وتابع عباس يقول لـ "عرب 48" أن "اليوم، لا يوجد من يتبنى الرواية الإسرائيلية، فهي لم تعد تنطلي على أحد. وعندما تطلب هذه المنظمات المحايدة وغير المسيّسة إجراء عملية تقصي حقائق مهنية لاستخلاص نتائج حقيقية ومدروسة ولها أساس، نجد أن السلطات الإسرائيلية غير معنية، وتعارض هكذا توجه. أولًا، بسبب خوفهم من فضح وتوثيق الجرائم التي ارتكبت بحق الأسرى الفلسطينيين، وثانيًا، لأنهم غير مهتمين حتى بالحقيقة التي تخدم مصلحة الضحايا الإسرائيليين الذين تعرضوا لاعتداءات من قبل مقاتلي حركة ‘حماس‘. لدى إسرائيل هدف واحد، حتى وإن استغلوا ‘معاناة‘ الضحايا الإسرائيليين، فإن هدفهم سياسي يقتضي استمرار حرب الإبادة".

معتقلون غزيون بعد إطلاق الاحتلال سراحهم من معسكرات الاعتقال (Getty images)

وعن حالة الاعتداء الجنسي الخطير الذي تعرض له أسير فلسطيني في منشأة "سديه تيمان"، قال عباس إن "السبب الوحيد الذي أدى إلى فضح هذه القضية يعود إلى الأذى الجسدي الخطير الذي نجم عن هذا الاعتداء، وهو ما استدعى نقل الأسير إلى المستشفى لتلقي العلاج. لذلك، نحن نقول إن الحالة ليست فردية، ولدى بعض المؤسسات معطيات تؤكد أن اعتداءات بالطريقة نفسها تعرض لها آخرون في المعتقلات. في بعضها تم تقديم شكاوى، لكنها لم تؤدِ إلى أي نتيجة، وفي حالات أخرى تم تهديد الضحية بعد تقديم الشكوى. وفي بعض الحالات، لم تقدم شكاوى بسبب خوف الأسرى من الانتقام منهم من قبل السجّان".

من جانبها، قالت المحامية الحقوقية، مريم عازم، مركزة موضوع المرافعة الدولية في مركز "عدالة" للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في الداخل، في حديث لـ"عرب 48" إن "إسرائيل لا تسمح ولا تتعاون مع أي جسم خارجي أو جهة دولية تطلب زيارة المنشآت العسكرية أو السجون التابعة لمصلحة السجون الإسرائيلية، من أجل تقصي الحقائق أو الاطلاع على ممارسات سلطات السجون الإسرائيلية والمعتقلات الخاضعة لسلطات الجيش. هذه المنشآت لا تشهد فقط انتهاكات جنسية بحق الأسرى، وإنما أيضًا انتهاكات إنسانية كمنع زيارة الأقارب للأسرى، ووضع عوائق أمام المحامين من لقاء الأسرى، ومنع الصليب الأحمر الدولي بشكل جارف من الاطلاع على أوضاع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين. هناك حظر كلي لأي جهة خارجية على الدخول إلى المنشآت التي يحتجز فيها الأسرى الغزيون، كمعتقل ‘سديه تيمان‘ الذي تم فيه توثيق واحدة من أبشع جرائم التعذيب الجنسي لأحد الأسرى الفلسطينيين".

المحامية الحقوقية، مريم عازم

وأضافت المحامية عازم "نحن لا نتحدث فقط عن منع الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، براميلا باتين، المعنية بمنع العنف الجنسي في حالات النزاع، والفريق المرافق لها، وإنما هناك منع جارف هدفه إخفاء كل الانتهاكات الخطيرة، ليس فقط الجنسية، وإنما أيضًا الجسدية، والحرمان من الطعام، والظروف الأخرى التي تقشعر لها الأبدان. هذه الممارسات نسمع عنها كل يوم في المعتقلات، سواء التي تخضع لمصلحة السجون، أو المنشآت العسكرية التابعة لسلطات الجيش".

وقالت المحامية عازم إن "مركز عدالة طرف في التماس قدم إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية، يتعلق بما يعرف بـ‘المقاتلين غير الشرعيين‘. هذا التماس تقوده اللجنة لمناهضة التعذيب في إسرائيل، وجاء من أجل إلغاء تعديل قانون ‘المقاتلين غير الشرعيين‘ الذي يشكل الأساس القانوني لاعتقال الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية والمعتقلات العسكرية. نحن نتحدث في هذا السياق عن آلاف المعتقلين الذين يخضعون لأوامر اعتقال بين مؤقتة وطويلة الأمد تحت تعريف ‘مقاتلين غير شرعيين‘، جميعهم من غزة. هذه الاعتقالات تشبه في جوهرها الاعتقالات الإدارية".

