مع استمرار العملية العسكرية في مدينة جنين ومخيمها شمالي الضفة الغربية المحتلة لليوم التاسع على التوالي، يقول نازحون فلسطينيون إنهم يعيشون أوضاعا مأساوية أصعب مما عاشوه في العام 2002، إبان معركة مخيم جنين.
وفي ذلك التاريخ، وتزامنا مع انتفاضة الأقصى، "شنت إسرائيل عملية عسكرية على المخيم ذاته، ودمرته، لكن تل أبيب وخلال العملية العسكرية في المخيم حاليا هجرت أغلب الفلسطينيين هناك، وهذا ما لم يحدث في 2002"، وفق الخبير في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية أحمد أبو الهيجاء، في تصريحات اليوم الأربعاء.
وروى نازحون في أحد مراكز الإيواء في مدينة جنين، أن الجيش الإسرائيلي أجبرهم على ترك منازلهم، فاضطروا للانصياع لأوامره خشية على حياة أطفالهم، وسط تدمير بنى تحتية وهدم منازل.
وفي وقت سابق الأربعاء، نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، عن مصدر عسكري لم تسمه، قوله إن "حوالي 60 مبنى في المخيم هُدِمَت خلال أسبوع".
وأضافت الصحيفة أنه "في جولة في مخيم جنين للاجئين، كان الدمار واسع النطاق، والمخيم الآن في حالة خراب".
وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا"، إن الجيش الإسرائيلي هدم خلال عدوانه على مخيم جنين نحو 100 منزل، فيما أحرق منازل أخرى، وأجبر معظم الفلسطينيين على الرحيل".
وفي تصريحات سابقة، قال رئيس بلدية جنين، محمد جرار، إن عدد مَن هجرتهم إسرائيل "يصل إلى نحو 3 آلاف و200 أسرة فلسطينية بإجمالي نحو 15 ألف نسمة، في حين لا تتوفر معلومات دقيقة عن عدد من انقطعت بهم السبل". لكنه استدرك أن تقديرات بعض المؤسسات المحلية تشير إلى وجود "نحو 70 حالة إنسانية، وعائلات فلسطينية ما زالت داخل المخيم بحاجة إلى تدخل عاجل لإخراجها".
وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي "ينكل بكل من يجده داخل منزله، ويجبره على مغادرة المخيم".
ومنذ 21 كانون الثاني/ يناير الجاري، يواصل الجيش الإسرائيلي عمليته العسكرية في مدينة جنين ومخيمها، وخلفت العملية 17 قتيلا فلسطينيا، و50 مصابا حتى ظهر الأربعاء، بحسب مصادر رسمية فلسطينية.
أعداد كبيرة من النازحين
وفيما يتعلق بأوضاع النازحين، قال رئيس جمعية رعاية الكفيف ياسين أبو سرور، بينما كان يتفقد أحوال مركز للجمعية، إن نحو 85 نازحا في المركز "أجبروا على ترك منازلهم من مخيم جنين (من قبل الجيش الإسرائيلي)".
وأضاف أبو سرور أنه "وصلتنا أعداد كبيرة لا يمكن استيعابها، فهذا المكان مخصص لعدد محدد، ووضعنا كل عائلة في غرفة، حتى اكتملت القدرة على الاستيعاب".
أما بقية العائلات الفلسطينية، "نزحت إلى البلدات المجاورة حيث المعارف والأقارب"، وفق رئيس الجمعية.
وتابع أبو سرور: "تقدم الجمعية الطعام والشراب للنازحين، وفي ملعب معشب تقدم فتيات فقرات ترفيهية لأطفال المخيم، وهناك تبرعات من أهل الخير".
شهادات
بدوره، قال النازح الفلسطيني من شارع مهيوب بمخيم جنين، يوسف شريم، إنه منذ 64 يوما خارج منزله جراء العملية العسكرية للأجهزة الأمنية الفلسطينية، والتي تبعتها عملية الجيش الإسرائيلي.
وأضاف شريم وهو والد لأسيرين وشهيد، أنه "نعيش، اليوم، حالة أصعب مما عشناها في معركة مخيم جنين عام 2002، هذا الاجتياح أوسع، وغالبية الفلسطينيين طردهم الجيش الإسرائيلي من المخيم".
ولفت إلى أنه لا يعلم شيئا عما يجري في المخيم، ولا يعرف مصير منزله، بسبب الحصار الإسرائيلي المطبق.
ويعيش شريم حالة ترقب، ويقول إن "ما جرى في غزة (الإبادة الإسرائيلية) شيء مروع، ولكن إسرائيل تفعل بمخيم جنين أمرا كبيرا أيضا".
وأعرب عن تخوفه من أن يكون الدمار كبيرا في المخيم، مبررا ذلك بالقول إن "كل حياتي في المخيم، فيه أسست عائلتي ولا بديل عنه".
وعلى مقربة منه، تتفقد السيدة الفلسطينية، أم رامي، بعض الملابس التي وفرتها مؤسسات إغاثية، وتقول إن "ما جرى صعب للغاية، بقينا في المنزل لخمسة أيام، ثم طلب الجيش الإسرائيلي منا الخروج، وأجبرنا تحت ضغط عدم توفر المياه والطعام والكهرباء على النزوح".
وعن طريق النزوح، أضافت السيدة أنها أجبرت وعائلتها على السير مشيا في طرقات دمرتها جرافات إسرائيلية وصولا للمدينة.
وتابعت في وصف تلك المأساة: "في الطريق كان كل شيء مدمرا، وأجبرنا الجيش الإسرائيلي على الخروج من الجهة الغربية للمخيم".
وبينت أن القوات الإسرائيلية دققت في هويات النازحين، واعتقلت شبانا فلسطينيين بعد أن نكلت بهم أمام عيون المارة.
ونزحت أم رامي عدة مرات منذ 2002، ولكنها تقول إن "الوضع هذه المرة مختلف، لأن الجيش الإسرائيلي يدمر كل شيء".
ويقع المركز الذي تقطنه أم رامي على تل مقابل لمخيم جنين، وفي هذا السياق قالت إنه "من هنا نسمع أصوات الانفجارات، ودخان الحرائق في المنازل جراء العملية العسكرية الإسرائيلية".
ومعبرة عن تعلقها بالديار، ختمت السيدة الفلسطينية حديثها بالقول إنه "لو أستطيع العودة إلى بيتي الآن لفعلت، ولن نترك المخيم، سنعود ونعيد بناء ما دمره الاحتلال الإسرائيلي".
وبموازاة الإبادة بغزة، وسّع الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ما أسفر عن استشهاد 882 فلسطينيا، وإصابة نحو 6 آلاف و700، واعتقال 14 ألفا و300 آخرين، وفق معطيات رسمية فلسطينية.
وبين 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 و19 كانون الثاني/ يناير 2025، ارتكبت إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية بقطاع غزة خلفت نحو 159 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.