بحسب السردية التي يحاول اليمين الإسرائيلي المتطرّف ترسيخها في الحيّز العام على هامش حرب الإبادة في غزّة، وكذلك على نحو دائم، فإن عملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر 2023 وضعت إسرائيل أمام خيارين وجوديين لا مهرب من أن تختار واحداً منهما: الإبادة، أو تهجير ملايين السكان الفلسطينيين الذين يعيشون في "أرض إسرائيل". وهما الخياران الوحيدان اللذان يمنحان "شعب إسرائيل الحياة".

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

هذا ما يمكن الاستدلال عليه من سيلٍ غير منقطع من التحليلات ومقالات الرأي التي تنشر تباعاً في منابر هذا اليمين المتعدّدة، حتى قبل أن يطرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقترحه بهذا الشأن على الملأ، وأكثر فأكثر بعد أن طرحه. كما أن في الوسع استيحاء ذلك من تصريحاتٍ صدرت عن وزراء وأعضاء كنيست منذ بداية الحرب.

وأشار كاتب هذه السطور الأسبوع الفائت إلى أن مقترح ترامب فيه ما يتصادى مع مخطّطات ترانسفير من الصعب حصرها في عجالة، طرحتها الحركة الصهيونية منذ تأسيسها وفي ما بعد دولتها، بما في ذلك ما يتعلق بقطاع غزّة ولا سيما بعد احتلاله موقتًا عام 1956 واحتلاله في عام 1967. وربما يستلزم إنعاش الذاكرة تأكيد أنه يتصادى أيضاً مع نشر عضوي الكنيست داني دانون [من حزب الليكود الحاكم] ورام بن باراك [من حزب "يوجد مستقبل" الوسطي المعارض]، وهما عضوان في لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي، يوم 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، مقالا في صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، يقترحان فيه "مبادرة جديدة بشأن قطاع غزّة"، تنص على تنفيذ ترانسفير طوعي لسكان القطاع الفلسطينيين إلى شتّى الدول. وانتقد كلاهما القرار الذي وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية.

وفي الجزء المثير من مقالات الرأي والتحليلات في منابر اليمين الإسرائيلي المتطرّف نعثر على تسويغات للترانسفير الواجب تنفيذه بحق السكان الفلسطينيين في القطاع، تؤكد أنها عندما تخلص إلى النتيجة المرتبطة بالخيارين الوجوديين اللذين طرحتهما عملية "طوفان الأقصى" أمام دولة الاحتلال، تقصد بالنسبة إلى خيار إبادة السكان الفلسطينيين تلك المُطلقة التي لا تبقي ولا تذر، ويُعتقد أنه "تعذّر تنفيذها" الآن، في إشارة ضمنيّة إلى أن جرائم الإبادة الفظيعة المرتكبة لا تشفي غليل هذا اليمين الذي يبدو غير مكتفٍ بأقل من فظائع المحرقة.

ولا يقل إثارة عن ذلك أن تأييد الترانسفير يجمع تحت سقف واحد الائتلاف الحاكم والمعارضة، مثلما يبرهن المقال المشترك لدانون وبن باراك، المذكور أعلاه، والذي يجسّد إرثاً صهيونيّاً عريقاً قوامه الإجماع على لزوم الترانسفير.

كي لا نضيع في وهج التعميم، أشير، مثلًا، إلى مقال نشره المؤرّخ تسفي سدان في موقع "عروتس 7" (القناة السابعة) التابع للصهيونية الدينية يوم 3 فبراير/ شباط الجاري بعنوان "في مديح الترانسفير" وكرّر فيه أن تبني مبدأ الترانسفير يعكس، في العمق، ولاءً لأهم "كنوز" الحركة الصهيونية وتوكيداً لإحدى دعاماتها التي لولاها ما كان في مقدرتها أن تُفلح في ما أفلحت في تحقيقه، وهو "تنظيف" فلسطين من أهلها وأصحابها الأصليين وإقامة إسرائيل على أنقاض وطنهم.

ويقتبس سدان عن بيرل كتسلنسون، أحد القادة العماليين اليساريين في الحركة الصهيونية، قوله في 1937: "الترانسفير بحق السكان أثار جدلاً فيما إذا كان مسموحاً أو محظوراً. وضميري مرتاح تماماً بهذا الصدد، لأن الجار البعيد أفضل من العدو القريب، وبالتأكيد نحن لن نخسر من إبعاد الجيران".

كتسلنسون نفسه هذا هو الذي خاطب أعضاء حركة "هشومير هتسعير" [الحرس الفتيّ] العمالية التي يبدو أن بعضهم أبهظه موضوع الترانسفير، قائلًا لهم: "من دون الترانسفير ما كان في مقدورنا أن نقيم [كيبوتسي] مرحافيا ومشمار هعيمق... ومعروف أن كل الكيبوتسات الـ80 التابعة لـهشومير هتسعير قامت على أنقاض 80 قرية أو أراضي قبائل عربية تم شراؤها أو ترانسفرتهم منها"!