كهيئة أصحاب الكهف بشعرٍ ولحية كثيفين وثياب رثّة، خرج الغزي، صابر انصيو، من بين أكوام الركام الذي يسد أزقة مخيم جباليا شمال القطاع ليفاجأ بأفواج النازحين العائدين الذين علم منهم خبر وقف إطلاق النار بغزة.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

الرجل الخمسيني جلس على كرسي صغير أمام منزله المدمر في حي الفالوجا غرب المخيم، يحدق النظر مصدومًا بأفواج العائدين الذين يمرون حوله وكأنه لا يصدق ما يرى.

الآثار المأساوية لما يزيد عن 3 أشهر من عملية إسرائيلية مكثفة بالشمال منذ 5 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، انعكست على وجه الخمسيني ونظراته حيث ما زالت أصوات انفجارات الروبوتات المفخخة عالقة في ذهنه فيما لا يفارق ضجيج تحركات الآليات الإسرائيلية مسمعه، وفق ما قال.

ومع عودة النازحين، كأنما عادت الحياة إلى المخيم الذي ما زالت مشاهد الموت حاضرة فيه من خلال جثامين القتلى التي تملأ الشوارع والطرقات.

وأمضى الخمسيني انصيو ما يزيد عن 3 شهور بحالة من العزلة التامة عن العالم الخارجي ووحيدًا بلا قريب يؤنس وحشته وسط عملية عسكرية تتعرض لها محافظة الشمال خلال الإبادة.

قصته مع الحصار

يروي انصيو في حديث لمراسل وكالة "الأناضول" أنه بقي محاصرًا وحيدًا في منزله طيلة الشهور الثلاثة بين القصف.

وذكر أنه قضى شهور الاجتياح وحيدًا دون أهله أو جيرانه، الذين نزحوا في الأيام الأولى.

وأوضح أنه اعتمد في زاده خلال تلك الفترة الطويلة، على كميات قليلة من الدقيق والطعام كانت بحوزته قبل بدء الاجتياح الإسرائيلي، الأمر الذي ساعده على الصمود والبقاء حيًا.

ونظرًا لوحدته، عكف انصيو على صناعة الخبز بنفسه من خلال عجن الدقيق وخبزه والاقتيات به مع القليل من المياه ليتغلب على صعوبة الأوضاع التي كان يعيشها.

وعن وقف إطلاق النار قال إنه "لم أكن أعلم بالتوصل إلى اتفاق لوقف الحرب.. علمت من خلال الناس العائدين إلى المخيم".

أوقات عصيبة

وعن أهوال الحرب التي عايشها انصيو وهو في حالة عزلة تامة، قال إنه قضى أوقاتًا عصيبة "تقشعر لها الأبدان".

وأضاف: "لك أن تتخيل كيف لشخص أن يبقى وحيدًا ثلاثة أشهر، تحت القصف الشديد والنسف والتفجير بالقرب منه، وإطلاق القذائف وارتقاء العديد من الشهداء في كل مكان".

لكنه استدرك بالقول إنه عاش 53 عامًا من حياته حيث رأى فيها الكثير من المصاعب ما ساعده على أن يكون "قويًا ويتحمل تلك الفظائع".

وأوضح أنه حاول التأقلم مع هذه الأوضاع خلال الشهور الثلاثة الماضية حيث لم يفكر أبدًا بالنزوح من الشمال، رغم كل ما جرى حوله.

واستكمل قائلاً: "صبّرت نفسي كثيرًا لكن هذا أمر الله وقدره النافذ والحمد لله".

توقف الحرب

خرج انصيو من مكان تواجده لتفقد الأوضاع مستغربًا صمت أصوات الانفجارات وضجيج الطائرات الحربية وسط تسلل أصوات مرتفعة لبعض الأشخاص في وقت غاب فيه تواجد الناس عن المنطقة منذ أشهر.

وقال إنه رجح في بداية الأمر أن ما يحدث هو انسحاب إسرائيلي وانتهاء العملية العسكرية في مخيم جباليا، لكن دون توقف للحرب.

واستدرك قائلاً، إنه حينما خرج للشارع كي يسأل ماذا يحدث، فوجئ بإبلاغه انتهاء الحرب بشكل كامل.

وآنذاك تملك انصيوا "شعور غريب" فور سماعه الخبر: "أول شيء شكرت الله على إنهاء المعاناة، وأنني بقيت على قيد الحياة".

وقال بصوت غلبته الدموع إنه "أكرمنا اللّٰه بالصمود في وجه الغطرسة الإسرائيلية، ومن خلفه العالم الظالم، وتحدينا آلة البطش والقتل الإسرائيلية.. فالحمد لله أولاً وأخيراً".

وعبّر انصيو عن أمله بأن يتمكن الفلسطينيون في غزة من تجاوز آثار ما حل بهم قريبًا، وأن يتمكنوا من العيش بحرية وكرامة.

ومع بدء سريان وقف إطلاق النار بدأ النازحون الغزيون في مختلف أنحاء القطاع العودة إلى منازلهم، باستثناء العودة من جنوبه إلى شماله حيث من المقرر أن تبدأ هذه الخطوة في سابع أيام الاتفاق، أي مع انصرام هذا اليوم، السبت.

اقرأ/ي أيضًا | غزة في اليوم الـ7 لوقف النار: عناصر القسام وسرايا القدس يستعدون لتسليم المجنّدات الإسرائيليات