وحول ما إذا كان جميع المعتقلين قد شاركوا في هجوم السابع من أكتوبر، أم أن الجيش الإسرائيلي نفذ اعتقالات عشوائية في غزة، قالت المحامية عازم إننا "نعلم أن هناك عددًا كبيرًا من المعتقلين هم مدنيون، ومنهم من تم اعتقالهم ثم أفرج عنهم لاحقًا. أيضًا، في ظل غياب ‘الأساس القانوني‘ المعتمد في هذه الاعتقالات، الذي لا يتطلب أي أدلة أو إثباتات على أن المعتقل ارتكب مخالفات. هذا ‘الأساس القانوني‘ يشبه إلى حد كبير الاعتقالات الإدارية، التي لا تعتمد أي أساس قانوني يبرر الاعتقال، وحتى أن هذه الاعتقالات تأتي دون توفير أدنى وسائل الدفاع والحماية القانونية للمعتقل".

معتقلون غزيون بعد إطلاق الاحتلال سراحهم من معسكرات الاعتقال (Getty images)

وردا على سؤال "عرب 48" حول "اختفاء" غزيين ممن لم يتأكد وجودهم في المعتقلات، أو لم يعرف مصيرهم، قالت المحامية عازم: "نعم، واحدة من المعضلات التي نواجهها مقابل الجيش الإسرائيلي هي ‘إخفاء‘ أشخاص. الأساس القانوني الذي يعتمدونه يتيح لهم عزل معتقلين لمدة 90 يومًا دون إعطائهم الحق بمقابلة محامي دفاع. في هذه الحالات، لا نعرف إذا كان الشخص معتقلًا لدى السلطات العسكرية أم أنه مفقود. في كثير من الحالات، يمتنع الجيش عن إعطاء تفاصيل حول ما إذا كان يحتجز شخصًا معينًا أم لا".

وأخيرًا، قالت المحامية عازم إن "إسرائيل لا تتعاون سوى مع الجهات الدولية التي تتبنى روايتها وتسعى لإدانة الطرف الآخر بارتكاب جرائم جنسية وغيرها. هذا بالطبع يخلق جوًا من عدم النزاهة وعدم المصداقية. إسرائيل، كدولة محتلة، لا يمكنها أن تختار التعاون فقط في القضايا التي تخدم مصلحتها، أو تؤكد روايتها، وكأن المواطنين الإسرائيليين فقط هم الذين تضرروا".

وحول قيام إسرائيل بفتح تحقيقات في هذه الانتهاكات لإنقاذ نفسها من العقاب أمام المحاكم الدولية، قالت المحامية عازم إن "المدعية العسكرية الرئيسية أمرت حتى الآن بفتح تحقيق في 74 حالة أثيرت حولها شبهات بوقوع انتهاكات جنائية خطيرة بحق الأسرى والمعتقلين. 44 من هذه الحالات كانت تتعلق بموت أسرى كانوا يخضعون للتحقيق لدى سلطات الجيش".

الاحتلال يعتقل غزيين (Getty images)

وكانت إسرائيل قد رفضت قبل أيام طلب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، براميلا باتين، السماح لفريقها بالدخول إلى منشآت اعتقال فلسطينيين، من أجل التحقيق فيما إذا اعتدى جنود إسرائيليون عليهم جنسيًا.

وبرفضها، تمنع إسرائيل الأمم المتحدة من التحقيق في مزاعم حول اعتداءات جنسية ارتكبها مقاتلون في "حماس" خلال هجوم 7 أكتوبر 2023، لأن تحقيقًا كهذا يلزم إسرائيل بالسماح بإجراء تحقيق حول عنف جنسي ضد معتقلين فلسطينيين في إسرائيل.

وتجدر الإشارة إلى أن العديد من المنظمات الأممية والحقوقية كانت قد وجهت انتقادات شديدة إلى إسرائيل، واتهمتها بانتهاك حقوق الأسرى والمعتقلين. لكن إسرائيل لم تكترث لهذه الانتقادات، وفي كل مرة كانت تتهم هذه المنظمات بمعاداة السامية، وبالتالي ترفض كل دعواتها للالتزام بالقانون، بما في ذلك ما يتعلق بانتهاكات جنسية بحق الأسرى.