قال المستشار القانوني لنقابة العمال العرب ومقرها بمدينة الناصرة، وهبة بدرانة، في حديث لـ"عرب 48"، إن هنالك شهادات جُمعت من العمال الفلسطينيين الذين تواجدوا في إسرائيل أثناء هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تؤكد بأن بعض العمال تعرضوا للتعذيب حتى الموت على الحواجز وفي السجون والمعتقلات الإسرائيلية، ومنهم من اختفت آثارهم ولم تعرف أي معلومات عنهم حتى اليوم.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

ولفت إلى أنه بعد مرور عام على استجواب قدمته نقابة العمال العرب لعدد من المؤسسات الأمنية والعسكرية حول ظروف استشهاد 46 عاملا فلسطينيا من قطاع غزة بعد اختفاء آثارهم يوم الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أقرت مصلحة السجون الإسرائيلية في جواب غامض وغير واضح بأن هناك 34 عاملا استشهدوا داخل السجون والمعتقلات بظروف غامضة أو بنوبات قلبية.

وأوضح وهبة، أنه "حتى يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 كان يعمل في إسرائيل 18 ألفا من العمال الغزيين بشكل منظم وبحوزتهم تصاريح عمل، وبعد يوم من هجوم حماس قام المنسق العسكري في الإدارة الأمنية وهو المسؤول عن إصدار التصاريح للعمال الفلسطينيين بسحب كل تصاريح العمال الفلسطينيين من الضفة وقطاع غزة، وبالتالي كان من السهل على عمال الضفة الغربية العودة إلى بلداتهم، في حين كان وضع العمال الغزيين أكثر صعوبة وتعقيدا".

وتابع أن "حالة من الفوضى سادت المنطقة الحدودية بين إسرائيل وغزة والمسماة ’غلاف غزة’، وحدث هناك التباس ولم يعد أحد يعرف من هم العمال ومن هم المتسللون بعد اقتحام الجدران وانهيارها، وبسبب هذه الفوضى تشتت العمال الغزيون فمنهم من خشي العودة إلى غزة ومنهم من وجد لنفسه ملجأ في الضفة الغربية ومنهم من جرى احتجازهم واعتقالهم وتنكيلهم بشكل وحشي وفظيع على الحواجز العسكرية انتقاما لما وقع من أحداث في ’غلاف غزة’".

وسرد وهبة شهادات ما تعرض له العمال الغزيون بالقول "هنالك المئات من العمال الغزيين الذين اقتيدوا إلى معتقلات ’عوفر’ و’عطاروت’ و’سديه تيمان’ في الجنوب، كما نقل البعض منهم إلى معتقلات في الضفة الغربية. أما العمال الذين تمكنوا من الهرب ووصلوا إلى مدن وقرى الضفة الغربية، قامت السلطة الفلسطينية باستيعابهم في مبنى الكلية الحربية العسكرية في مدينة أريحا بعد أن حولته إلى ما يشبه الفندق".

"عرب 48": أنتم كمؤسسة تهتم بشؤون العمال، متى بدأتم التحرك لمعرفة مصير هؤلاء العمال؟

وهبة بدارنة

بدارنة: نحن في نقابة العمال العرب لدينا ثلاثة باحثين ميدانيين يعملون معنا منذ سنوات في كل ما يخص القضايا العمالية، وقد بدأت تصلنا شكاوى وتوجهات بواسطة هؤلاء الباحثين من عائلات فلسطينية غزية فقدت الاتصال مع من كانوا يعملون في إسرائيل ولم يعودوا إلى ديارهم، وعندما أصبح عدد هذه الشكاوى بالمئات، رأينا بأن الموضوع جدّي ولم يعد الحديث عن أفراد وقمنا بإجراء اتصالات مع الإدارة المدنية والشرطة والجيش ومصلحة السجون التي لم تقدم لنا أجوبة، لا بل تعاملت كل منها مع الموضوع باستهتار واستخفاف.

حصلنا على توكيل من أهالي بأسماء وأرقام هويات العمال وهم من جباليا والنصيرات والمغازي وخانيونس وغيرها عبر ممثلينا في غزة، وبدأنا عملية بحث جدّية لمعرفة مصير هؤلاء العمال حسب الأماكن التي كانوا يعملون فيها داخل إسرائيل، وهذا التوكيل يسهّل علينا العمل بشكل قانوني وأمام الدوائر الرسمية.

