يتبين من خلال اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى الذي جرى الإعلان عن توقيعه فجر اليوم، الجمعة، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، تراجع عن معظم الشروط التي وضعها في جولات المفاوضات السابقة، طوال العام الماضي، بهدف عرقلة التوصل إلى اتفاق، وذلك لأسباب سياسية – حزبية وشخصية.
ويتعلق أحد الأمور التي تراجع فيها نتنياهو بانسحاب الجيش الإسرائيلي من محور فيلادلفيا. ففي بداية أيلول/سبتمبر الماضي، بعد قرار الكابينيت السياسي – الأمني أن الجيش الإسرائيلي لن ينسحب من محور فيلادلفيا، وقال مقربون من نتنياهو حينها، إنه "هناك أمور يحظر الموافقة عليها. وقد ثبت أنه عندما تصر دولة إسرائيل على مطالبها، فإن حماس تتنازل".
ولفت محلل الشؤون الاستخباراتية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، رونين بيرغمان، إلى أن "توقع نتنياهو تحقق بشكل يكاد يكون دقيق، وقد أخطأ فقط في معرفة الجانب الذي سيتنازل. فقد أصرت إسرائيل على التواجد في ممر فيلادلفيا إلى حين اضطرها شيء ما أو أحد ما إلى التنازل".
وأضاف أن البند 4/أ في الاتفاق ينص على أن "الجانب الإسرائيلي يقلص تدريجيا القوات في منطقة الممر في المرحلة الأولى استنادا إلى خرائط مرفقة وإلى الاتفاق بين الجانبين". وتصف هذه الخرائط انسحابا إسرائيليا من الغالبية العظمى لمنطقة محور فيلادلفيا، وباستثناء عدة نقاط ومحطات إنذار.
وتابع أن البند 4/ب ينص على أنه "بعد التحرير الأخير للرهائن في المرحلة الأولى، في اليوم 42، تبدأ القوات الإسرائيلية بانسحابها (الكامل من فيلادلفيا) وألا يستمر إنهاء الانسحاب بعد اليوم الخمسين"، وفقا للاتفاق الذي وقعت إسرائيل عليه.
وكان هذا أحد الشروط التي تنازلت عنها إسرائيل في مقترح الصفقة الذي قدمته في 27 أيار/مايو الماضي، وأوعز نتنياهو بإضافته مجددا إلى مقترح 27 تموز/يوليو، وذلك عندما كان الجانبان، إسرائيل وحماس، "أقرب ما يكون إلى اتفاق"، وفقا لبيرغمان.
وقد فعل نتنياهو ذلك بواسطة ما وُصف بـ"رسالة التوضيحات" التي تضمنت القليل من التوضيحات والكثير من المطالب التي عرقلت المفاوضات، والتي وصفها مسؤولون أمنيون إسرائيليون بأنها "وثيقة الدماء"، لأن عرقلة المفاوضات سيؤدي إلى موت رهائن وجنود إسرائيليين، حسب بيرغمان.
وتراجع نتنياهو في "رسالة التوضيحات" عن موافقته، في مقترح أيار/مايو، على مرور حر للمهجرين باتجاه شمال القطاع "بدون سلاح"، واشترط إنشاء نظام تفتيش للمهجرين، بينما في ملحق الاتفاق الحالي يتبين أن إسرائيل وافقت على مطلب حماس بأن يعود المهجرون "بدون سلاح" و"بدون تفتيش"، وأن تعمل شركة خاصة، بموافقة الجانبين، على تفتيش المركبات المتجهة إلى شمال القطاع.
وأزيل في الاتفاق الحالي شرط نتنياهو بأن تشغيل معبر رفح يتم بموافقة متبادلة، بدون توضيح طبيعة الموافقة، لكن ليس واضحا كيف سيعمل المعبر ومن سيشغله، "كما أن إسرائيل تنازلت ورفعت عدد مسلحي حماس الجرحى الذين سيسمح لهم بالمرور في معبر رفح ليصل إلى 50 شخصا يوميا"، وفقا لبيرغمان.
