تشكّل بداية وقف إطلاق النار، الأحد، وبدء عملية تبادل الأسرى، بدايةً لإغلاق حلقة أخرى من حلقات الصِّراع الفلسطيني الصّهيوني، وفتح الباب على مصرعيه لحلقات أخرى.

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

هذا إذا استمرّ وقف إطلاق النار في المراحل اللاحقة، والأرجح أنّه سوف يستمر، رغم محاولات نتنياهو وحلفائه عرقلته حتى اللحظات الأخيرة، ومواصلة التهديد بالقضاء الكامل على المقاومة، وعدم السَّماح لحماس بإدارة القطاع، لأنّ القرار بوقف الحرب، بات في يد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي قرّر أنها يجب أن تتوقف، لأنّ لديه برامجه ورؤيته، بصفته راعي العالم والمنطقة، وليس لإسرائيل فقط.

ترامب يستعد إلى تطبيق رؤيته لحلِّ مختلف الصراعات في العالم، ومنها صراع الشّرق الأوسط عن طريق الصّفقات التي يؤمن بها، وهذا ما يعتبره تحديا له.

من ناحيتهم، فإن نتنياهو وحكومته لن يسلّموا بعودة المقاومة إلى شوارع قطاع غزة، أو أن تعيد بناء ما خسرته من عتاد وأنفاق ورجال، ولن يسلّموا بمشاهد شرطة حكومة غزّة تقوم بواجباتها في الشّوارع، وفي تسيير حياة الناس اليومية، ولن يسلموا بفشل مخطّطهم ومشروعهم الذي يطمح إلى عملية تهجير واسعة، إضافة إلى قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين.

إضافة إلى أن وقف الحرب سيفتح الباب واسعًا للتحقيق في ما حدث في أكتوبر 2023.

سوف يسعى إلى تعويض الفشل في تحقيق ما يسمونه النصر الكامل في قطاع غزة، إلى توجيه مركز الثّقل إلى الضفة الغربية والقدس.

هذا الهدف في الضفة الغربية ليس جديدًا، ولكن سوف يجري التصعيد والتسارع في تنفيذه، وقد أضافه الكبينيت ضمن أهداف الحرب.

ولهذا سوف تعتزم الحكومة التّصديق على بناء أكثر من ألفين وسبعمئة وحدة سكنية جديدة في الضفة، وبحسب مصادر "سلام إسرائيلية"، فإن الحكومة ستدفع إلى تكثيف الاستيطان، وتوطين مئات آلاف أخرى في الضفة الغربية، يرافق هذا تكثيف وزيادة أعداد القوات العسكرية، الأمر الذي يعني زيادة المواجهات وعمليات التصفية والحواجز، ومعاناة الأهالي فوق معاناتهم الحالية من اعتداءات المستوطنين عليهم وعلى أملاكهم.

وقد بدأت أذرع أمن الاحتلال بمضايقة أسر الأسرى الذين سيطلق سراحهم في هذه الصفقة إلى الضفة الغربية والقدس، والضغط عليهم، لمنع الاحتفالات والفرح بحرّيتهم، وهذا بدوره يعني صدامات واعتقالات جديدة.

الاستيطان والتكثيف العسكري وزيادة القمع، يعني بالضرورة زيادة في أعداد والضحايا، وبالتالي التّصعيد في أعمال المقاومة.

بهذا يسعى نتنياهو ووسطاء عرب، إلى دفع أبي مازن وحكومته إلى موقع وموقف حَرج جدّا، سوف يطالب بزيادة القمع ضد المقاومين "الإرهابيين"، تحت بند ما يسمى التعاون الأمني!

النتيجة هي المزيد من المواجهة بين قوات سلطة رام الله والأهالي، وهذا يحقّق حُلمًا لنتنياهو وحكومته، أي الدّفع إلى حربٍ أهلية في الضّفة الغربية والقدس بين الفلسطينيين أنفسهم، هذه المواجهة إذا حدثت لا سمح الله، سوف تقدّم له هدفه بضم الضّفة الغربية على طبق من ذهب، وستؤدي إلى هجرة واسعة كالتي يتمناها الفاشيون في إسرائيل.

نتنياهو لا يعترف بوجود شريك في رام الله إلا لخدمة المشروع الاستيطاني الإحلالي، وبعبارة أخرى يريد قوى أمن فلسطينية عميلة، وليست شريكة في أي حل، وعلى السُّلطة الفلسطينية أن تحاذر من دفع كوادرها الأمنية إلى مواجهات مع أهلهم، لأنها بهذا سوف تنهي دورها ومكانها بيدها، ولن تربح من هذا سوى الخزي والعار.

من جانبه، فإن دونالد ترامب يحمل في جعبته صفقات، منها صفقة للشرق الأوسط وإيران، وروسيا وأوكرانيا وللصّين وغيرها، وسوف يسعى إلى فرض رؤيته إلى المنطقة، بما في ذلك رؤيته في حل القضية الفلسطينية، وقضية النووي الإيراني.

قبل يومين انتشر خبر على محطة -إن، بي، سي- يزعم أن ترامب يفكّر في نقل مليون إنسان من قطاع غزة إلى إندونيسيا خلال مرحلة إعادة الإعمار، وأن هذه الدولة مستعدة لاستقبالهم، بعد رفض دول المنطقة القيام بهذا الدّور.

قد يكون هذا خبرًا كاذبًا، وقد يكون بالونًا لاختبار ردّة الفعل، وقد يكون ضمن تفكير الصّفقة الذي يميز أفكار وسياسة ترامب، أي التلويح بهذه الإمكانية لتحقيق هدف آخر واستخدامها كوسيلة ضغط على الحاضنة الشّعبية للمقاومة.

لترامب حساباته الشّخصية مع نتنياهو، ولكنّه لم يصبح صديقًا للفلسطينيين، الأمر الذي يعني بإلحاح أن الواجب الوطني على الفصيلين الكبيرين فتح وحماس الارتقاء إلى مستوى الخطر المُحدق، واستخلاص العِبر والدّروس، والسّعي إلى مصالحة وطنية حقيقية، بقناعة الطّرفين. لا يمكن إدارة شعبنا من قبل فصيل واحد دون غيره، لا فتح ومن معها قادرة على إدارة الضفة والقطاع وحدها، ولا حماس ومن معها قادرة على ذلك، فقط بارتقاء روح المسؤولية والوحدة الوطنية الشّاملة، يستطيع شعبنا أن يعزّز صموده في مواجهة التحديات الهائلة القادمة وإدارة الصراع بكفاءة تليق بتضحيات هذا الشعب.