بعد أكثر من 15 شهرًا من إبادةٍ جماعيةٍ ارتكبها الاحتلال الإسرائيليّ في غزة، يبدو القطاع وكأنه خرج لتوّه من زلزالٍ مدمّرٍ وفق وصف الفلسطينيين، جراء الدمار الهائل في المباني والمنشآت والشوارع.
فالدمار الذي طال البنى التحتية، من منازلٍ ومبانٍ ومنشآتٍ وشوارعٍ وشبكات المياه والصرف الصحيّ، كان غير مسبوقٍ.
هذا الدمار الذي أوقفه اتفاق وقف إطلاق نارٍ دخل حيّز التنفيذ بين حركة حماس وإسرائيل صباح الأحد، بعد أيامٍ من إعلان التوصل إليه بوساطة الولايات المتحدة ومصر وقطر، خلّف واقعًا إنسانيًا قاسيًا.
ووفق آخر إحصائيات المكتب الإعلاميّ الحكوميّ، الثلاثاء، فإن الجيش الإسرائيليّ ألقى 100 ألف طنٍّ من المتفجرات على القطاع، ما تسبب بتدمير نحو 88 بالمئة من البنى التحتية بما يشمل المنازل، وشبكات المياه، والصرف الصحيّ، والكهرباء، والاقتصاد.
وتزيد تكلفة الخسائر الأولية المباشرة لحرب الإبادة عن 38 مليار دولارٍ أميركيٍّ، وفق ذات المصدر.
ومن المقرر أن تستمرّ المرحلة الأولى من الاتفاق مدة 42 يومًا، يتمّ خلالها التفاوض لبدء مرحلةٍ ثانيةٍ، ثمّ ثالثةٍ.
وبين 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، و19 كانون الثاني/ يناير الجاري، خلّفت الإبادة الإسرائيلية أكثر من 157 ألف قتيلٍ وجريحٍ من الفلسطينيين، معظمهم أطفالٌ ونساءٌ، وما يزيد على 11 ألف مفقودٍ، وإحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
إسكان ومنشآت
ووفق بيان المكتب الحكوميّ، فإن الجيش الإسرائيليّ دمّر 161 ألفًا و600 وحدةٍ سكنيةٍ بشكلٍ كليٍّ، وحوّل 81 ألف وحدةٍ سكنيةٍ لغير صالحةٍ للسكن، فيما دمّر 194 ألفًا بشكلٍ جزئيٍّ.
كما طال الدمار نحو 216 مقرًا حكوميًا، و42 منشأةً وملعبًا وصالةً رياضيةً، بحسب البيان.
إلى جانب ذلك، فقد دمّرت إسرائيل 137 مدرسةً وجامعةً بشكلٍ كليٍّ، و357 مدرسةً وجامعةً بشكلٍ جزئيٍّ.
وقال البيان إن عدد المساجد المدمّرة كليًا بلغ نحو 832 مسجدًا، مقابل 158 مسجدًا تم تدميرها بشكلٍ بليغٍ وبحاجةٍ إلى إعادة ترميمٍ.
أما الكنائس التي استهدفها الجيش الإسرائيليّ ودمّرها، وفق البيان، بلغت 3، فيما دمّر 206 مواقع أثريةٍ وتراثيةٍ.
ودمّر الجيش نحو 19 مقبرةً بشكلٍ كليٍّ وجزئيٍّ، من أصل 60 مقبرةً موزعةً على أنحاء القطاع.
قطاع المياه
طال الدمار الإسرائيليّ على مدار أكثر من 15 شهرًا شبكات المياه في محافظات القطاع الخمس، حيث دمّر الجيش نحو 330 ألف مترٍ من شبكات المياه، وفق المكتب الحكوميّ.
هذا الدمار رافقه قطع إسرائيل إمدادات المياه عن القطاع منذ أول أيام حرب الإبادة، حيث أعلن وزير الدفاع الإسرائيليّ يوآف غالانت آنذاك فرض حصارٍ كاملٍ على القطاع، قائلًا: "لن تكون هناك كهرباء، ولا طعامٌ، ولا مياهٌ، ولا وقودٌ، كلّ شيءٍ مغلقٌ".
وبذلك اتبعت إسرائيل سياسة تعطيش الفلسطينيين، ما تسبب بإصابتهم بمضاعفاتٍ صحيةٍ خطيرةٍ أدت لوفاة الآلاف منهم، وفق تقريرٍ أصدرته "هيومن رايتس ووتش" في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2024.
وقالت المنظمة الحقوقية: "السلطات الإسرائيلية تتعمد حرمان المدنيين الفلسطينيين في غزة من المياه الكافية منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ما أدى على الأرجح إلى وفاة الآلاف، وبالتالي ارتكبت الجريمة ضدّ الإنسانية المتمثلة في الإبادة، كما ارتكبت أفعال الإبادة الجماعية".
وأشارت إلى أن إسرائيل أوقفت ضخ المياه إلى غزة ثم قيّدت ذلك لاحقًا، وعطّلت معظم البنية التحتية للمياه والصرف الصحي في غزة بقطع الكهرباء وتقييد الوقود، كما منعت دخول جميع المساعدات المتعلقة بالمياه، بما فيها أنظمة التنقية والخزانات ومواد إصلاح البنى التحتية.
ووفق تقريرٍ لسلطة المياه الفلسطينية نشرته في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، فإن كميات المياه في القطاع انخفضت بنسبة 30-35 بالمئة عمّا كانت عليه قبل الإبادة.
ويعتمد القطاع على ثلاثة مصادر رئيسيةٍ للمياه:
الآبار الجوفية: يضم القطاع مئات الآبار، دمّر الجيش الإسرائيليّ منها وأخرج عن الخدمة نحو 717، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.