وأرفق نتنياهو بـ"رسالة التوضيحات" قائمة بأسماء 11 رهينة دون سن 50 عاما ووصفهم بأنهم "جرحى ومرضى" وطالب بالإفراج عنهم، لكن حماس لم تصفهم بهذا الشكل، ما أدى إلى عرقلة المفاوضات. وبعد ذلك قُتل رهينتان وبقي 9 رهائن من هذه القائمة.
وتراجعت إسرائيل بشكل كامل عن مطلبها بأن تفرج مقابلهم عن أسرى فلسطينيين مسنين ومرضى، وتوافق الآن مقابل التسعة رهائن على الإفراج عن 110 من أسرى حماس من المحكومين بمؤبدات، إلى جانب الإفراج مقابل كل رهينة من المجندات عن 50 أسيرا فلسطينيا، بينهم 30 أدينوا بأحكام مؤيدة و20 أدينوا بأحكام أقل وتبقى لهم 15 سنة سجن على الأقل، بحسب بيرغمان.
ووافقت إسرائيل، في مقترح أيار/مايو، على أنه مقابل الإفراج عن المواطنين الإسرائيليين، أفرا منغستو وهشام السياد، المحتجزان في غزة منذ 2014 و2015، ستفرج عن 47 من الأسرى الذين تحرروا في صفقة شاليط وأعادت إسرائيل أسرهم، والآن توافق إسرائيل على الإفراج عن 30 أسيرا فلسطينيا آخر من ذوي الأحكام المرتفعة مقابل كل واحد منهما.
وأضاف بيرغمان أن إسرائيل ستفرج عن 1000 مواطن غزي تواجدوا في إسرائيل قبل هجوم 7 أكتوبر واعتقلوا بعد الهجوم مباشرة رغم أنهم لم يشاركوا فيه.
وأشار إلى أنه تتعالى من مسودات اتفاق جرى تبادلها خلال المفاوضات في السنة الأخيرة، ومن وثائق مسؤولين من دولتين بين الوسطاء، استنتاجان واضحان. الاستنتاج الأول هو أنه كان بالإمكان توقيع اتفاق قبل نصف سنة، وربما قبل ثمانية أشهر أيضا، وكانت الخلافات صغيرة، "لكن ظهرت حينها ما يشبه فطريات سامة التي تنمو بعد المطر على شكل مطالب إسرائيلية جديدة، وردت حماس عليها بطرح مطالب جديدة، ما أدى إلى انهيار المفاوضات".
والاستنتاج الثاني هو أن "ما سمح بتوقيع الاتفاق الآن ليس تراجع حماس وإنما تراجع كبير جدا من جانب إسرائيل، وفيما نتنياهو تنازل عن معظم، إن لم يكن عن كل، الشروط التي طرحها خلال المفاوضات. وتوافق إسرائيل على الإفراج عن عدد أكبر من الأسرى الفلسطينيين وعن عدد أكبر من الأسرى ذوي الأحكام المرتفعة".
وفي ما يتعلق ببيان مكتب نتنياهو، أمس، بأنه "خلافا للتقارير الملفقة، إسرائيل باقية في فيلادلفيا حتى إشعار آخر"، أشار بيرغمان إلى أن مكتب نتنياهو يدعي عمليا أن عدم التوصل إلى اتفاق حول المرحلتين الثانية والثالثة حتى اليوم 42 من المرحلة الأولى، "يلغي تعهد إسرائيل بالالتزام بنص الاتفاق، الذي جاء فيه أن المفاوضات ستستمر بعد الأيام الـ42 الأولى، وعندها سيبدأ 42 يوما آخر، وفي اليوم الـ50 منذ بدء المرحلة الأولى إسرائيل ملزمة بالانسحاب من فيلادلفيا".