وسط أجواء من الحزن الممزوج بالأمل، عادت آلاف العائلات الفلسطينية النازحة إلى مدينة رفح المنكوبة جنوبي قطاع غزة، بعد أشهر طويلة من النزوح القسري الذي فرضه الجيش الإسرائيلي وعملياته العسكرية البرية منذ 6 أيار/ مايو 2024.
تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"
8 أشهر من القصف والدمار والحصار الإسرائيلي المكثف، حولت رفح إلى مدينة منكوبة، ليعود إليها أهلها وسط مشاهد كارثية تنفطر لها القلوب.
وأصبحت رفح كباقي مدن ومحافظات قطاع غزة اليوم شاهدةً على دمار هائل يروي مأساة إبادة الفلسطينيين في قطاع غزة.
فمشاهد الخراب والجثث المتحللة المنتشرة في الشوارع، إلى جانب البيوت المهدمة والبنية التحتية المدمرة، جعلت من العودة اختبارًا صعبًا لتحمل الألم والصمود.
ومنذ صباح الأحد؛ تمكنت الطواقم الطبية والدفاع المدني من انتشال جثامين 79 فلسطينيًا من تحت ركام المنازل المدمرة وشوارع مدينة رفح، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي ودخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ؛ وفق مصدر طبي.
"لم أعد أعرف منطقتي"
الشاب محمد ضهير، أحد سكان مدينة رفح، لم يستطع حبس دموعه وهو يتجول بين الحجارة المتناثرة في شوارع وأزقة المدينة.
وقال ضهير البالغ 33 عامًا بحسرة "حسبنا الله ونعم الوكيل. لم أعد أعرف منطقتي؛ معالمها تغيّرت بالكامل".
وأضاف "الدمار كبير جدًا، والجيش الإسرائيلي لم يترك شيئًا على حاله. أينما تنظر، ترى مباني وأبراجًا مهدومة وحجارة متناثرة وجثثًا متحللة".
بينما عبّر المسن سامي أبو زايد عن مشاعره المختلطة بين فرحة العودة وحزنه على الدمار والخراب، بقوله "أشعر بأنني مولود جديد اليوم بعودتي إلى مدينة رفح، السعادة غامرة ولا يمكن وصفها، رغم مشاهد الخراب التي تحيط بنا وتنغص فرحتنا".
أما الأربعيني عبد الله الصوفي، فعاد إلى مدينته مندهشًا مما شاهده، يناظر بكلتا عينيه دمار المدينة، ويقول "بعد شوق وعطش، استطعنا العودة إلى رفح الحبيبة".
ويأمل الصوفي الذي عاد على دراجة من نوع "تكتك"، أن يجد منزله قائمًا وصالحًا للسكن بعد كل هذا الدمار.
ويحاول الفلسطينيون العودة إلى منازلهم المدمرة في مختلف المناطق، واستصلاح أي جزء منه والعيش بداخله، هربًا من خيام لا تقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء، رغم التحذيرات المتكررة من جهاز الدفاع المدني والبلديات، خشية حدوث انهيارات في هذه المنازل.
"بين الفرح والحزن"
وجلست أم محمد قشطة على أنقاض أحد المنازل المدمرة في حي تل السلطان غرب مدينة رفح، بعد أن شعرت بالتعب الشديد بسبب المشي والبحث عن معالم لمنطقتها السكنية التي دمرت.
وعبرت قشطة عن إحساس مختلط بالفرح والغصة في آن واحد، بالقول "أشعر بفرحة شديدة بالعودة إلى رفح، لكنني لم أجد منزلي حتى اللحظة. كل شيء مدمّر، والمشهد يفطر القلب".
أما سمير النحال، الذي كان يجلس على عربة كارو متجهًا إلى منزله في مناطق شرق رفح، فقال "أشعر بفرحة لا توصف وشوق رهيب للعودة بعد 8 أشهر من النزوح".
وأضاف "صحيح أن المدينة مدمرة، لكننا سنعيد بناءها وسنرفع العلم الفلسطيني فوق مبانيها مجددًا".
وقاطعه الشاب نعيم زعرب الذي جلس بجانبه، معبرًا هو الآخر عن مشاعر الألم وهو يشاهد الدمار "قلبي يبكي دمًا على ما أراه. المناظر تقطع القلوب، والأمر فوق التصور".
"أسئلة بلا إجابات"
ووسط مشاهد الخراب والدمار، طرحت سميرة أبو نقيرة، تساؤلات تعكس الواقع المؤلم "أين سنذهب؟! أين سنعيش؟! وماذا سنفعل وسط هذا الدمار الكبير؟!".
وتضيف "الحرب لم تكن ضد المقاومة الفلسطينية فقط، كما زعم الجيش الإسرائيلي بل كانت ضدنا جميعًا كشعب مدني أعزل".
أما منير العطار، فقد وجد أن معالم منزله تغيّرت كليًا. وقال بحسرة "شعرت لوهلة بأن المنزل تحرك من مكانه من شدة القصف الذي تعرضت له المنطقة".
وأضاف بألم وحزن شديدين "تمنيت لو لم أعد اليوم إلى رفح لرؤية هذا الواقع المأساوي".
"مدينة منكوبة"
وأعلن رئيس بلدية مدينة رفح أحمد الصوفي خلال مؤتمر صحفي الأحد، أن رفح أصبحت رسميًا مدينة منكوبة بسبب الدمار الهائل الذي خلّفته العمليات العسكرية الإسرائيلية.
وأوضح الصوفي أن الأضرار تجاوزت إمكانيات البلدية، إذ تم تدمير جزء كبير من البنية التحتية بما في ذلك شبكات المياه والكهرباء والطرق، إضافة إلى آلاف المنازل والمرافق العامة. وقال "رفح تواجه مأساة إنسانية تتطلب استجابة عاجلة".
وتُعد هذه المرة الأولى التي يتمكن فيها الفلسطينيون من دخول وسط مدينة رفح جنوب قطاع غزة منذ بدء العملية العسكرية البرية الإسرائيلية في 6 أيار/ مايو 2024.
وتأتي عودة النازحين وسط آمال بأن يساهم اتفاق وقف إطلاق النار في تهدئة الأوضاع، وفتح الباب أمام جهود إعادة الإعمار وعودة الحياة إلى طبيعتها تدريجيًا في قطاع غزة الذي يعاني من دمار واسع النطاق جراء حرب الإبادة الإسرائيلية.