محطات التحلية الثلاث: محطة الشمال بطاقة إنتاجيةٍ قبل العدوان قدرت بنحو 10 آلاف متر مكعب يوميًا، والوسطى بطاقة إنتاجية 5 آلاف و500 متر مكعب يوميًا، ومحطة الجنوب بطاقة إنتاجية 20 ألف متر مكعب يوميًا، وفق سلطة الطاقة.
تعطل عمل محطتين بشكل كامل، بينما عملت الثالثة بشكل جزئي وبقدرة إنتاجية لا تتجاوز 5 بالمئة بسبب نفاد الوقود اللازم لتشغيلها في ظل انقطاع التيار الكهربائي.
المياه المشتراة من شركة "ميكروت" الإسرائيلية: تشمل 3 وصلات شمال غزة ووسطها وجنوبها، حيث كانت تزود القطاع بنحو 52 ألف متر مكعب يوميًا. قطعت إسرائيل هذه الإمدادات في أول أيام الحرب، لتعيدها بشكل مقيد وجزئي بعد اتفاق الهدنة الأول في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023.
شبكات الصرف الصحي
لم تكن شبكات الصرف الصحيّ بمنأى عن الدمار الإسرائيليّ، حيث وثق المكتب الإعلامي الحكومي بغزة تدمير إسرائيل لنحو 655 ألف مترٍ من شبكات الصرف الصحي في القطاع.
هذا التدمير تسبب بتوقف شبه كاملٍ لخدمات الصرف الصحي، ما أدى إلى تسرب المياه العادمة للمناطق المأهولة بالسكان، فضلًا عن تصريف أجزاء منها باتجاه البحر.
القصف الإسرائيليّ والتفجير والتجريف للشوارع تسبب بتدمير شبكات المياه والصرف الصحي، وتسرب المياه العادمة للعديد من آبار المياه الجوفية، وفق مسؤولين فلسطينيين.
وفي مواسم الأمطار، عانى الفلسطينيون من تدفق مياه الأمطار المختلطة بمياه الصرف الصحي إلى الخيام ومراكز الإيواء وفي الشوارع العامة، وغرق العديد منها.
ومع نقص المياه وجراء هذا التلوث، أصيب فلسطينيون بأمراض معدية جراء انعدام سبل النظافة، من بينها أمراض معوية وجلدية، حيث قدر المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إصابة نحو مليونين و136 ألف فلسطيني بأمراض معدية (لم يوضحها) نتيجة النزوح.
فيما أصيب نحو 71 ألفًا و338 فلسطينيًا بعدوى التهابات الكبد الوبائي، وفق ذات المصدر.
شبكات الكهرباء
حرب الإبادة الجماعية طالت أيضًا قطاع الطاقة في غزة، حيث ترك الفلسطينيون على مدار أكثر من 15 شهرًا في ظلام دامس، إلا بما وفّرته ألواح الخلايا الشمسية التي نجت من القصف الإسرائيلي.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن الجيش الإسرائيلي دمّر نحو 3 آلاف و680 كيلومترًا من شبكات الكهرباء في القطاع.
وفي 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قالت سلطة الطاقة والموارد الطبيعية إن أكثر من 68 بالمئة من شبكات الجهد المتوسط والمنخفض والنقل تعرضت لأضرار فادحة.
وقالت إن 70 بالمئة من مباني سلطة الطاقة وشركة التوزيع في غزة تم تدميرها، و90 بالمئة من المستودعات والمخازن.
وأشارت إلى أن الإبادة أدت إلى تضرر نحو 830 كيلومترًا من شبكات الجهد المتوسط والنقل، ونحو 2700 كيلومتر من شبكات الجهد المنخفض. كما دمّرت أكثر من ألفين و105 محولات لتوزيع الكهرباء في القطاع.
عطّلت إسرائيل في أول أيام الحرب إمدادات الكهرباء الواصلة للقطاع، والتي كانت تقدر بنحو 120 ميغاوات. بينما تسبب منع دخول الوقود بتوقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بعد نفاد المخزون لديها.
وفي ظل هذه المعاناة، تعمد الجيش الإسرائيلي خلال الحرب استهداف ألواح الطاقة الشمسية التي كانت تعلو منازل الفلسطينيين والمنشآت العامة كبديل عن التيار الكهربائي.
وأفاد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في أيلول/ سبتمبر 2024، بأن القطع التعسفي للتيار الكهربائي تسبب بتوقف مستشفيات ومراكز صحية عن العمل عدة مرات لعدم وجود بدائل، ما أدى إلى تسجيل حالات وفاة نتيجة توقف الخدمات الصحية بسبب انقطاع الطاقة.
كما أثّر ذلك على عملية تخزين الأدوية والدم والمستلزمات الطبية، وأدى إلى استخدام التعطيش كأداة حرب، حيث حرم انقطاع التيار وصول مياه الآبار الجوفية للمواطنين وأوقف عمل محطات التحلية، وفق المرصد.
الشوارع والمواصلات
منذ بداية الإبادة، تعطلت المواصلات العامة في قطاع غزة بسبب نفاد مخزون الوقود ومنع إسرائيل دخوله إلى القطاع.
كما تسببت الهجمات الإسرائيلية الجوية والبرية بتدمير الشوارع والطرقات، ما أفضى اليوم إلى صعوبة في مرور المركبات التي عادت للعمل بعد سريان وقف إطلاق النار.
إلى جانب ذلك، جرفت آليات الجيش شوارع وطرقات في أنحاء مختلفة من قطاع غزة، حيث قال المكتب الإعلامي الحكومي إن إجمالي ما تم تدميره من شبكات الطرق والشوارع بلغ نحو مليونين و835 ألف متر طولي.