كان من اللافت أن يتطلب تحقيق صفقة لتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس بموجب اتفاق على وقف لإطلاق النار في قطاع غزة تعاونًا بين رئيسين أميركيين رغم التوتر الواضح بينهما، على أمل أن يمهد الاتفاق إلى إنهاء أكثر من 15 شهرًا من حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على القطاع.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

وأتى الاتفاق على هدنة ثانية في غزة ثمرة تعاون "غير مسبوق" بين فريقي جو بايدن ودونالد ترامب، بالتعاون الحثيث مع الوسيطين القطري والمصري، بحسب مسؤول أميركي رفيع المستوى كشف النقاب عن جزء مما دار في كواليس المفاوضات التي تسارعت خلال الأيّام الأخيرة.

وقال المسؤول الذي اشترط عدم الكشف عن هويّته إن مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، الجديد الذي اختاره الرئيس المنتخب لمنطقة الشرق الأوسط سافر قبل أربعة أيام إلى الدوحة حيث عقدت المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل، وساهم في "الجهد النهائي" إلى جانب بريت ماكغورك الذي يتولى هذا المنصب في الإدارة الديمقراطية التي تشارف نهايتها.

وتحدثت التقارير عن دور لافت وفعّال لمبعوث ترامب، خاصة في الضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، للرضوخ لإرادة الرئيس المنتخب والمضي قدما نحو الاتفاق؛ وأكّد المسؤول الأميركي أن هذا التعاون بين الإدارتين "لا مثيل له على مستوى التاريخ"، مشيدا بشراكة "بنّاءة جدّا ومثمرة جدّا" بين المسؤولين لدرجة تقاسم المهام.

وفي حين كان مبعوث الرئيس بايدن يشرف على المفاوضات في قطر، "أردنا تبادل وجهات النظر مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو، فذهب ويتكوف إلى إسرائيل لتولّي المهمّة ثمّ عاد"، وفق ما أفاد المسؤول الأميركي.

وبغية انتزاع الاتفاق الذي أُعلن مساء الأربعاء، تطلّب الأمر مناقشات امتدّت على مدار "18 ساعة في اليوم" أو أكثر منذ الخامس من كانون الثاني/ يناير الجاري، وفق المسؤول الأميركي الرفيع المستوى. وكشف عن مسار يتقدّم تارة ويتراجع تارة أخرى مع استئناف المفاوضات في منتصف كانون الأول/ ديسمبر بمبادرة من الولايات المتحدة وإنجاز اختراق بعد عيد الميلاد.

دور ويتكوف الحاسم

ويوم السبت، وصل ويتكوف إلى إسرائيل قادما من قطر، والتقى مع نتنياهو. وقال ويتكوف لنتنياهو، بحسب مصدر مطلع على المحادثة: "ترامب جاد بشأن هذه الصفقة، لا تدمرها". وأضاف المصدر أن ويتكوف دفع نتنياهو إلى رفع مستوى فريق التفاوض الإسرائيلي وإرسال رئيسي الموساد والشاباك إلى الدوحة مع تفويض لإتمام الصفقة، وانصاع نتنياهو.

في وقت لاحق مساء اليوم ذاته، انضم ويتكوف إلى جلسة مشاورات بين نتنياهو ورؤساء فريق التفاوض. كما شارك ماكغورك إلى الاجتماع عن بعد. خلال أكثر من ساعة، ناقش مبعوثا بايدن وترامب مع المسؤولين الإسرائيليين حدود المرونة في مفاوضاتهم بشأن الصفقة.

وقال مسؤول إسرائيلي "كانت لحظة غير مسبوقة في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، التي شهدت العديد من اللحظات الاستثنائية". وأضاف "ويتكوف مؤيد لإسرائيل في جوهره، لكنه جاء بآرائه ومواقفه. كان من الواضح الشعور بزخم ترامب في ذلك الاجتماع".

وقال مسؤول إسرائيلي آخر "لعب ويتكوف دورًا حاسمًا في المفاوضات خلال الأيام الأخيرة، ومارس الضغط نيابة عن ترامب. كان العامل الحاسم"، وشدد مسؤول أميركي على أن "كل اللاعبين المعنيين فهموا أن ويتكوف يتحدث باسم ترامب".

وتابع "رحلته إلى المنطقة أحدثت فرقًا كبيرًا. القادة في المنطقة لا يريدون بدء علاقتهم مع ترامب بشكل سيئ"؛ ومن إسرائيل، عاد ويتكوف إلى الدوحة، وانضم إلى ماكغورك لـ96 ساعة من الدبلوماسية المكثفة. وفي لحظة أخرى غير مسبوقة، "ذهب الاثنان معًا للقاء الأمير القطري الشيخ تميم".

وكما الحال في كلّ المفاوضات الديبلوماسية، "تفرض بعض المهل الزمنية نفسها، ومن بينها انتقال السلطة من رئيس إلى آخر"، بحسب ما أشار المسؤول الأميركي قبل خمسة أيّام من عودة ترامب إلى البيت الأبيض. وصرّح أن الظروف العامة التي "حفّزت هذا المجهود الدبلوماسي تمحورت على هزيمة حزب الله ووقف إطلاق النار في لبنان".

وكشف أن عدم اليقين ظلّ يخيّم على الجولة الأخيرة من المفاوضات حتّى آخر لحظة، في مبنى كان فيه وفد حماس في الطابق الأول ووفد إسرائيل في الطابق الثاني وحيث بقي الوسطاء القطريون والمصريون يصعدون وينزلون من طابق إلى آخر حتّى ساعات متأخّرة في الليل.

وعكف المفاوضون على تسوية "أدقّ التفاصيل"، سواء في قائمة الأسرى الذين ستطلق إسرائيل سراحهم، أو في ما يخصّ مواقع تمركز القوّات الإسرائيلية بعد سريان وقف إطلاق النار أو الجهود المبذولة في المجال الإنساني. وأقرّ المسؤول الأميركي الرفيع بأنه لم يتأكّد من أن الاتفاق سيبرم فعلا هذه المرّة إلا "في نهاية فترة بعد الظهر" بتوقيت الدوحة.