في آخر القرارات قبل تولّيه السلطة في البيت الأبيض، قام الرئيس المنتخب دونالد ترامب بإطلاق عملة الميم المشفّرة الخاصّة به والّتي تحمل الاسم Trump. لم تحتج العملة الكثير من الوقت لتتصدّر عناوين الأخبار الخاصّة بالعملات المشفّرة والأسواق الماليّة. وارتفعت القيمة السوقيّة بسرعة شديدة إلى عدّة مليارات من الدولارات الأميركيّة.

ويأتي إطلاق العملة، في الوقت الذي يتولّى فيه ترامب منصبه رئيسًا للولايات المتّحدة.

وتمّ تنسيق المشروع من قبل شركة "سي آي سي ديجيتال" CIC Digital LLC، الّتي كانت تبيع سابقًا أحذية وعطورًا تحمل علامة ترامب التجاريّة، وتعدّ الشركة جزءًا من مجموعة ترامب. بحلول ظهر يوم السبت، بعد ساعات من إطلاقها، وصلت القيمة السوقيّة لعملة Trump إلى ما يقرب من أكثر من 12 مليار دولار وفقًا لموقع "كوين ماركيت كاب" CoinMarketCap.

وتمتلك شركة سي آي سي ديجيتال وشركة "فايت فايت فايت" Fight Fight Fight LLC، وهي شركة تأسّست في ولاية ديلاوير في وقت سابق من هذا الشهر، 80% من "الرموز الرقميّة" Tokens. وكتب ترامب على منصّته الاجتماعيّة "تروث سوشيال" Truth Social أثناء إعلانه عن العملة الجديدة مساء الجمعة "لقد وصلت عملتي الرسميّة الجديدة، ترامب! لقد حان الوقت للاحتفال بكلّ ما ندافع عنه: الفوز!".

وقال موقع العملة "تحتفل هذه الصورة المضحكة لترامب بزعيم لا يتراجع مهما كانت الصعاب" مضيفًا أنّ نحو 200 مليون من الرموز الرقميّة تمّ إصدارها وسيتمّ إصدار 800 مليون أخرى في السنوات الثلاث المقبلة. وتضمّن الإعلان إخلاء مسؤوليّة يشير إلى أنّ العملة "ليست مخصّصة لتكون فرصة استثماريّة، وليست سياسيّة ولا علاقة لها بأيّ حملة سياسيّة أو مكتب سياسيّ أو وكالة حكوميّة".

وترامب ليس الأوّل في العائلة الّذي يطلق عملة ميم رقميّة، فقد أعلن أبناؤه إريك ودونالد جونيور عن مشروعهما الخاصّ بالعملات المشفّرة العام الماضي.

اتّهامات باستغلال السياسة

ولم يخل إطلاق العملة الرقميّة من الانتقادات خاصّة أنّ ترامب، المثير للجدل، قام بالفعل بتأييد تلك العملة، على الرغم من وجود عملات أخرى باسم الرئيس الجمهوريّ المنتخب. واتّهم المنتقدون ترامب بالاستفادة من موقعه السياسيّ كرئيس للولايات المتّحدة الأميركيّة لإطلاق العملة والاستفادة من أرباحها.

وقال نيك توماينو، أحد المستثمرين في العملات المشفّرة، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعيّ "امتلاك ترامب لـ 80% من الرموز الرقميّة وتوقيت الإطلاق قبل ساعات من التنصيب هو استغلال، ومن المرجّح أن يتضرّر الكثيرون منه".

وتستخدم عملات الميم لبناء شعبيّة معيّنة لاتّجاه أو حركة تنتشر بشكل كبير على الإنترنت، لكنّها تفتقر إلى القيمة الجوهريّة وبالتالي تعدّ استثمارات متقلّبة للغاية. وتشتهر مثل هذه الرموز الرقميّة باستخدام المضاربين "للضجيج" عبر شبكة الإنترنت لرفع القيمة قبل البيع في السوق، ممّا يجعل المتأخّرين جاهزين لحساب خسائرهم مع انهيار السعر.

وحسب "أكسيوس" Axios فقد فاجأ الإطلاق المذهل لعملة ترامب صناعة العملات الرقميّة بأكملها، ويشير ذلك الانطلاق الصاروخيّ للعملة إلى نفوذ ترامب الشخصيّ وهيمنة العملات المشفّرة في إدارته، كما يشير إلى طبيعة صناعة العملات المشفّرة حيث يمكن لشخص ما أن يمتلك ببساطة 25 مليار دولار من شيء لم يكن موجودًا حرفيًّا قبل 24 ساعة، في إشارة إلى القيمة السوقيّة للعملة الرقميّة بعد إطلاقها بساعات.

وبالرّغم من أنّ ترامب كان متردّدًا في السابق بشأن العملات المشفّرة، ولكن في تحوّل دراماتيكيّ قال ترامب في مؤتمر بيتكوين في مدينة ناشفيل العام الماضي إنّ أميركا ستكون "عاصمة العملات المشفّرة على هذا الكوكب" بمجرّد عودته إلى واشنطن.

ويمتلك ترامب حصّة بقيمة 3.76 مليار دولار في "ترامب ميديا آند تكنولوجي جروب" Trump Media & Technology Group، الّتي تدير منصّة التواصل الاجتماعيّ "تروث سوشيال" Truth Social، بالإضافة إلى حصص في شركة للعملات المشفّرة وعقارات والعديد من الأصول في استثمارات أجنبيّة.