"عرب 48": هل قمتم باستجواب العمال الذين عادوا إلى منازلهم للاستفادة من شهاداتهم؟

بدارنة: توجهنا إلى مبنى الكلية العسكرية في أريحا الذي كان يؤوي مئات العمال الغزيين، وحصلنا على شهادات منهم حول مصير العمال الذين كانوا يعملون معهم في نفس الورش، وكانت لدينا قائمة بأسماء 70 عاملا غزيا ممن فقدت آثارهم، وفعلا قدموا لنا معلومات استطعنا الاستفادة منها حول مصير بعض العمال، وقد بدأت الدائرة تتقلص إلى 65 عاملا مفقودا معظمهم كانوا قد أجروا اتصالات مع ذويهم في بداية الحرب، لكن هذه الاتصالات انقطعت في مرحلة لاحقة ونحن نتحدث هنا عن شهر آذار/ مارس 2024 أي بعد مرور حوالي خمسة أشهر على بداية الحرب.

"عرب 48": إزاء المماطلة والاستهتار من قبل المؤسسات والدوائر الحكومية، ألم تتوجهوا إلى المؤسسة القضائية لإجبار هذه الدوائر على تقديم أجوبة لكم؟

بدارنة: لم نترك بابا واحدا لم نطرقه.. نعم توجهنا إلى المحكمة العليا، وفي أعقاب ذلك نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقريرا حول الموضوع، وحصلت الصحافية معدّة التقرير على تعقيب من الناطق باسم المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وقيل لها إن جثامين بعض من العمال الذين قتلوا على الحواجز نقلت إلى غزة للدفن عبر حاجز "إيرز"، أما المحكمة العليا الإسرائيلية فطلبت منا تقديم المزيد من التبريرات حول القضية لسلطات الجيش ومصلحة السجون لمعرفة أسباب احتجاز هؤلاء العمال في المعتقلات، ونحن نتحدث هنا عن أكثر من ألفي عامل.

"عرب 48": بعد أن تقلصت الدائرة وأصبح لديكم معلومات عن هؤلاء العمال وأماكن تواجدهم سواء إن من بقوا في المعتقلات أو الذين أفرج عنهم، كم عدد المفقودين الذين لم تتمكنوا من معرفة أي شيء عنهم؟

بدارنة: بقي لدينا 46 عاملا لا نعرف عنهم أية معلومة حتى اللحظة، وبعد العديد من المراسلات والطلبات والاستجوابات، ردوا علينا بأن هنالك 34 عاملا قد توفوا في ظروف غير معروفة ربما نتيجة أمراض أو نوبات قلبية على حد ما ادعوا لنا، بمعنى أنهم أرادوا إرضائي بأي جواب لكي أتوقف عن ملاحقتهم. لكن بناء على الشهادات التي حصلنا عليها من العمال في أريحا، وشهادات الأهالي وبعض أشرطة الفيديو التي كانت متداولة في حينه من انتهاكات وتعرية العمال وضربهم بوحشية وصلنا إلى نتيجة بأن بعض العمال تم تعذيبهم حتى الموت.

وعلى إثر ذلك، قدمنا تقريرا للنقابات العمالية في أوروبا وخصوصا فرنسا وبلجيكا وبريطانيا مرفقا بالشهادات، واجتمعت أنا ومجموعة من النقابين المحليين بأعضاء النقابات في أوروبا الذين أعربوا عن امتعاضهم إزاء هذه الشهادات واقترحوا الانضمام إلى الشكاوى المقدمة ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية في لاهاي.

كما جرى استدعاء عمال من غزة إلى جنيف للإدلاء بشهاداتهم أمام منظمة العمل الدولية رغم كل الصعوبات والتقييدات، وقامت المنظمة بتغطية كل مصاريف السفر والإقامة لأربعة من العمال الغزيين الذين تعرضوا للاعتقال والتعذيب، وقام الاتحاد الكونفدرالي للنقابات الأوروبية بالانضمام إلى الدعوى المقدمة في لاهاي، وكذلك تبرعت منظمة العمل الدولية بمبلغ مليون دولار لتعويض العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة الذين خسروا عملهم دون أن يحصلوا على حقوقهم من المشغلين.

اقرأ/ي أيضًا | ارتفاع في نسبة البطالة: الحرب تتسبب بفقدان عشرات الآلاف أماكن عملهم

اقرأ/ي أيضًا | سحب عشرات التصاريح من العمال الفلسطينيين بذريعة "منشورات تحريضية"