رغم الانتقادات الدولية الحادة التي وُجهت لمقترحه بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، أصر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مساء الأربعاء، على أن "الجميع يحبون" فكرته، وذلك خلال حديثه مع الصحافيين في البيت الأبيض، متجاهلًا المعارضة الشديدة التي قوبل بها المقترح من الفلسطينيين ودول المنطقة والمجتمع الدولي.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

وقال الملياردير الجمهوري للصحافيين في البيت الأبيض ردّا على سؤال بشأن ردود الفعل على فكرته إنّ "الجميع يحبّونها".

وجاءت تصريحات ترامب بعدما كشف عن خطته خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، فجر الأربعاء، حيث أعلن أنه يريد "السيطرة" على قطاع غزة، مقترحًا ترحيل سكانه إلى الأردن أو مصر، رغم الرفض القاطع لهذه الفكرة من قِبل القاهرة وعمان والفلسطينيين أنفسهم.

وأثار المقترح الأميركي موجة غضب دولية، إذ أكد المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، أن "الترحيل القسري للسكان من الأراضي المحتلة محظور تمامًا" وفق القانون الدولي، مشددًا على أن الحق في تقرير المصير "مبدأ أساسي يجب أن تصونه جميع الدول".

من جهتها، وصفت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيزي، خطة ترامب بأنها "غير قانونية وغير مسؤولة تمامًا"، محذرة من أنها قد تؤدي إلى "تفاقم الأزمة الإقليمية، وتُسهم في التواطؤ بجرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل خلال الأشهر الماضية".

وفي السياق ذاته، نددت جامعة الدول العربية بالمقترح، معتبرة أنه "طرح مرفوض قانونيًا وأخلاقيًا، ويمثل وصفة لانعدام الاستقرار"، مشددة على أن الحل الوحيد المقبول دوليًا هو "تحقيق حل الدولتين، وليس الترويج لسيناريو تهجير الفلسطينيين".

وعلى الصعيد العربي، أكدت الرياض رفضها القاطع لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، مجددة التزامها بحل الدولتين، ومشيرة إلى أن أي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل "لن تتم إلا بعد إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية".

وفي تصريحات لاذعة، وصف الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، مقترح ترامب بأنه "يصعب فهمه"، مشددًا على أن الفلسطينيين هم الأجدر بتقرير مصير غزة وإعادة إعمارها، وليس أي جهة خارجية.

أما وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، فقد شدد على أن "طرد الفلسطينيين من غزة غير مقبول نهائيًا، ولا يمكن لدول المنطقة القبول به أو حتى مناقشته".

كما أكدت الصين وفرنسا وألمانيا وإسبانيا رفضها لأي مخطط يؤدي إلى تغيير التركيبة السكانية في غزة، في حين شددت إيطاليا على أن "الحل الوحيد هو إقامة دولتين، وليس فرض أمر واقع جديد".

وخلال حديثه عن رؤيته لمستقبل غزة، قال ترامب إن الأراضي التي دمرتها الحرب "يجب تحويلها إلى ريفييرا الشرق الأوسط"، معتبرًا أن سكان القطاع المدمر "يمكنهم العيش في أماكن أخرى، تمامًا كما حصل مع لاجئين في مناطق أخرى من العالم". ولم يقدّم أي تفاصيل بشأن كيفية تنفيذ هذه الخطة أو الطريقة التي سيتم بها تهجير أكثر من مليوني فلسطيني من القطاع.

مشروع ترامب: بين الخيال السياسي والمساومة

وتمثل المشاريع التي طرحها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشأن السيطرة على قطاع غزة وترحيل سكانه، ضربًا من الخيال غير القابل للتحقيق، بقدر ما تثير سيلاً من المعارضة داخل المنطقة وخارجها.

ويعيد هذا الطرح إلى الأذهان تصريحات سابقة لترامب خلال ولايته السابقة، حين اقترح ضم قناة بنما وغرينلاند، أو جعل كندا الولاية الأميركية الـ51، أو حتى نقل السجناء المتهمين بجرائم عنيفة من السجون الأميركية إلى السلفادور لقضاء عقوباتهم هناك. وكما واجهت هذه المقترحات رفضًا واسعًا، يبدو أن مشروعه بشأن غزة يصطدم بواقع لا يمكن تجاوزه بسهولة.

فشل في قراءة الواقع الفلسطيني والعربي

ولا يأخذ ترامب في الاعتبار مدى تمسك الفلسطينيين بأرضهم، وهو ما ظهر جليًا عقب الإعلان عن وقف إطلاق النار، حيث عاد نصف مليون نازح إلى شمال قطاع غزة رغم حجم الدمار الهائل. وفي هذا السياق، قالت الشابة لميس العوادي (22 عامًا)، لدى وصولها إلى منزلها المدمّر في 28 كانون الثاني/ يناير الماضي: "إنه أجمل يوم في حياتي... سنعيد بناء بيوتنا حتى لو كان ذلك بالطين والرمل".

وتوقعت المحللة السياسية، إميلي هاردينغ، من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، أن "تنتقل ردود الفعل من الارتباك إلى الاستنكار، مع تصاعد الاحتجاجات في الشرق الأوسط وخارجه خلال الأيام المقبلة". ويعد اقتراح ترامب إرسال قوات أميركية إلى غزة لفرض سيطرته عليها خرقًا لوعوده الانتخابية بعدم التدخل في نزاعات خارجية، ما أثار انتقادات حتى داخل الأوساط الأميركية.