وأضاف تقرير رويترز أنّ شركة العقارات العائليّة، الّتي يديرها الآن إلى حدّ كبير نجل ترامب، إريك، تمتلك أيضًا مجموعة من الفنادق وملاعب الجولف والمنتجعات ومساحات المكاتب في مدينة نيويورك، بالإضافة إلى متاجر بيع بالتجزئة وشقق سكنيّة.

وقالت دانييل برايان، المديرة التنفيذيّة لمشروع الرقابة الحكوميّة لوكالة "بلومبرج" "إنّ عملة الميم، الّتي لا ترتبط عادة بأيّ عمل تجاريّ أساسيّ وبالتّالي فهي معتمدة على المضاربة بشكل أساسيّ للمستثمرين ومربحة بشكل كبير للمؤسّسين، تدفع الأمر إلى حدود أبعد من ذلك. يبدو أنّ هذا الأمر يقوّض بشكل كبير أيّ جهد كانت منظّمة ترامب تبذله لإثبات أنّها قلقة بشأن تضاربات المصالح المحتملة، وخاصّة عندما يتعلّق الأمر بالحكومات الأجنبيّة"

أهمّيّة العملة

يتمّ تداول عملة ترامب حاليًّا عند مستويات 72 دولارًا أميركيًّا، ويشكّل السقف المحتمل لعملة ترامب كوين موضوعًا لتكهّنات كثيرة. وفي حين أنّ التنبّؤ بسعر العملة على المدى الطويل أمر مستحيل، حيث القيمة السوقيّة لعملة دوجكوين حول 60 مليار دولار، فإنّ الحساب البسيط يشير إلى أنّه إذا تجاوزت عملة ترامب كوين دوجكوين كعملة "ميميّة رائدة"، فقد يصل سعرها إلى 100-300 دولار.

أمّا بالنسبة للمضاربين المحتملين، تشكّل عملة ترامب عمليّة معقّدة. في حين أنّ ارتباطها بالرئيس الحاليّ وأداء السوق الأوّليّ القويّ قد يبدو جذّابًا، فإنّ عملات الميم متقلّبة، وغالبًا ما تتبع مسارات غير متوقّعة. وقد يعتمد نجاح العملة على دعم كبير من المجتمع الرقميّ بقدر ما يعتمد على أيّ عوامل أساسيّة أخرى.

أمّا بالنسبة للمضاربين المهتمّين بالعملات الرقميّة، تقدّم عملة ترامب وضعًا معقّدًا وليس بالسهل. فبينما ترتبط العملة بشكل مباشر مع الرئيس الحاليّ لأقوى النظم الاقتصاديّة في العالم ودخولها سوق العملات الرقميّة بقوّة، فإنّ عملات الـ"ميم" متقلّبة جدًّا وغالبًا ما تتبع مسارات غير متوقّعة، وقد يعتمد نجاح العملة بشكل كبير على الدعم من المجتمع الرقميّ بقدر ما يعتمد نجاحها على أيّ عوامل سياسيّة أخرى.

ولعلّ الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في إطلاق عملة ترامب كوين هو توقيتها وسياقها. فمع خروج جاري جينسلر من هيئة الأوراق الماليّة والبورصات بعد سنوات من فرض قوانين صارمة على العملات المشفّرة، يطلق الرئيس القادم عملة ميم. وهذا ليس مصادفة، وربّما يكون آخر القطع في أحجيّة ترامب مع العملات الرقميّة، ليؤكّد الرئيس المنتخب مرّة أخرى أنّه الداعم الأوّل لمجتمع العملات الرقميّة بشكل عامّ.

تأثير العملة بالطبع طال الجميع، فمع ارتفاع القيمة السوقيّة للعملة قامت شركة "رايفلري" المحدودة Rivalry Limited، بإدراج عملة ترامب ليتمكّن المراهنون من استخدامها كطريقة للدفع. وتعدّ رايفلري من الشركات الرائدة في مجال المراهنات الرياضيّة والإعلام، وتقدّم مراهنات عبر الإنترنت خاضعة للتنظيم الكامل على الرياضات الإلكترونيّة والرياضات التقليديّة والكازينو. يقع مقرّ الشركة في تورنتو، وتدير فريقًا عالميًّا في أكثر من 20 دولة.

أرباح العملة بالنسبة لترامب

حسب تقرير "أ ف ب"، لم يقدّم ترامب ولا الشركة الّتي تدير الإطلاق، "فايت فايت فايت" أيّ تفاصيل حول مقدار ما حقّقه الرئيس المنتخب من الدفعة الأولى من عملات الميم الّتي تمّ إصدارها. ومع ذلك، قال الموقع الرسميّ للعملة إنّه تمّ إصدار 200 مليون عملة ميم، وسيتمّ إصدار 800 مليون أخرى على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

وبالتّالي، تشير بعض التقارير، إلى أنّ المكاسب الّتي ستعود على الشركات المرتبطة بترامب تبلغ نحو 7 مليارات دولار في الوقت الحاليّ، وسترتفع ما ارتفعت القيمة السوقيّة للعملة. وفي ظلّ الاتّجاهات الحاليّة، أشار تقرير وكالة إي إف بي إلى أنّه إذا ما أضفنا إلى ذلك العملات الّتي لم تطرح بعد في السوق، فإنّ قيمة الرمز ستبلغ نحو 24 مليار دولار بحلول عام 2028.