بينما تحوّل قطاع غزة إلى مكان مدمر بفعل حرب الإبادة الإسرائيلية، تتكشف مخططات أميركية - إسرائيلية تتجاوز الحرب إلى إعادة تشكيل مصير القطاع، تقوم على إخلاء غزة من سكانها الفلسطينيين وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، في مشروع استثماري يتجاهل حقيقة أن هذه الأرض ليست للبيع، ولا سكانها للترحيل.
تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"
وأحيى طرح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لقطاع غزة خال من سكانه الفلسطينيين وإعادة تطويره ليصبح منتجعا ساحليا دوليا تحت السيطرة الأميركية، فكرة سبق أن طرحها صهره جاريد كوشنر قبل نحو عام، بحسب ما جاء في تقرير لوكالة "رويترز"، اليوم الخميس.
وأثارت الفكرة التي تحدث عنها ترامب في مؤتمر صحافي مشترك مع نتنياهو، فجر الأربعاء، ردود فعل صادمة من الفلسطينيين ومعارضة عربية وغربية واسعة، في ما يشدد الحقوقيون على أنها تمثل تطهيرا عرقيا، كما أنها غير شرعية بموجب القانون الدولي.
لكن هذه لم تكن المرة الأولى التي يتحدث فيها ترامب عن غزة من وجهة نظر فرص الاستثمار العقاري. ففي تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، قال في مقابلة إذاعية إن غزة قد تكون “أفضل من موناكو” إذا ما أعيد بناؤها بالطريقة الصحيحة.
وظهرت فكرة "إعادة تطوير" غزة بشكل جذري بعد وقت قصير من بدء حرب الإبادة الجماعية على غزة في أعقاب هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لا سيما من جانب كوشنر الذي ساعد بصفته مبعوثا خاصا للشرق الأوسط في ولاية ترامب الأولى في دفع "اتفاقيات أبراهام" لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.
وسبق أن وصف كوشنر الصراع العربي الإسرائيلي بأكمله بأنه "ليس أكثر من نزاع عقاري بين الإسرائيليين والفلسطينيين". وقال في فعالية في هارفارد في شباط/ فبراير 2024 إن "العقارات على الواجهة البحرية لغزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة، إذا ما ركز الناس على توفير سبل العيش".
وتابع "إنه وضع مؤسف بعض الشيء هناك، لكنني أعتقد من وجهة نظر إسرائيل، أنني سأبذل قصارى جهدي لإجلاء الناس ثم تنظيف المكان". وكان كوشنر نفسه مطورا عقاريا في نيويورك قبل ولاية ترامب الأولى.
كما أن هناك شكوكا بشأن كيفية فهم اقتراح ترامب بالمعنى الحرفي، فهو معروف كصانع صفقات يطلق العنان لنفسه ومعتاد على إرباك شركائه في التفاوض بهجمات من زوايا غير متوقعة، وسط تحليلات بأن الترويج لمقترح تهجير الغزيين يأتي في هذا السياق.
وقال مصدر مقرب من الديوان الملكي في الرياض إن السعودية، "لن تأخذ هذا التصريح على محمل الجد. فهو لم يتم التفكير فيه جيدا ومن المستحيل تنفيذه، ولهذا فإنه سيدرك ذلك في النهاية"، علما بأن ترامب يسعى إلى تسوية تتيح كذلك دفع التطبيع بين السعودية وإسرائيل.
وفي بيان صدر يوم أمس، الأربعاء، قالت وزارة الخارجية السعودية إن المملكة ترفض أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، مشددة أن تطبيعها مع إسرائيل مشروط بإقامة دولة فلسطينية؛ كما نددت السلطة الفلسطينية وحماس بهذه التصريحات.
ولم يتسن التأكد مما إذا كان كوشنر، الذي تلقت شركته الاستثمارية الخاصة، استثمارات من دول الخليج بما في ذلك ملياري دولار من السعودية، قد شارك في أي مناقشات في المنطقة بشأن الاستثمار في غزة، في إطار الدوائر الضيقة للرئيس ترامب.
وبالنسبة للفلسطينيين، ومع كون فكرة تحويل غزة إلى منتجع ساحلي تبدو مستبعدة، فإن مثل هذا الحديث يذكرهم بنكبة عام 1948 وإعلان قيام إسرائيل بعد تهجيرها 700 ألف شخص هجروا قسرا وأجبروا على ترك منازلهم.
ولم يتم الكشف عن كيفية تنفيذ رؤية ترامب بإنشاء "ريفييرا الشرق الأوسط" في غزة حيث لا تزال حركة حماس تمسك بقوة بزمام الأمور بعد 15 شهرا من حرب الإبادة الجماعية على القطاع، علما بأن الرؤية الأميركي تتوافق مع أحلام اليمين المتطرف في إسرائيل.
ويحكم ملكية الأراضي في غزة مزيج معقد من اللوائح والعادات التي تضرب بجذورها لفترة الحكم العثماني والانتداب البريطاني والقوانين الأردنية، بالإضافة إلى الممارسات التي تحددها العائلات، مع دعم سندات ملكية الأراضي أحيانا بوثائق من أنظمة قانونية سابقة.
ويرى ترامب أنه بعد 15 شهرا من القصف أصبحت غزة "موقع هدم"، وفقا لتعبيره. وقال مبعوثه للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إن إعادة البناء ستحتاج ما بين عشرة و15 عاما. وويتكوف نفسه مطور عقاري سابق، وأشارت تقارير إلى أن مقترح ترامب تأثر بانطباعات مبعوثه الذب أصبح الأسبوع الماضي، أكبر مسؤول أميركي تطأ قدمه القطاع منذ بدء الحرب.
وتشير التقديرات إلى أن تكاليف إعادة إعمار غزة قد تصل إلى 100 مليار دولار. لكن دول الخليج، التي تمثل مصدرا محتملا للاستثمار في إعادة إعمار القطاع، ترفض بشدة تقديم أي تمويل ما دام الطريق إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة مسدودا.